بعد مقتل الجندي البريطاني.. جدل ساخن حول دور مواقع التواصل الاجتماعي

«تويتر» و«فيس بوك» غصا بالتعليقات العنصرية.. والسلطات نفذت سلسلة اعتقالات

اعتقالات في بريطانيا مؤشر على أنه حتى أعرق الديمقراطيات في العالم تصارع القوة الناشئة للإعلام الاجتماعي
TT

بعد مقتل جندي بريطاني على يد متطرفين إسلاميين، تدافع مستخدمو وسائل الإعلام الاجتماعي إلى فيس بوك و«تويتر» الذي غص بتعليقات عنصرية ودينية أثارت الانتباه بشكل سريع على ساحات الإنترنت المكتظة.

وقد تسببت تعليقات ستة من مستخدمي مواقع الإعلام الاجتماعي على الأقل في سجنهم، فبعد شكاوى من الجمهور الغاضبين وجهت إليهم السلطات البريطانية اتهامات بارتكاب «اتصالات ضارة» بحق أسوأ المعتدين.

يعد قمع الإعلام الاجتماعي سمة مميزة للحكومات الشمولية من الصين إلى سوريا، لكن اعتقالات الأسبوع الماضي كانت الأحدث في سلسلة حالات مماثلة في بريطانيا، وهو يؤكد على أنه حتى أعرق الديمقراطيات في العالم تصارع القوة الناشئة للإعلام الاجتماعي.

فقد شهد العام الماضي توجيه اتهامات إلى 653 شخصا في إنجلترا وويلز بتهم جنائية تتعلق بنشاطهم على وسائل الإعلام الاجتماعي، ما يشير إلى زيادة في وتيرة الاعتقالات التي بلغت 46 حالة اعتقال في عام 2008، بحسب الإحصاءات التي كشف عنها لوسائل الإعلام بموجب قانون حرية المعلومات. وبعد مقتل الجندي الشهر الماضي، في شارع مزدحم جنوب لندن، يدفع البعض في الحكومة التي يقودها المحافظون إلى منح شرطة الاتصالات الإلكترونية سلطات موسعة، في محاولة لاستئصال الإرهاب في بريطانيا.

ومع تدخل السلطات في كثير من قضايا الإعلام الاجتماعي، إلا أن النقاشات تتصاعد بشأن الحق في التعبير في عالم يمكن لأي شخص يحمل جهاز هاتف جوال أو حاسبا أن يجد منبرا عاما.

وقال بادرايغ ريدي، خبير في مؤشر الرقابة، منظمة تعنى بحرية التعبير ومقرها لندن إنه لا توجد حماية عامة في بريطانيا لحرية التعبير عن الرأي كما هي موجودة بموجب (التعديل الأول للدستور) في الولايات المتحدة، وأضاف «لا زلنا نحاول تبين كيف يمكننا التعامل مع التعبير العام عبر وسائل الإعلام الاجتماعي. السؤال الذي يثير القلق، ونحن نحاول مجاراة الإعلام الاجتماعي، هل هناك توجه من قبل الحكومة والشرطة لمحاولة الحد مما يقوله بعض الأفراد؟».

لم يسمع أحد عن الاعتقالات المرتبطة بوسائل الإعلام الاجتماعي في الولايات المتحدة، حيث تم توجيه اتهامات لطالب في المدرسة الثانوية في نيوجيرسي في يناير (كانون الثاني) بكتابة «تغريدات مسيئة»، عندما هدد بتفجير صالة الألعاب الرياضية في مدرسة منافسة. لكن خبراء قانونيين قالوا: إن الاستجابة القانونية لوسائل الإعلام الاجتماعية كانت أكثر قوة في بريطانيا، التي يقول المنتقدون إنه توجه يحرص على حماية الخصوصية ووضع الأمن العام في المقام الأول قبل الحق في التعبير.

في الوقت ذاته، لم تشهد بريطانيا زيادة في الاتهامات الجنائية فحسب، بل شهدت أيضا عددا متزايدا من الدعاوى المدنية. ففي الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، أصبحت زوجة رئيس مجلس النواب العموم أحدث سبب لحروب «تويتر» في بريطانيا التي شهدت فرض غرامات عدد من مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعية بتهمة القذف.

