الحكومة الليبية تعد خطة تنمية واسعة لامتصاص الغضب الشعبي

تتضمن زيادة رواتب العسكريين بنسبة 60% ودراسة مشكلة الفيدراليين

رئيس الحكومة الليبية أشار إلى ضرورة زيادة رواتب الجيش والشرطة إلى الضعف أو بنسبة تصل إلى 60 في المائة (أ.ف.ب)
TT

كشفت مصادر قريبة من الحكومة الليبية أمس لـ«الشرق الأوسط» عن أن رئيس الحكومة، الدكتور علي زيدان، يعد خطة تنمية واسعة لامتصاص الغضب الشعبي في الدولة التي تعاني من قلاقل أمنية وانتشار للميليشيات المسلحة، خاصة بعد تنامي دعاوى لإقامة فيدرالية في شرق البلاد، بعيدا عن هيمنة السلطة المركزية في العاصمة طرابلس. وقال أحمد لنقي، عضو المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، عن مدينة بنغازي (شرق)، الذي حضر جانبا من اللقاء، إنه جرى أيضا بحث التعجيل بإجراء انتخابات المجالس المحلية، و«ميزانية هذه الانتخابات ستكون جاهزة خلال الأسبوع المقبل».

وكشفت هذه المصادر، التي تحدثت عبر الهاتف من طرابلس، عن أن رئيس الحكومة أشار أيضا، في لقاء مصغر شارك فيه عدد من أعضاء البرلمان الليلة قبل الماضية، إلى ضرورة زيادة رواتب الجيش والشرطة إلى الضعف أو بنسبة تصل إلى 60 في المائة، لتشجيع عناصر الميليشيات (الكتائب) المسلحة والشباب على الانخراط في صفوف الجيش والشرطة بشكل رسمي. وأوضحت أن «من كان يحصل على 450 دينارا ليبيا سيحصل على نحو 1000 دينار»، مشيرة إلى أن «عزوف الشباب عن الانخراط في الجيش والشرطة يرجع لضعف المرتبات».

ويأتي لقاء عدد من أعضاء البرلمان مع الدكتور زيدان بعد نحو يومين من إعلان عضو المجلس الوطني الانتقالي السابق، الزبير السنوسي، منطقة برقة (شرق البلاد) إقليما اتحاديا فيدراليا (من طرف واحد) ضمن إطار الدولة الفيدرالية الليبية. وقال المتحدث الرسمي باسم البرلمان عمر حميدان، إن ما صرح به السنوسي عن إقليم برقة يتعارض مع شرعية الدولة المتمثلة في المؤتمر الوطني والحكومة المؤقتة. وأضاف حميدان أن المؤتمر ناقش ما أعلنه السنوسي، وأن مواقف الأعضاء كانت بين التصعيد والاحتواء حول إعلان برقة.

وكان من المقرر أن يصدر البرلمان بيانا يرفض دعوة السنوسي، لكنه فضل - وفقا للمصادر - عدم التعامل مع الأمر بـ«طريقة قد تعطيه أكبر من حجمه، على أن يتم فتح قنوات حوار مع السنوسي ومن معه، وحل المشاكل الرئيسية التي دعته وأنصاره إلى اتخاذ الخيار الفيدرالي، ومن بينها تردي الأحوال المعيشية والبطالة وغياب الأمن».

وظهرت فكرة الفيدرالية في ليبيا للمرة الأولى في النصف الأول من القرن الماضي. وحتى عقد الستينات كان التقسيم الإداري لليبيا يضم ثلاث ولايات هي «برقة (شرقا)» و«طرابلس (غربا)»، و«فزان (جنوبا)»، قبل أن يعاد التقسيم الإداري على أساس «المحافظات» و«المحليات». ويقول أنصار للفيدرالية إن المحافظات البعيدة عن العاصمة طرابلس ظلمت لعقود بسبب بعد المسافة عن مقر السلطة المركزية والإهمال من النظام السابق. ومن جانبه قال النائب أحمد لنقي، موضحا لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من طرابلس: «رأيي الشخصي في موضوع الفيدرالية أنها نوع من أنواع (الحكم المحلي) الذي يعطي للمحافظات اختصاصات واسعة، بحيث تستطيع كل محافظة أن تقدم خدمة ممتازة لمواطنيها دون أن يحتاج المواطن إلى أن يتوجه إلى العاصمة المركزية».

