تفاقم خلاف المبدعين مع السلطة بمصر و«أوركسترا القاهرة السيمفوني» تعلق نشاطها

الفنان عزت العلايلي لـ«الشرق الأوسط»: الهجوم على الإبداع يتطور بشكل خطير

TT

تأزمت الخلافات بين المبدعين والسلطة المصرية مما دفع «أوركسترا القاهرة السيمفوني» الشهيرة للإعلان، من فوق خشبة المسرح بدار الأوبرا، وأمام الجمهور، عن الاعتذار عن مواصلة العزف، وأوقفت آلاتها الموسيقية وجمدت نشاطها إلى أجل غير مسمى، وهي واقعة غير مسبوقة في تاريخ الأوبرا المصرية. وقال الفنان عزت العلايلي، لـ«الشرق الأوسط»، والذي كان موجودا في حفل الأوركسترا الليلة قبل الماضية، إن الهجوم على الفن من جانب السلطات «يتطور بشكل خطير».

ومن جانبها تقول الحكومة إنها حريصة على تشجيع الفنون ورعاية المبدعين. ومع ذلك تفجرت المشكلة بين السلطة والمبدعين بعد أيام من تعيين وزير جديد للثقافة، هو الدكتور علاء عبد العزيز، وقيامه بإقالة عدد من القائمين على فروع ثقافية وفنية من بينهم رئيسة دار الأوبرا، بالتزامن مع تصعيد من نواب إسلاميين بالمجلس التشريعي ضد الفنون والإبداع بما فيها المطالبة بإلغاء فن «الباليه» العريق في مصر.

وصعد الفنان العلايلي على خشبة المسرح بعد توقف الأوركسترا عن العزف، وألقى كلمة دعا فيها المصريين للحفاظ على المكتسبات الثقافية والفنية التي تحققت لبلادهم طيلة العقود الماضية. وأوضح ردا على أسئلة «الشرق الأوسط» قائلا إن موقف أوركسترا القاهرة السيمفوني التي اعتذرت للجمهور عن مواصلة العزف، يحدث لأول مرة في تاريخها، وذلك احتجاجا على موقف وزير الثقافة الذي جرى تعيينه الشهر الماضي، وقيامه باستبعاد بعض القيادات دون سابق إنذار.

وفاجأ فنانو أوركسترا القاهرة السيمفوني الجمهور الذي حضر لمشاهدة عرضها في المسرح الكبير في دار الأوبرا بالعاصمة المصرية بإعلان اعتذارهم عن تقديم العروض، احتجاجا على ما قالوا إنه «قرارات وزير الثقافة». وصعد عدد من كبار الفنانين والأدباء والمثقفين المتضامنين ضد «سياسات وزير الثقافة» على خشبة المسرح، ودعوا إلى «رفض سياسات جماعة الإخوان»، و«رفض كل السياسات المعادية للإبداع والموسيقى وحرية الفكر». وتأتي هذه الخطوة من جانب «أوركسترا القاهرة السيمفوني» التي يعود تاريخها لمنتصف القرن الماضي، بعد يومين من تعليق «أوبرا عايدة» فعالياتها للسبب نفسه.

وكان الوزير عبد العزيز مدرسا بأكاديمية الفنون (معهد السينما) قبل أن يتولى موقعه التنفيذي في الحكومة التي يهيمن عليها التيار الإسلامي. وتشرف وزارته على قطاعات الآداب والموسيقى والفنون والثقافة. وجرى خلال الأسبوعين الأخيرين استبعاد قيادات بالوزارة من العمل من بينهم إيناس عبد الدايم، رئيسة دار الأوبرا، والدكتور أحمد مجاهد رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وصلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية، إضافة إلى تحويل سامح مهران، رئيس أكاديمية الفنون، للنيابة الإدارية، إلى جانب استقالة الدكتور سعيد توفيق، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة.

ويقول مصدر مقرب من وزير الثقافة عن مبررات الإجراءات الجديدة التي اتخذها في الوزارة وأثارت غضب قطاع من المثقفين والمبدعين والفنانين، إن الوزير «يسعى لمحاربة الفساد ويهدف إلى تطوير العمل داخل الوزارة، مع ترشيد الإنفاق بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد».

لكن عددا من المبدعين ممن واصلوا أمس احتجاجهم أمام مقر الوزارة في ضاحية الزمالك، وعلى رأسهم «الجبهة المصرية للدفاع عن الثقافة والفنون»، يقولون إن تصرفات الوزير تعكس توجها من جانب الحكومة والمجلس التشريعي ضد الإبداع.

ومن جانبه أوضح الفنان العلايلي لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «إن استبعاد كل تلك القيادات المشار إليها ليس له سبب واضح و«هذا أمر غريب»، مشيرا إلى أن السلطات الجديدة التي تولت الحكم بعد ثورة 25 يناير تعادي الإبداع والتراث الثقافي والفني بمصر. وقال غاضبا: «إذن فليلغوا الفن كله لكي نخلص ونستريح»، لكنه شدد على أن أي محاولات للاعتداء على الفن مصيرها الفشل «لأن الفن ضلع رئيسي من أضلاع الحضارة لأي شعب».

وعما إذا كانت هناك طرق أخرى أمام الفنانين والمثقفين لحل المشكلة، سواء من خلال التحدث مع وزير الثقافة نفسه أو أي من كبار المسؤولين بالدولة مثل الرئاسة أو الحكومة، قال العلايلي: «تكلمنا مع كل الناس، ولم نتلق أي ردود نهائيا. كما ترى.. الدولة تفعل ما تريد، ولا مجيب».

وقال العلايلي: «نحن لدينا ودائع فلسفية واجتماعية وسياسية وعسكرية وفنية تعود للقرن الـ18 والـ19 والـ20، أخشى أن تتعرض للاعتداء.. هذا تاريخ مصر الذي نعيش عليه. ومن ليس له ماض ليس له مستقبل. القدامى قدموا لنا الكثير جدا، وعلينا أن نجدد وأن نحتفظ بالتراث العظيم الذي تركوه لنا».