سقوط أول قتيل في الاحتجاجات.. وأردوغان يتهم جهات خارجية

غل يهدئ المتظاهرين ويؤكد لهم أن «رسالتهم وصلت»

جانب من المواجهات بين محتجين وشرطة مكافحة الشغب في أنقرة أمس (رويترز)
TT

استمرت أمس المواجهات في تركيا بين الشرطة والمتظاهرين المناوئين لحكومة حزب «العدالة والتنمية»، ولو بوتيرة أخف عما جرى يومي الجمعة والسبت. وكان الوضع في العاصمة أنقرة أكثر سخونة منه في إسطنبول التي سيطر متظاهروها على ساحة «تقسيم» الشهيرة في وسط المدينة، لكن محاولاتهم التمدد في اتجاه مقر رئاسة الوزراء في المدينة اصطدمت برجال الشرطة، وكذلك في حي بشكطاش القريب منه. وسقط الليلة قبل الماضية أول قتلى المواجهات، عندما صدمت سيارة أجرة متظاهرا على طريق سريع في إسطنبول.

وبينما اتجه الرئيس التركي عبد الله غل نحو التهدئة، فإن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان تصرف بثقة عالية، فلم يلغِ جولة خارجية قادته إلى المغرب العربي، أمس، تاركا المتظاهرين يحاولون الاقتراب من مقره في إسطنبول، ليبدأ جولة يرافقه فيها 350 شخصا. وتحدث أردوغان للصحافيين عن «مؤامرة داخلية وخارجية»، مشددا على أن «الشعب سيقصينا إذا كنا ديكتاتوريين، وهو من سيرد على من نزلوا إلى الشوارع». ورفض أردوغان في تصريحات للصحافيين قبيل مغادرته في جولة مغاربية بدأها بالمغرب الحديث عن «ربيع تركي» في مواجهة المظاهرات.

وتساءل: «هل كان هناك نظام متعدد الأحزاب في الدول التي شهدت الربيع العربي؟». وأضاف أن «الذين يتحدثون عن (ربيع تركي) على صواب، حيث إننا في فصل الربيع بالفعل، ولكن البعض يريدون أن يحولوه إلى شتاء. ولن يفلحوا». وبسؤاله عما إذا كانت وصلت إليه رسالة المتظاهرين، أو أنه سيخفف لهجته المتشددة حيالهم، أجاب أردوغان: «أي رسالة هذه؟ أريد أن أسمعها منكم». وتابع: «كيف تكون اللهجة المخففة؟ هل بإمكانكم أن تقولوا لي؟». ووصف أردوغان بعض المتظاهرين بأنهم «سذج وطيبون يشاركون (في المظاهرات) متبعين معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي، متهما المعارضة ومجموعات متشددة بتنظيم المظاهرات». كما اتهم «أيادي داخلية وخارجية» عازمة على إيذاء تركيا، بأنها تحرك المظاهرات الاحتجاجية، وقال إن الاستخبارات التركية تتحرى هذه المجموعات، مهددا بالرد عليها، وقال: «سنصفي الحسابات معها».

وأنحى أردوغان باللائمة على حزب المعارضة العلماني الرئيس، وهو حزب الشعب الجمهوري، في تحريض المحتجين.

وأشار إلى أن الاحتجاجات ليس لها أي صلة بخطط الحكومة. وقال في مقابلة بثها التلفزيون التركي: «إنها احتجاجات آيديولوجية محضة. حزب المعارضة الذي يطلق دعوات للمقاومة في كل الشوارع يثير هذه الاحتجاجات.. هذا الأمر يتعلق بحزبي الحاكم وبالانتخابات المحلية الوشيكة في إسطنبول، وبمحاولات جعل حزب العدالة والتنمية يخسر أصواتا هنا». وقالت مصادر قريبة من أردوغان لـ«الشرق الأوسط» إن هناك خيوطا لدى الاستخبارات التركية عن تورط استخبارات خارجية في محاولة تسعير المظاهرات»، معتبرة أن «حزب الشعب الجمهوري سيندم كثيرا على دخوله هذه اللعبة.

وأوضحت المصادر أن أردوغان «واثق من شعبيته لدى الشعب التركي، ولن تردعه قلة من المشاغبين استغلوا نوايا طيبة عند بعض الناس». وحذرت المصادر من محاولة الدخول في «لعبة الشعبية.. لأنهم خاسرون فيها حتما».

وطلب رئيس حزب «الشعب الجمهوري» كمال كليتشدار أوغلو موعدا عاجلا من الرئيس عبد الله غل، الذي استقبله بعد ظهر أمس. وقالت مصادر غل لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس طلب من زعيم المعارضة المساهمة في تهدئة الشارع. ونفى حزب الشعب الجمهوري تنسيق الاضطرابات، ملقيا باللائمة على سياسات أردوغان. وقال محمد عاكف حمزة شابي أحد كبار أعضاء الحزب: «الناس الموجودون في الشوارع في كل أنحاء تركيا ليسوا من حزب الشعب الجمهوري فقط، ولكنهم ينتمون إلى جميع المذاهب الفكرية والأحزاب».