في السياق ذاته تأتي قضية سالي بيركو، 43 عاما، التي قضت سنوات في تغريد الأنباء المثيرة بغزارة على «تويتر»، ما رفع قاعدة المتابعين لها إلى أعلى من بعض الصحف البريطانية. ولكن في قرار ينظر إليه على أنه تحذير لمستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعية على الصعيد الوطني، رأت المحكمة العليا أنها شهرت باللورد اليستير ماك ألبين بإشارتها في تغريدة لها مؤخرا إلى أن السياسي المحافظ شاذ جنسيا رغم كون الخبر من اختلاق هيئة الإذاعة البريطانية.

عندما كتبت بيركو في تغريدة «لماذا يتخذ اللورد ماك ألبين وجهة معينة؟ تجرأت كي تضع في أقل من 140 حرفا إشاعة جرى تداولها على نطاق واسع في الأوساط الإعلامية. ولكن كما هو الحال بالنسبة لبي بي سي التي اضطرت إلى عقد تسوية مع ماك ألبين على تقريرها الكاذب، أدت تغريدة بيركو إلى تسوية لم يكشف عن حجمها لكن صحيفة «الإندبندنت» قالت: إنها بلغت مئات الآلاف من الجنيهات. أدين في القضية أيضا مستخدمون لـ«تويتر» ذكروا اسم ماك ألبين، لكن الأحكام بحقهم كانت أخف وطأة حيث تم توجيه البعض منهم إلى التبرع للجمعيات الخيرية أو خدمة المجتمع في إطار تسوية قانونية منفصلة.

وقالت دينا شيلوه، وهي محامية متخصصة في قضايا الخصوصية في شركة «ميشكون دي ريا» في لندن: «يمكن لـ(تويتر) أن يشكل أداة خطيرة للغاية. لا ينبغي السماح للناس بوسم شخص بالشذوذ الجنسي أو إرسال تعليقات تهديدية ثم التستر وراء حرية وسائل الإعلام الاجتماعية».

جدير بالذكر أن حرية التعبير تلقى حصانة في مختلف القوانين البريطانية، موطن الماغنا كارتا (ميثاق الحريات العظيم) وموطن أبرز الصحف في العالم. لكن الاتصالات البريطانية وقوانين الخصوصية وضعت عددا من الاستثناءات، من بينها التهديد أو الإخلال بالسلم، والتحريض على العنف والتحرش.

وتقول السلطات إن التعليقات التي أدت إلى الاعتقالات الأخيرة لمستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعية توافقت مع تلك الاستثناءات. فقد بدت بعض المشاركات، التي كانت إحداها خاصة بعضو رابطة الدفاع الإنجليزية، مجموعة متطرفة قومية على الأقل، محاولة لإثارة الاضطرابات الاجتماعية في وقت يشهد توترا بشكل خاص.

لكن الملاحقات القضائية لحالات أخرى دفعت الكثيرين هنا إلى التساؤل عما إذا كانت السلطات تحاول أيضا تنظيم الذوق السليم واللياقة السياسية.

وخلال دورة الألعاب الأولمبية في لندن العام الماضي، على سبيل المثال، ألقي القبض على شاب يبلغ من العمر 17 عاما لإرساله تغريدة لتوم دالي، لاعب الغطس البريطاني، تشير إلى أن الرياضي خذل والده الراحل بتقديمه أداء سيئا. وفي قضية تشهير أخرى، وجهت إلى بول تشامبرز، مشرف صناعة مالية، اتهامات بارتكاب «اتصالات إلكترونية تهديدية» عندما كتب تغريدة كمزحة عن «تفجير» مطار في ساوث يوركشاير بعد أن أغلق بسبب الثلوج الكثيفة. وحول رد السلطات تشامبرز إلى بطل وطني. عندما واجه تشامبرز، الذي لقي دعما من الفنان الكوميدي البريطاني ستيفن فراي، الاتهام الموجه إليه في عام 2010. والذي تم إلغاؤه في الاستئناف العام الماضي.

وقال آندي تروتر، رئيس شرطة المواصلات في بيان: «نحن بحاجة لأن نقبل بحق الأفراد في التواصل حتى وإن كان التواصل بصورة بغيضة أو غير مستحبة، ولا توجد هناك رغبة من جانب الشرطة للتدخل في هذا الحكم. لكن بالمثل، هناك الكثير من الجرائم داخل وسائل الإعلام الاجتماعي مثل التحرش أو التهديدات المرتبطة بالعنف والتي تسبب ضررا حقيقيا. وهي أبرز الجرائم التي ينبغي على القوات التركيز عليها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»