القصير تسقط بيد الأسد بعد 45 يوما من الحصار.. والسوريون مستمرون بثورتهم

تفاوت في التقديرات حول إمكانية استثماره سياسيا.. و«جنيف 2» يؤجل إلى يوليو المقبل

جنود الجيش النظامي يسيرون في أحد شوارع القصير المدمرة (أ.ف.ب)
TT

سقطت مدينة القصير الاستراتيجية وسط البلاد بيد القوات الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد بعد 45 يوما من القتال العنيف مع كتائب الجيش السوري الحرّ. وتزامن إعلان «استعادة السيطرة على القصير» من جانب وسائل الإعلام السورية مع اجتماع ثلاثي عقد في مدينة جنيف السويسرية بين الأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة، من أجل الإعداد لعقد مؤتمر دولي للسلام، مما يؤشر، بحسب خبراء، إلى استثمار النظام السوري لهذا التطور الميداني لتحسين شروطه في المفاوضات المزمعة في مؤتمر «جنيف 2».

وضم الاجتماع الذي عقد في مقر الأمم المتحدة في جنيف أمس، المبعوث الخاص للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية الأخضر الإبراهيمي، يرافقه الأمين العام المساعد للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان، ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، ومساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ويندي شيرمان. وهدف اللقاء إلى الإعداد لعقد مؤتمر دولي جديد أطلق عليه «جنيف 2»، يضم، خلافا لمؤتمر جنيف الأول الذي عقد في يونيو (حزيران) الفائت، ممثلين عن الحكومة والمعارضة السورية، ومن المتوقع أن يُعقد في شهر يوليو (تموز) المقبل.

وتفاوتت تقديرات الخبراء والمعارضة السورية بشأن إمكانية استثمار النظام السوري للتطور الميداني في القصير، لتحسين شروطه في المفاوضات. وفي حين يعتبر عضو الائتلاف الوطني السوري المعارض لؤي صافي أن «هذا التقدم المؤقت سيمنح النظام شعورا بقوة تخوله فرض إرادته على المجتمعين في جنيف»، يقللّ الخبير الاستراتيجي اللبناني اللواء المتقاعد نزار عبد القادر من أهمية التطور في القصير سياسيا، لأن «المعركة الفصل هي معركة دمشق». ويرى عبد القادر، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «لعملية القصير مكسبا محدودا جدا على الأرض السورية، إذا أخذت بعين الاعتبار الوقائع الميدانية»، مشيرا إلى «سيطرة المعارضة السورية على 60 في المائة من الأرض السورية، مقابل احتفاظ النظام بسيطرته على 40 في المائة منها».

ويوضح الخبير اللبناني أنه «من الناحية الميدانية، المكسب جزئي إذا ما قورن بالواقع على الأرض، لكنه لا يعني أن البلدة ليست مهمة جدا بالنسبة للنظام، وقد تكون نقطة حيوية خصوصا أن سيطرة المعارضة عليها تقطع الطريق على تواصل النظام مع عمقه في المنطقة الساحلية». ويؤكد عبد القادر أن التغير العسكري والميداني «تقرره المعركة في دمشق التي لم تبدأ فعليا، لأن المعارضة لم تستطع حشد القوة الكافية، القادرة على الإمساك بقسم كبير من الريف، على الرغم من أنها تنتشر في أجزاء واسعة منه، وتقاتل ضمن 4 أحياء من العاصمة، وقادرة على التسلل لضرب الأهداف الصلبة والمراكز الأمنية داخل العاصمة». ويشير إلى أن «قصير هنا وهناك، لن يؤثر من الناحيتين العسكرية والسياسية على مسار الحرب بسوريا»، معربا عن اعتقاده أن مصير القصير «قد يصبح مثل الوضع في معرة النعمان التي تقطع طريق حماه وحلب السريع، وجرى تبادل السيطرة عليها بين النظام والمعارضة، خمس مرات على الأقل».

لكن، هل ستؤثر المعركة على الصراع في سوريا؟ يؤكد عبد القادر أنها، عمليا، «ليست النقطة التي تؤثر بمسار الحرب، إذ لن تؤثر من الناحية العسكرية على الوضع القائم، كما أن لا إمكانية لاستثمارها في المجال السياسي»، مستشهدا بعدم استغلال المعارضة للسيطرة عليها، سياسيا، بعد السيطرة عليها. وينسحب هذا الواقع، بحسب عبد القادر، على استثمارها في مؤتمر جنيف 2. ويؤكد أن تطور القصير «لن يكون له أي تأثير على انعقاد هذا المؤتمر، أو على مقرراته، لناحية موقف الفرقاء الدوليين في جنيف، إذا ما عُقد».