بدوره، دعا الرئيس التركي إلى الهدوء، قائلا إن رسالة المتظاهرين «وصلت». ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن غل قوله في اليوم الرابع من المظاهرات المناهضة للحكومة: «الديمقراطية لا تعني فقط انتخابات»، مضيفا: «الرسائل التي وجهت بنوايا حسنة قد وصلت». وأضاف: «أدعو جميع المواطنين إلى احترام القوانين والتعبير عن اعتراضاتهم وآرائهم بطريقة سلمية، كما فعلوا في السابق». كما دعاهم إلى الحذر من «المنظمات غير الشرعية» التي تستغل المظاهرات. وحذر من أي أعمال يمكن أن تضر بصورة تركيا.

وميدانيا، أطلقت الشرطة التركية بعد ظهر أمس الغاز المسيل للدموع لتفريق نحو ألف متظاهر في أنقرة. وتدخلت قوات الأمن حين تجمع المحتجون، وغالبيتهم من الشباب والطلبة في ساحة كيزيلاي، حيث جرت مواجهات عنيفة، أول من أمس (الأحد)، أدت إلى سقوط الكثير من الجرحى. وداهمت الشرطة مجمعا تجاريا في قلب العاصمة أنقرة لاعتقادها لجوء المتظاهرين إليه، وقامت باعتقال عدة أشخاص. واشتبك محتجون مع شرطة مكافحة الشغب حتى الساعات الأولى من صباح أمس، مع إشعال بعض المتظاهرين النار في مكاتب حزب العدالة والتنمية في مدينة أزمير. وقالت وكالة «دوجان» للأنباء إن محتجين ألقوا قنابل حارقة على مكاتب حزب العدالة والتنمية الحاكم، الليلة قبل الماضية، في مدينة أزمير الساحلية بغرب تركيا، وأظهرت مشاهد تلفزيونية اشتعال النار في جزء من مبنى الحزب.

وأغلقت الطرق الواقعة حول مكتب رئيس الوزراء في إسطنبول في الوقت الذي أطلقت فيه الشرطة الغاز المسيل للدموع لصد المحتجين في الساعات الأولى من صباح أمس. وفي الشارع الرئيس الواقع قرب مكتب أردوغان، قاد متظاهر جرارا صغيرا صوب خطوط الشرطة خلال الليل، وسار خلفه محتجون آخرون. وعند مسجد قريب عالج مسعفون، ومن بينهم أطباء متدربون، من أصيبوا خلال الاشتباكات.

من ناحية ثانية، قال اتحاد الأطباء التركي إن شابا تركيا عمره 20 عاما لقي حتفه عندما صدمت سيارة أجرة مجموعة من المتظاهرين على طريق سريع في إسطنبول خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وذلك في أول حالة وفاة معروفة لها علاقة بالمظاهرات. ويدعى المحتج القتيل محمد إيفاليتاس، وقال حسين ديميردوزين عضو اتحاد الأطباء إن أربعة أشخاص آخرين أصيبوا، أحدهم إصابته خطيرة. ونقلت صحيفة «حرييت» عن معمر غولر وزير الداخلية قوله إن أكثر من 200 مظاهرة وقعت في 67 مدينة في شتى أنحاء تركيا.

وعلى الصعيد الدولي، دعت ألمانيا إلى «الحوار والتهدئة» في تركيا، قائلة إنها تتابع الوضع «بقلق»، واعتبرت في الوقت نفسه أن هذه الأحداث لا تؤثر على محادثات انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي. وقال الناطق باسم الحكومة الألمانية ستيفن سيبرت خلال مؤتمر صحافي ردا على سؤال حول المظاهرات ضد حكومة رجب طيب أردوغان، وقمعها من قبل الشرطة، إن برلين «تتابع تطور الوضع في تركيا بقلق». وأضاف أن «حرية الرأي والمظاهرات حق أساسي في النظام الديمقراطي» داعيا كل الأطراف إلى «التعقل والحوار والتهدئة». وحول سؤال لمعرفة ما إذا كانت هذه الأحداث يمكن أن تترك أثرا على المفاوضات الحالية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا من أجل انضمام أنقرة، كان رده بالنفي. وقال: «ذلك ليس له أثر على المحادثات، لا أرى أي رابط مباشر بين الأمرين».

ووصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس عراقجي أن ما يحدث في تركيا «شأن داخلي». وذكرت وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء أن عراقجي امتنع عن التعليق على المظاهرات التي تشهدها تركيا، وذلك في معرض رده حول إمكانية تغيير أنقرة مواقفها حيال سوريا بعد استمرار المظاهرات الحاشدة منذ يوم الجمعة الماضي. وأعربت منظمة العفو الدولية عن قلقها إزاء تعامل الشرطة التركية مع المتظاهرين.