طرابلس تحت رحمة رصاص القناصة ودخان الإطارات لحجب الرؤية

وزير داخلية لبنان: سياسيو المدينة مسؤولون عما يجري فيها

TT

لم تتمكن الاجتماعات والاتصالات المكثفة التي أجريت طوال نهار أمس، وشملت مسؤولين سياسيين، بدءا من الرئيس اللبناني ميشال سليمان، وحتى قادة المحاور المسلحين في منطقة باب التبانة، من إيقاف رصاص القنص الكثيف والقاتل الذي بقي يحصد الأرواح البريئة في مدينة طرابلس، شمال لبنان.

واستمر القناصة على نشاطهم الغادر، بعد أن أصبحوا مزودين بكواتم للصوت، بينما سمعت رشقات على بعض محاور الاقتتال بين الحين والآخر، مما أوحى بأن طرابلس تدخل في معركة باردة وطويلة، قادرة من دون اشتباكات طاحنة، على شل حياة المدينة، وإيقاع عدد كبير من الضحايا.

وقتل شخص أمس، بينما توفي آخر متأثرا بجروح أصيب بها أول من أمس. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر لبناني القول: «قتل مواطن سوري اليوم (أمس) في منطقة المنكوبين ذات الغالبية السنية في طرابلس برصاص قنص، بينما توفي عنصر في قوى الأمن الداخلي متأثرا بجروح كان أصيب بها أمس نتيجة رصاص قنص لدى مروره في منطقة سنية أخرى مجاورة في سيارته».

وأتت التصريحات السياسية المتضاربة، لتؤكد لمرة جديدة عجز السلطة، وسياسي المدينة، عن إيجاد أي حل ولو مؤقت لمأساة عشرات الآلاف ممن يقطنون في حيي باب التبانة (ذي الغالبية السنية) وجبل محسن (ذي الغالبية العلوية)، حيث تحول بعضهم إلى لاجئين في المدارس، والبعض الآخر حبيس الجدران، بالكاد يتمكن من التزود بحاجاته اليومية. وبقيت مرافق الحياة في المنطقتين وجوارهما مشلولة بالكامل.

ووصف وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال، مروان شربل، ما يجري في طرابلس بـ«المأساة». وقال قبيل اجتماع مجلس الأمن المركزي: «أشعر بأن المقاتلين خرجوا عن أوامر بعض السياسيين، وهناك تضامن سياسي من كل النواب والوزراء من أجل إنهاء هذه الفتنة، إلا أنها لم تنته بعد، وهذا ما يدل على أن المقاتلين في طرابلس يتبعون المثال القائل: لما اشتد ساعده رماني». وأضاف: «إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في طرابلس عليك أن تعرف ماذا يجري في سوريا، والسياسيون في طرابلس مسؤولون عن الواقع في المدينة، لأن من يتقاتل هم أبناء المدينة»، مشددا على أنه «لا يمكننا أن ندمر طرابلس بالضرب بيد من حديد، والجيش يتصرف بحكمة من أجل ضبط الوضع هناك». ولفت شربل إلى أن «مشاكل سوريا تنعكس سلبا لدينا، خاصة في مدينة طرابلس»، مؤكدا أن «95% من الطرابلسيين ضد ما يحصل».

وكان الرئيس اللبناني، قد اطلع صباح أمس، من قائد الجيش، جان قهوجي، على التدابير المتخذة لضبط الوضع في مدينة طرابلس، في حين سطر القاضي صقر صقر استنابات قضائية إلى جهاز المخابرات يطلب فيها كشف هوية كل مسؤول حزبي أو مجموعة مسلحة متورطة في الأعمال العسكرية في طرابلس.

وفي موازاة الوضع الأمني المتردي، عقدت لجنة المتابعة المنبثقة من لقاء نواب طرابلس والمؤلفة من النواب: أحمد كرامي ومحمد كبارة وسمير الجسر، اجتماعا في منزل النائب كبارة، وتباحثت في «الانتكاسة الأمنية التي طاولت المدينة منذ مساء الأحد الماضي». واستغرب المجتمعون استمرار «التدهور الأمني رغم كل المناشدات التي وجهت إلى رئيسي الجمهورية والحكومة وقائد الجيش من دون أي علاج فاعل». ورأى المجتمعون أن «القناصين الذين يغدرون بالمدنيين مجرمون لا يجوز التعامل معهم بطلقات تحذيرية، وأن مجرد الرد عليهم بطلقات رادعة كفيلة وحدها بإنهاء هذه الحالة الشاذة». وناشدوا الرئيس سليمان «دعوة مجلس الدفاع الأعلى، إلى جلسة عاجلة، غير سرية، تضع حدا لمأساة طرابلس».