ويتفق عضو الائتلاف لؤي صافي مع عبد القادر، لناحية الإشارة إلى أن هذا التطور لن يستثمر في جنيف. بيد أن الأسباب، تختلف من وجهة نظرهما. يوضح صافي لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بمعزل عن التطورات الميدانية، لن تؤدي المفاوضات إلى حل للأزمة السورية، نظرا لتعنت النظام السوري، ورفضه القيام بتحول ديمقراطي حقيقي في البلاد»، مشددا على أن «الشعب السوري لن يقبل بالعودة إلى نظام استبدادي قمعي ومخابراتي».

ويرى صافي أن النظام «لا يستطيع أن يفرض شروطه على المعارضة»، مؤكدا أن تجربة النظام «توضح تمسكه بالحل العسكري، ورفضه للحلول السياسية». ويشير إلى أن «ضعف الموقف الدولي ودعمه للمعارضة، مقابل الدعم الكامل للنظام من قبل حلفائه روسيا وإيران وحزب الله في لبنان، تسببا بتراجع المعارضة المؤقت في القصير». لكن المعركة، بحسب عضو الائتلاف، لم تنتهِ بعد، إذ أكد أنه «مقابل هذا المدّ النظامي، سيكون هناك جزر بالسيطرة، حيث سيتعامل الجيش السوري الحر مع هذا التطور الجديد، ويستعد لتغييره».

إلى ذلك، أعلن الإبراهيمي، عقب انتهاء اجتماعات الأمس في جنيف، أن المؤتمر الدولي بشأن السلام في سوريا لن يعقد قبل يوليو المقبل، مضيفا أنه «نتفق جميعا بقوة على أن الحل السياسي للأزمة هو الحل الوحيد الممكن». وأشار المبعوث العربي الأممي إلى أن «هناك الكثير من العمل الذي يجب استكماله لعقد المؤتمر، وأن هدف جنيف 2 سيكون إيجاد حل سياسي من خلال اتفاق شامل بين الحكومة السورية والمعارضة لتنفيذ كامل لبيان مجموعة العمل الصادر بعد مؤتمر جنيف1 بما فيه خلق حكومة انتقالية باتفاقية مشتركة تمارس صلاحيات تنفيذية كاملة»، لافتا إلى أنه سيعقد مع الطرفين والروس جلسة مباحثات أخرى في 25 يونيو (حزيران) الحالي في جنيف.

يشار إلى أن المعارضة السورية ترفض حتى الآن المشاركة في «جنيف2» قبل تحقق عدة شروط مسبقة على رأسها انسحاب مقاتلي حزب الله اللبناني وإيران الذين يقاتلون إلى جانب القوات الحكومية، كما تطالب بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة. في المقابل أعلن نظام الأسد موافقته «المبدئية» على حضور المؤتمر، ولم يتحدد بعد موعد وجدول أعمال هذا المؤتمر الدولي الذي يفترض أن يعمل على إيجاد تسوية سياسية للنزاع في سوريا. وفي ذات السياق، أعرب غاتيلوف عن اعتقاده بأن المؤتمر لن يتم عقده قبل يوليو المقبل. وأضاف أمس لوكالة الأنباء الروسية «إنترفاكس» أنه على الرغم من أن المحادثات التحضيرية لهذا المؤتمر الدولي أحرزت بعض التقدم فإنه لم يتم استجلاء كل القضايا بعد. وأعلن غاتيلوف أن ممثلين عن الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة سيجتمعون مجددا نهاية الشهر الحالي للتشاور حول سبل إنهاء الصراع الدائر في سوريا.

وأشار غاتيلوف أن مسألة المشاركين في المؤتمر لا تزال أكثر النقاط الخلافية، مضيفا أن «المعارضة السورية، خلافا للحكومة، لم تقرر رسميا حتى الآن ما إذا كانت ستشارك في المؤتمر، وهناك أيضا نقطة مبدئية ثانية تتلخص في أن المعارضة ليست لديها رؤية بخصوص قوام وفدها». وتابع نائب الوزير قائلا إن «مختلف الفصائل تتجه إلى أن يكون لها تمثيل منفرد، ولديها برامج خاصة بها، بالتالي فإن هناك مشكلة كبيرة، وسيتعين على شركائنا، وقبل كل شيء الأميركان، بذل جهود جدية لإقناع المعارضة بتشكيل وفد موحد، وإلا ستحضر المؤتمر عدة وفود (للمعارضة)». وردا على سؤال حول ما إذا اتفق المشاركون في مشاورات جنيف بشأن مشاركة إيران في المؤتمر المرتقب، قال غاتيلوف إن «جميع هذه الأمور ستكون موضوعا لمناقشات لاحقة».