أفغان متشككون في التزام كرزاي بالتنحي

أفغانستان تتحضر مبكرا لانتخاباتها الرئاسية

موظف بمفوضية الانتخابات يعد بطاقة لأحد الناخبين في مدينة ميهتارلام (قندرهار) الأحد (أ.ف.ب)
TT

في الوقت الذي بدأت فيه عملية تسجيل الناخبين، وتم تحديد الخامس من أبريل (نيسان) من العام المقبل موعدا لإجراء انتخابات الرئاسة الأفغانية، شرع السياسيون يعقدون تحالفات لمناقشة البرامج الانتخابية والسياسات والمرشحين. لكن رغم هذه المؤشرات الديمقراطية، فإن السؤال يظل قائما: هل سيكون الرئيس حميد كرزاي مستعدا للتخلي عن السلطة، كما ينص الدستور، أم أنه سيبحث عن حل للبقاء في منصبه، سواء بتدخل مباشر في عملية الانتخاب أو عبر دعم حليف يبقيه قريبا من القصر الذي شغله لأكثر من عشر سنوات؟

سعى كرزاي ومساعدوه إلى طمأنة الأفغان والداعمين الدوليين بالتزامه بالقانون، وبأنه سيترك منصبه في الموعد المحدد. وتعتبر الانتخابات الناجحة التي تعني انتخابات خالية نسبيا من التزوير والعنف، أمرا حاسما بالنسبة لضمان استقرار أفغانستان مع بدء انسحاب القوات الدولية العام المقبل. وقد أعلن كرزاي في مؤتمر صحافي أخيرا: «لن يعيق الانتخابات شيء»، مضيفا أن أفغانستان التي انتصرت على الشيوعيين وأمراء الحرب منذ الثمانينات ينبغي ألا تمر بتجارب سياسية كل بضعة أعوام. يجب تطبيق الدستور وإجراء الانتخابات في موعدها. وحث الرئيس المجموعات السياسية في البلاد على التوحد خلف عدد قليل من المرشحين الموثوقين، وتعهد بقبول نتائج الانتخابات أيا كان الفائز. وقال كرزاي: «سيخلفني الفائز على مقعد الرئاسة، وإذا طلب المشورة فسأقدمها له باحترام وإجلال، عدا ذلك سألتزم منزلي في هدوء».

بيد أن الشكوك لا تزال مستمرة، وهناك تكهنات بأن يسعى كرزاي، الذي فاز في الانتخابات بفارق ضئيل للغاية في عام 2009 في انتخابات شابتها مزاعم بالتزوير - لابتكار وسيلة للتلاعب في التصويت، أو أن يبدل به اجتماعا قبليا قد يقرر استمراره في منصبه. ويقول بعض منتقديه إنه يخشى من محاكمته بسبب الفساد الرسمي، فيما يرى آخرون أنه لاعب لا يمكن الاستغناء عنه في المشهد السياسي.

ويقول محللون ودبلوماسيون هنا إن الخطر الأكبر هنا هو أنه إذا لم تسفر الانتخابات عن حكومة ذات مصداقية، فسوف يدفع ذلك البلاد إلى حالة من الفوضى، ويعزز من قوة طالبان وحركات التمرد الأخرى التي تستفيد من الانعزال العام عن الدولة، في ظل انسحاب القاسم الأكبر من القوات الغربية من أفغانستان.

أحد أهم مصادر الانتقادات هي أن كرزاي، رغم دعمه في تصريحاته للعملية الانتخابية، عارض أو أجل بعض الإصلاحات الانتخابية التي كانت ستسهم في ضمان عملية نزيهة، بما في ذلك بطاقات هوية إلكترونية للناخبين، كما سعى أيضا إلى عدم ترشيح أعضاء جدد لمفوضية الانتخابات الوطنية التي اتهمت بالمحسوبية في عام 2009.

هيمن كرزاي على السياسة الأفغانية منذ عام 2002 عندما جرى ترشيحه رئيسا انتقاليا للبلاد في مؤتمر للأمم المتحدة بعد سقوط طالبان، ليفوز بعدها بفترتين رئاسيتين مستفيدا من ذيوع صيته وتشرذم المعارضة، وقدرته على منح المناصب الوزارية وحكومات الأقاليم لحلفائه.

