رقيق تمبكتو ينالون حريتهم بعد هزيمة الإسلاميين في مالي

رغم إلغاء الرق في البلاد لا يوجد قانون يجرمها

مباركة والت هالانا، التي تحررت من الرق، في منزلها بتمبكتو (واشنطن بوست)
TT

لم يعد سيدها ذو البشرة البيضاء يضربها بسوط الجمال، أو يجبرها على العمل ليل نهار دون أجر، فقد فر السيد مع عائلته قبل أربعة أشهر بعد سقوط الإسلاميين الذين حكموا هذه المدينة التاريخية لفترة وجيزة. وقالت أمينايا تراوري (50 عاما) التي ولدت في الرق: «لقد صرت حرة، لن يجبرني أحد على فعل شيء مرة أخرى».

بعد انتهاء حكم الإسلاميين ذاق مئات من رقيق العصر الحديث في هذه المدينة الصحراوية طعم الحرية، الذي عرفه البعض منهم للمرة الأولى. فقد فر كل الطوارق ذوي البشرة البيضاء الذين جعلوهم رقيقا، من المدينة خشية التعرض لهجمات انتقامية لدعمهم الإسلاميين أو الانفصاليين الطوارق الذين أسهم تمردهم في استيلاء الإسلاميين على شمال مالي العام الماضي.

وتقول روكياتو سيسيه، عضو في منظمة «تيمدت»، العاملة في مجال حقوق الإنسان: «كان السود يتعرضون للاستغلال بشكل أكبر من ذوي البشرة المشربة بالحمرة. قالوا لنا (نحن متحالفون مع الإسلاميين، ونحن أصحاب السلطة. نحن السادة وأنتم العبيد. وسنفعل ما نشاء). الآن، استفاد العبيد من فرار السادة».

هذه البهجة تؤكد على عمق الانقسام الذي عانته مجتمعات شمال مالي خلال الأشهر العشرة التي حكم فيها الإسلاميون، الذين ضموا في صفوفهم جهاديين محليين فضلا عن الأجانب التابعين لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذين أخرجتهم الحملة العسكرية التي قادتها فرنسا في يناير (كانون الثاني) من البلدات في الشمال، على الرغم من استمرار حرب عصابات.

في ظل حكم الإسلاميين استغل الكثير من الطوارق والعرب خلفياتهم العرقية المشتركة مع الجهاديين وطغوا على جيرانهم من السود. هذا الصدع بين المجتمعات قد يستغرق سنوات، إن لم يكن عقودا كي يلتئم، بحسب قول السكان.

ويقول سالم ولد الحاج (73 عاما)، مؤرخ محلي، ألف أربعة كتب عن تمبكتو: «إنه جرح غائر يصعب التئامه. قد يستغرق ذلك عشرة أو عشرين وربما ثلاثين عاما. فلم يعد أحد الشركاء يثق في شريكه».

ألغيت العبودية في مالي عام 1960 عقب حصول الدولة الواقعة في غرب أفريقيا على استقلالها، واعتبر الدستور المالي المواطنين متساوين في الحقوق، لكن رغم ذلك لا يوجد قانون يجرم العبودية، وهو ما يزيد من صعوبة اتخاذ إجراء قانوني، إضافة إلى ذلك لا توجد إرادة سياسية واضحة للتعامل مع المشكلة، نظرا لإنكار الكثير من الحكومات وجود العبودية.

وتشير تقديرات مؤسسة «تيمدت» التي تعني التضامن، إلى وجود ما يقرب من 200000 شخص يعيشون أوضاعا شبيهة بالرق في مالي، يعيش غالبيتهم في المناطق الريفية. وتقول منظمة مناهضة الرق الدولية إن «العبودية القائمة على النسب» قائمة في دول غرب أفريقيا، بما في ذلك موريتانيا والنيجر. والرقيق الذين تحرروا، كانوا يفرون في الأغلب، لا يزالون يعانون من التمييز بسبب مكانة عائلاتهم كعبيد. والسواد الأعظم من الأفراد الذين يملكون الرقيق هم من الطوارق، على الرغم من أن بعض المجموعات العرقية السوداء في شمال مالي اشتهرت بامتلاكها الرقيق، الذين كانوا يعرفون باسم «بيلا» التي تعني «أسود».

واعتاد الطوارق على الإغارة على مجتمعات البيلا واختطاف القرويين للعمل لديهم في رعاية الأغنام والخدمة في المنازل والعمل في مناجم الملح، والاستغلال الجنسي، بيد أنه في أوقات المجاعات كان البيلا يدخلون طواعية في نظام استرقاق كي يحصلوا على قوتهم. وظل الكثير منهم مع سادتهم بسبب الحاجة الاقتصادية واضطروا للعيش في ظل الانتهاكات.

واستوعب الكثير من البيلا في الوقت الحالي ثقافة الطوارق ويتحدثون لغتهم، التاماشيك، وتبنوا ممارسات ثقافية مشابهة، حتى إن البيلا يطلق عليهم في بعض الأحيان التاماشيك السود.

ويقول رقيق سابقون، لا يزالون أرباب أعمالهم يعاملونهم وكأنهم حق لهم، إن كثيرا من الرقيق الذين فروا من سادتهم في القرى النائية قدموا إلى تمبكتو بحثا عن عمل، لكن ولأنهم لا يتمتعون بمهارات أو تعليم رسمي يجبر الكثير منهم على العمل كرقيق، لكنهم على الأقل يحصلون على أجر، وعلى الرغم من المبالغ الزهيدة التي يتقاضونها فإنهم يعملون لساعات محدودة ونادرا ما يتعرضون للضرب، بحسب أحد الرقيق السابقين الذين أسهب في الحديث لأن سادته فروا من تمبكتو.

ذلك الوضع تغير في أعقاب الانقلاب العسكري الذي وقع في مارس (آذار) 2012 والذي أدى إلى انتشار حالة من الفوضى في البلاد سمحت للانفصاليين الطوارق بامتلاك القوة. وشارك مقاتلو تنظيم القاعدة في التمرد وخلال أسابيع تمكنوا من طرد متمردي الطوارق. وسيطر الجهاديون على تمبكتو في بداية أبريل (نيسان) وقاموا بتطبيق الشريعة.

وأوضح ناشطون في مجال حقوق الإنسان، أن الرقيق السابقين كانوا بين أوائل الضحايا الذين طبقت عليهم الشريعة. وقالت تراوري: «أراد أصحاب البشرة المشربة بالحمرة استعادة الأسلوب القديم للعبودية. قالوا لنا افعلوا ما تؤمرون به، وإلا سلمناكم للإسلاميين».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»