الصين تتذكر ضحايا تيانانمين.. في صمت

إخضاع معارضين للإقامة الجبرية وتعطيل محركات البحث في الإنترنت في ذكرى قمع الاحتجاجات

متظاهرون حملوا الشموع إحياء لذكرى أحداث تيانانمين في ساحة فيكتوريا بهونغ كونغ أمس (أ.ب)
TT

فرضت سلطات الأمن الصينية أمس الإقامة الجبرية وغيرها من القيود على عشرات المعارضين البارزين والناشطين الحقوقيين، وذلك في إطار مساعيها لمنع إحياء الذكرى السنوية الرابعة والعشرين لقمع الحركة الاحتجاجية المطالبة بالديمقراطية في ميدان تيانانمين ببكين.

وقال المعارض هو جيا المقيم في بكين إن الشرطة وضعته تحت الإقامة الجبرية منذ 25 مايو (أيار)، ولكنها سمحت له بعدها بالسفر إلى مدينة غوانغتشو جنوبي البلاد. وأضاف هو، 39 عاما، من فندق في غوانغتشو: «بالطبع كانت السلطات تأمل أن لا أكون في بكين في الرابع من يونيو (حزيران)، ولذلك لم يمنعوني من السفر. ولكن في الحقيقة أنه منذ لحظة وصولي إلى غوانغتشو، تحدد الشرطة إقامتي هنا (في الفندق)». وأضاف هو أنه ارتدى ملابس سوداء في ذكرى أحداث القمع التي شهدتها بكين ليلة الثالث - الرابع من يونيو 1989 والتي أودت بحياة مئات وربما آلاف الأشخاص.

وأفادت منظمات حقوقية بأنه جرى اعتقال عشرات الأشخاص أو وضعهم قيد الإقامة الجبرية قبل حلول الذكرى السنوية لأحداث تيانانمين، فيما أمرت الشرطة بعض المنظمات غير الحكومية بتأجيل الفعاليات العامة لما بعد موعد ذكرى الاحتجاجات.

كذلك، منعت الشرطة أمس دخول أي شخص إلى مقبرة دفن فيها ضحايا أحداث تيانانمين، كخطوة إضافية للحؤول دون أحياء الذكرى. وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن عناصر من الشرطة انتشروا خارج مقبرة «وانان» غرب بكين وأغلقوا مدخلها الرئيس وطلبوا من مراسليها مغادرة المكان. وتعودت عائلات الطلبة الذين قتلهم الجيش الصيني حينها، على زيارة المقبرة لأحياء ذكراهم بينما تراقب قوات الأمن تجمعاتهم عن كثب.

وبعد نحو ربع قرن على قرار الحزب الشيوعي إرسال الدبابات لقمع مظاهرة في قلب العاصمة، تظل ذكرى تيانانمين تاريخا دقيقا بالنسبة للنظام الذي يجهد في منع أي مناقشة عامة أو أحياء ذكرى تلك الأحداث. وقتل الجيش الصيني المئات وربما الآلاف من الشبان خلال قمع حركة تيانانمين في الرابع من يونيو 1989 حسب منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. وبررت بكين التدخل العسكري بضرورة التصدي لحركة تمرد «مضادة للثورة». وما زال الموضوع محرما على وسائل الإعلام الرسمية في حين تفرض رقابة صارمة على شبكات التواصل الاجتماعي حيث تعطل أمس كل بحث عن تاريخ الرابع من يونيو أو عن كلمات مثل «تيانانمين» أو «شمعة».

ونشر بعض الناشطين أمس صورا لهم بالملابس السوداء على «تويتر» وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت. وكانت جمعية «أمهات تيانانمين» التي تضم العشرات من ذوي وأنصار ضحايا أحداث تيانانمين، قد أصدرت يوم الجمعة الماضي خطابا مفتوحا اتهمت فيه الرئيس تشي جينبينغ بإرجاع الحزب «خطوة كبيرة إلى الوراء نحو الفكر العقائدي الماوي». وقالت الجماعة إنها تأكدت من مقتل 202 شخص في ليلة الثالث وصباح الرابع من يونيو 1989 في ميدان «السلام السماوي» ببكين، وتابعت أن «هذا الرقم مجرد غيض من فيض»، مضيفة أنها تأيد توقعات الصليب الأحمر بمقتل 2600 إلى 3000 شخص.

وقال كي تشيونغ، العضو في جمعية أمهات تيانانمين، إن الشرطة أخضعته للإقامة الجبرية في 26 مايو الماضي وأبلغته أنه سيتعين عليه مغادرة بكين اعتبارا من الأول من يونيو. وفي رسالة موجهة إلى جلسة استماع في الكونغرس الأميركي حول أحداث القمع، طلب رئيس الجمعية دينغ شيلين من الرئيس الأميركي باراك أوباما إثارة القضية مع شي عندما يلتقيان في ولاية كاليفورنيا الأميركية يوم 7 يونيو الجاري. وكتب دينغ في الرسالة: «الحكومة الصينية أودت بحياة أبنائنا قبل 24 عاما، وتمنعنا من حق التعبير بحرية عن حزننا على أحبائنا».

وأعلنت منظمة «تشاينا هيومن رايتس دفندرز» ومقرها هونغ كونغ أن السلطات أسكتت أو أقصت بعض المنشقين والمدافعين عن حقوق الإنسان الخاضعين لمراقبة خاصة. وأعلن المحامي ليو شياويوان الناشط في مجال حقوق الإنسان على «تويتر» أن حسابه قد تعطل بعد نشر صورة شمعة أحياء لذكرى ضحايا تيانانمين. من جانبه علق الفنان المنشق أي ويوي بأن «في هذا البلد كل الرهان يتمثل في إشعال شمعة أو اطفائها».

وككل سنة، كانت هونغ كونغ المدينة الصينية الوحيدة التي أحيت الثلاثاء ذكرى القمع الدموي للمظاهرات التي شهدتها ساحة تيانانمين. واجتمع آلاف الأشخاص في ساحة فيكتوريا في سهرة شموع أحيوا فيها ذكرى المتظاهرين الذين قتلهم الجيش الصيني ليل 3 إلى 4 يونيو قبل 24 عاما في الساحة الكبرى في بكين. وكانت هونغ كونغ مستعمرة بريطانية إلى أن استعادتها الصين في يوليو (تموز) 1997، ولكن هذه المنطقة لا تزال تتمتع بشبه حكم ذاتي إذ إنها لا تزال تحتفظ بعملتها ونظامها القضائي، في نموذج يتباهى به الصينيون تحت شعار «بلد واحد، نظامان مختلفان». ويتمتع سكان هونغ كونغ بمنسوب من حرية التعبير لا يتمتع به أي شخص آخر في الصين.