أردوغان مطمئن إلى ولاء الجيش التركي.. واستقالته غير واردة

استمرار المظاهرات في مدن رئيسة بانتظار عودته إلى بلاده اليوم

فرقة موسيقية نسائية تركية تعزف في أحد متنزهات إسطنبول (كيزي بارك) أمس احتجاجا على حكومة أردوغان (إ.ب.أ)
TT

استمرت الاضطرابات في تركيا لليوم السادس على التوالي، حيث سجلت صدامات في 3 مدن رئيسة منذ فجر أمس بين الشرطة ومتظاهرين حاولوا الوصول إلى مقر رئاسة الوزراء في إسطنبول والعاصمة أنقرة للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي يعود اليوم من جولة خارجية قادته إلى المغرب والجزائر وتونس ولم يلغها رغم الاضطرابات.

وقال مصدر رسمي لـ«الشرق الأوسط» إن عودة أردوغان المنتظرة اليوم سوف ترسم ملامح المرحلة المقبلة، مشيرا إلى أن المعلومات تقول إن التصريحات «المهادنة» التي أدلى بها نائب رئيس الوزراء بولند أرينج خلال اليومين الماضيين «كانت بتنسيق مع أردوغان وبموافقته»، فيما أكد أحد مساعدي أردوغان المقربين لـ«الشرق الأوسط» أنه لا استقالة لحكومة أردوغان ولا دعوة لانتخابات مبكرة «لأن الأمور لا تستدعي ذلك»، مشيرا إلى أن أردوغان مطمئن إلى ولاء الجيش الذي اعتاد في مناسبات مماثلة التدخل والقيام بانقلابات عسكرية.

وقال أمر الله إشلر، الذي يرافق أردوغان في جولته، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» من الجزائر، إن «ثمة مساعي من قبل البعض لإضعاف الحكومة التركية وتشويه سمعة أردوغان»، معتبرا أن «هؤلاء يحاولون إجبار الحكومة على الاستقالة، لكن الظروف غير مواتية لمثل هذه الاستقالة». وأكد أن «الانتخابات النيابية المبكرة ليست خيارا بدورها، فلا شيء يستدعي مثل هذه الخطوة»، مؤكدا أن «الحزب سوف يحصل في أي انتخابات تحصل الآن على أكثر من 55 في المائة من أصوات الناخبين لأن المظاهرات زادت من شعبية أردوغان والحزب».

وعن موقف الجيش من هذه الأزمة، قال إشلر، وهو نائب عن أنقرة في الحزب الحاكم، إنه في تاريخ تركيا السياسي كان الجيش يتدخل في مثل هذه الأحداث ويقوم بانقلاب عسكري، لكن هذا الخيار غير ممكن حاليا، فالجيش خاضع للحكومة ولا نية لديه للتدخل في السياسة الداخلية.

وتحدث النائب إشلر عن وجود قوى مناوئة لحزب التنمية والعدالة في الشارع التركي تعلم أن شعبية الحزب سوف ترتفع إلى حد كبير بعد مسيرة التسوية مع حزب العمال الكردستاني، وأن الحزب سوف يحقق نجاحات كبيرة في صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة، معتبرا أن هؤلاء يريدون عرقلة هذه النجاحات من خلال محاولة ضرب إنجازات الحزب. أما العامل الثاني فهو - كما يقول إشلر - وجود أياد خارجية تريد تشويه صورة الحزب ونشر البلبلة وأعمال الشغب في البلاد.

واتهم إشلر المعارضة بالوقوف وراء الاحتجاجات، خصوصا الجهات اليسارية المتطرفة، بالإضافة إلى بعض العلويين المتطرفين، معتبرا أن هؤلاء يتلقون الدعم من بعض القوى الخارجية. وأشاد ببدء رئيس حزب المعارضة الرئيس كمال كليتشدار أوغلو التصرف بعقلانية.

وكان نائب رئيس الحكومة التركية بولند أرينج التقى أمس مجموعة من قادة المتظاهرين قدمت إليه لائحة بمطالبها لوقف التحركات. وقال المتحدث باسم المتظاهرين أيوب مومجو للصحافيين أثناء تلاوته لائحة مطالب بعد لقائه أرينج في أنقرة «نطالب بإقالة قادة الشرطة هؤلاء المسؤولين عن العنف والضغط». وسلم ممثلو المتظاهرين وكلهم من المجتمع المدني أرينج لائحة مطالب أبرزها «الإفراج عن كل المتظاهرين الذين أوقفوا منذ بدء حركة الاحتجاج، والتخلي عن المشروع المدني المثير للجدل المتعلق بساحة تقسيم في إسطنبول» والذي كان وراء اندلاع المظاهرات. وطالب المتظاهرون أيضا بألا تستخدم الشرطة الغاز المسيل للدموع، وبأن تحترم حرية التعبير في تركيا. وأكد المتحدث أن رد الحكومة على هذه المطالب سيحدد مصير حركة الاحتجاج.