هذه المرة قد يتسع نطاق السباق وقد يتضمن مجال المرشحين المتوقعين العديد من الوزراء السابقين والحاليين، ومجموعة من التكنوقراط الأميركيين الأفغان، وناشطة في مجال حقوق المرأة في المجلس النيابي، وشقيق كرزاي، قيوم، رجل الأعمال الذي يقيم منذ فترة طويلة في الولايات المتحدة.

يدعم ترشح شقيق كرزاي الذي سيوفر أقصى حصانة ممكنة للرئيس الذي سيترك منصبه، أخوه الثاني محمود كرزاي، رجل الأعمال الثري الذي يرتبط بعلاقات مع الولايات المتحدة، والذي صاغ مع فريق من مساعديه برنامجا انتخابيا يتضمن تعزيز الاستثمارات الأجنبية ومحاربة الفساد الرسمي، وإعادة إحياء محادثات السلام المتوقفة مع حركة طالبان.

وقال محمود كرزاي في مقابلة معه في منزله الشهر الماضي: «مرشح حركتنا هو قيوم، لكن مسألة إعلانه عن ترشيح نفسه قضية أخرى». ووجه انتقاداته لحكومة كرزاي قائلا إنها «استغلت الناس لكي يثري المسؤولون»، وإنه «في حالة فوز قيوم فسوف تضع مستقبل أفغانستان على معيار دولي».

في مقابل هذا السيناريو العائلي المبهم، شكلت مجموعة واسعة من الأحزاب السياسية والزعماء مجموعة من المنظمات، مثل لجنة الإجماع ومجلس التعاون التي تهدف، بحسبهم، إلى جعل الانتخابات المقبلة نقطة تحول في تطور أفغانستان من نظام يقوم على أسس الفرد والعرق والقوة، إلى نظام ديمقراطي يقوم على أساس الأحزاب والآيديولوجيات.

المشكلة الرئيسية مع هذا الرأي المثالي هي أن هناك عددا كبيرا من الشخصيات المتغطرسة، حيث يضم التحالف قادة ميليشيات وعشائر، وإمبراطوريات عرقية وحركات دينية ووزارات وبنوك، لكن حتى المشاركون الأكثر حماسا اعترفوا بأن الأمور قد تؤول إلى ذلك النوع من العراك المعتاد خلف الكواليس حول من سيرشح نفسه فعليا.

ويقول معين ماراسيتال، مسؤول بارز في حزب الحقوق والعدالة الذي تم تشكيله حديثا، والذي يعارض الرئيس كرزاي: «هناك 23 حزبا سياسيا وتحالفا في مجموعتنا، ونحن نتحرك عبر خطوات. في البداية سنقوم بتشكيل فريق وطني، ثم سنتفق على برنامج وطني، ومن ثم نختار المرشحين الوطنيين». وأضاف: «أود أن أقول إن هذه الخطوة الثالثة ستكون صعبة للغاية؛ لأن الجميع سيقول: أنا الأفضل».

وحاول ماراسيتال من خلال ورقة وقلم شرح السياسات المعقدة والعلاقات المتوترة داخل مجموعته، التي تتألف من خليط من الحلفاء غير المتوقعين يتنوعون ما بين قادة ميليشيا سابقين إلى منظمات نسائية. بعد خمسة عشر دقيقة امتلأت الورقة بالدوائر والأسهم وعلامات الاستفهام، خير مثال للحالة غير المستقرة للسياسات الأفغانية بعد طالبان.

وككل الشخصيات الأفغانية البارزة الأخرى التي انشقت عن حكومة كرزاي، أعرب ماراسيتال عن خيبة أمل مريرة في الرئيس، وقال إنه مقتنع بأن كرزاي سيحاول البقاء في الحكم، إما عن طريق التلاعب لفوز حليف له أو عن طريق التدخل بشكل مباشر في عملية التصويت.

وقال ماراسيتال: «إنه غير مستعد بعد لإجراء انتخابات، فلا يزال يرغب في تصدر المشهد لخمس أو عشر سنوات مقبلة. وأملنا الوحيد لمنع حدوث ذلك هو أن نحتفظ بوحدتنا، أن نتابع عملنا بصورة منظمة ونختار مرشحين على أساس الكفاءة. فيما عدا ذلك لا أعتقد أننا سنشهد انتخابات حقيقة في أفغانستان».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»