وأضاف أنه «لا بد من معرفة السبب لهذه المطالبات التي يعطيها البعض حجما أكبر من حجمها الحقيقي». ومع ذلك لا يهون النائب لنقي من حجم المشكلة، قائلا إن «الكل يشكو من المركزية، ولأن الأمور كلها موجودة في العاصمة طرابلس وأي مواطن يحتاج إلى توقيع (على أوراق أو للحصول على خدمة من الخدمات) أو غيره يسافر 1000 كيلومتر أو أكثر (من بنغازي مثلا) إلى العاصمة».

ووفقا لمصادر أخرى تحدث النواب في لقائهم زيدان عن مشكلة التنمية المتوقفة في الكثير من المدن الليبية، وعن الانفلات الأمني والفوضى والسلاح المنتشر. وقال لنقي: «الحكومة والمؤتمر الوطني تسلما دولة منهارة تحتاج لبناء من الصفر. والقذافي لم يترك لنا شيئا غير الدمار»، مشيرا إلى «الإحباط الذي عند الناس والاستعجال الذي لديهم باعتبار أن ثورة 17 فبراير (شباط) 2011 عصا سحرية ستنقلهم من وضع إلى وضع آخر».

وأضاف لنقي: «نحن مع أي مطالبات، ومع إبداء الرأي، ومع الحوار ومع النقاش، ولكن نستنكر وبشدة أن يتعدى أحد على شرعية الدولة أو ينتزع شيئا من شرعية الدولة الممثلة في المؤتمر الوطني، الذي جاء عن طريق صندوق الاقتراع، وفي الحكومة المؤقتة».

وأقر البرلمان ميزانية الدولة التي تقدمت بها الحكومة منذ نحو شهرين، ووصلت المخصصات المالية (التفويض المالي) للوزارات منذ ثلاثة أسابيع، للإنفاق منه. وتحدث النواب الذين التقوا زيدان عن أهمية أن يستتب الأمن أولا؛ لأنه «من المستحيل أن تعمل الشركات، سواء كانت أجنبية أو محلية، في وضع فيه انفلات أمني».

ومن جانبه أوضح لنقي قائلا: «طلبنا من رئيس الحكومة، في جلسة خاصة من بعض أعضاء المؤتمر الوطني، أن تعطى المدن التي فيها سيطرة أمنية الأولية للمشاريع، وأن تدعو الحكومة المستثمرين للاستثمار فيها، وهذا سيشجع المدن الأخرى على الهدوء والأمن، وتتنافس على حفظ الأمن داخلها».

واستعرض عدد من أعضاء المؤتمر الوطني عن المنطقة الشرقية، أمام زيدان، مطالبة السنوسي بالفيدرالية، بعد أن كان المؤتمر ناقش الموضوع نفسه يوم أول من أمس. وقال لنقي: «نحن مع احترام الرأي، وناقشنا الأسباب التي دعت هؤلاء الناس لهذه المطالبة».

واستغرق الاجتماع بين أعضاء من المؤتمر ورئيس الحكومة أكثر من 3 ساعات، وتم فيه بحث «كل الآراء.. فتح الحوار مع هؤلاء الناس (دعاة الفيدرالية) وعرض متطلباتهم واحتياجاتهم»، و«التعجيل بخطة التنمية، وأنه لا بد من العمل على فرض الأمن، وأن الحكومة ستعمل على زيادة مرتبات القوات المسلحة والشرطة، والتعجيل بانتخابات المجالس البلدية في عموم البلاد، وعن طريقها ستنزل (تخصص) الحكومة الميزانيات للبلديات لكي تعمل»، خاصة أن «الحكومة قالت إن ميزانية الانتخابات جاهزة خلال الأسبوع المقبل».