وحاول الأهالي درء رصاص القنص بإشعال إطارات شكلت سحبا على أكثر من محور، مما سهل حركة السكان في مناطق الاشتباكات لبعض الوقت.

وفي إطار مساعي التهدئة، عقد اجتماع لـ«اللقاء الوطني الإسلامي» جمع كلا من النواب محمد كبارة ومعين المرعبي وخالد الضاهر، والمشايخ سالم الرافعي ونبيل رحيم وكنعان ناجي وحسن الخيال ومستشار الرئيس سعد الحريري في الشمال عبد الغني كبارة وحسام الصباغ. وصدر بيان عن المجتمعين أفاد بأن «استهداف طرابلس من العصابة المجرمة المتحصنة في (ثكنة الأسد) ببعل محسن، إنما يدل على حجم الحقد الكبير الذي يكنه نظام الأسد وإيران لطرابلس، ويترجم بقتل الأبرياء بدم بارد، وهذا ما لم يعد من الممكن السكوت عنه».

وطالب المجتمعون «أهلنا في المناطق المحيطة ببعل محسن بوقف فوري لإطلاق النار، وإعطاء مهلة 48 ساعة للجيش والقوى الأمنية للرد بعنف وحزم على القناصين المجرمين وردع هذه الحالة المسلحة الشاذة». وشددوا على أن «أي تهاون من السلطة السياسية وقيادة الجيش تجاه طرابلس سيجعل الأمور بعد 48 ساعة من الآن خارجة عن سيطرة الجميع، وبالتالي فإن طرابلس ستكون مضطرة للدفاع عن نفسها، والتاريخ يشهد بأن هذه المدينة لا تسكت عن ظلم ولا تقبل بأي إذلال».

تأتي هذه التصريحات في وقت كان المسؤول الإعلامي في «الحزب العربي الديمقراطي» بجبل محسن عبد اللطيف صالح، قد أعلن «الالتزام بوقف إطلاق النار مع الجيش، بينما الطرف الآخر في باب التبانة هو الذي لم يلتزم»، وأمل «وقف حمام الدم في طرابلس».

وفي ظل التصريحات السياسية النارية المتضاربة، رأى رئيس بلدية طرابلس، نادر الغزال، أن «ما تتعرض له مدينة طرابلس من اعتداءات مؤسفة لا تمت لواقعها بأي صلة»، مستنكرا «حال الفلتان الذي حصل بعد أن كادت تتنفس الصعداء». وطالب بدور «فاعل للجيش والقوى الأمنية في استعادة هيبة الدولة وبسط سلطتها»، داعيا «المسؤولين السياسيين للنزول إلى الشوارع ليشعروا بالمآسي التي يعانيها أبناء المدينة والعمل على إخراج الوضع من البازارات والحسابات السياسية الضيقة».

في موازاة ذلك، قال رئيس «جبهة النضال الوطني»، النائب وليد جنبلاط، إنه «إذا كانت بعض الأطراف السياسية اللبنانية تظن أن باستطاعتها تغيير مجرى الصراع في سوريا من بوابة طرابلس، فإن رهاناتها في غير محلها». وسأل أمس: «ما الفائدة من إشعال النار في طرابلس والدخول في عملية تصفية الحسابات السياسية عبر الشحن المذهبي والطائفي وتغذية الغرائز وتأجيج مشاعر التوتر والفتنة؟»، معتبرا أنه «آن الأوان لبعض الساسة في طرابلس وبعض الأطراف الداخلية والخارجية الأخرى الإقلاع عن عملها المتواصل في التسليح والتمويل المنظم لبعض الأحزاب والميليشيات وقادة المحاور، وآن الأوان لاحتضان الجيش اللبناني أكثر من أي وقت مضى لأنه يمثل مرجعية الدولة التي تبقى الملاذ الوحيد لأهل طرابلس واللبنانيين عموما».