وذكرت وسائل إعلام تركية أن حركة «تقسيم بلاتفورم»، وهي واحدة من أكبر الحركات المنظمة للاحتجاجات في إسطنبول أعلنت بعد اجتماعها مع أرينج عزمها مواصلة «الكفاح» حتى تستجيب الحكومة لمطالبها.

وتجددت أعمال العنف في وقت باكر صباح أمس. واستخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق مئات المتظاهرين الذين تجاهلوا التحذيرات ونزلوا إلى الشارع فجر أمس في كل من إسطنبول وأنقرة ومحافظة هاتاي الجنوبية. وبحسب هذه المصادر فقد حاول المتظاهرون التوجه إلى مكاتب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في كلتا المدينتين غير عابئين بتحذيرات قوات الشرطة التي حاولت منعهم من التقدم واستخدمت لصدهم قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه.

وإضافة إلى القتيلين الأحد والاثنين، أوقعت أعمال العنف في الأيام الأربعة الماضية أكثر من 1500 جريح في إسطنبول، و700 في أنقرة، بحسب منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان ونقابات الأطباء. لكن السلطات رفضت هذه الأرقام وقدرت عدد الجرحى بـ46 متظاهرا و244 شرطيا فقط.

وفي أزمير، أوقفت الشرطة ما لا يقل عن 25 شخصا بتهمة بث تغريدات على موقع «تويتر» تتضمن «معلومات مضللة وكاذبة»، كما ذكرت وكالة أنباء «الأناضول» الرسمية. وذكرت محطة «سي إن إن تورك» أن المعتقلين متهمون بالتحريض على الثورة ونشر مواد دعائية لذلك عبر «تويتر». وقال علي إنجين، الرئيس الإقليمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض في مدينة إزمير، عقب لقاء رجال شرطة لمعرفة مزيد من المعلومات بشأن الاعتقالات، إن المعتقلين يدعمون الحركة الاحتجاجية التركية ويطمحون إلى بلد حر. وقال إنجين «إذا كان ذلك جريمة فإننا جميعا ارتكبناها».

وألقى اتحاد نقابات القطاع العام، إحدى أكبر النقابات المركزية في البلاد، بثقله في التحركات الاحتجاجية، معلنا عن إضراب ليومين تضامنا مع المتظاهرين. غير أن المتحدث باسم الاتحاد باكي شينار لم يأخذ بتصريحات أرينج المهادنة، وقال «هذه الاعتذارات ليست سوى محاولة للحد من الأضرار فقط، لأنهم يعلمون أنهم في مأزق». وانضمت أمس نقابتان بارزتان إلى المتظاهرين المطالبين باستقالة أردوغان. وأعلن اتحاد نقابات القطاع العام واتحاد نقابات العمال الثوريين اليساريان عن مسيرات احتجاج ظهرا وإضرابات في كبرى مدن البلاد.

وأجرى وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو اتصالا هاتفيا مساء أول من أمس مع نظيره الأميركي جون كيري لإبلاغه استياء أنقرة من سلسلة التعليقات التي أدلت بها واشنطن حول المظاهرات في تركيا. وقال دبلوماسي تركي طلب عدم الكشف عن هويته إن داود أوغلو أكد لكيري أن «تركيا ليست ديمقراطية من الدرجة الثانية».

إلى ذلك، نفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سيد عباس عراقجي التدخل في الاضطرابات الجارية في تركيا، وأعلن أن طهران طلبت رسميا من أنقرة تقديم إيضاحات حول مدى صحة ما تردد عن اعتقال شخص إيراني في أنقرة. وتعليقا على ما تردد بهذا الشأن، قال المتحدث لوكالة أنباء «فارس»: «سمعنا بهذا عبر وسائل الإعلام.. وطلبنا رسميا من الحكومة التركية إيضاحات بهذا الشأن». وقال المتحدث إن الجمهورية الإسلامية تطالب أنقرة بأن توفر لها في أسرع وقت ممكن فرصة للتواصل القنصلي مع هذا الشخص إذا ما تأكد أنه إيراني. وكان عراقجي أكد أن ما يحدث في تركيا «شأن داخلي تركي»، وأعرب عن أمله في أن تتمكن القيادة التركية من إنهاء هذه الاضطرابات سلميا.