شعبية رئيس الحكومة التركية لا تتراجع..لكن طموحاته السياسية قد تتضرر

العلمانيون المحبطون من حكم «العدالة والتنمية» يتوحدون في الشارع

TT

لم تكن الصدامات التي عمت تركيا خلال الأيام الخمسة الماضية نتيجة لمشروع الحكومة إعادة بناء قلعة عثمانية ومسجد على موقع المتنزه القائم قرب ساحة «تقسيم»، بل يتعدى الأمر شجيرات المتنزه إلى الضغط الذي مارسه حزب العدالة والتنمية الحاكم على العلمانيين، واتجاهه أكثر نحو اعتماد سياسات محافظة كان آخرها إقراره قانونا يحد من تعاطي المشروبات الروحية، بالإضافة إلى إجراءات أخرى يرى فيها العلمانيون ميلا واضحا نحة «أسلمة المجتمع».

ورغم نيل أردوغان وحزبه 50 في المائة من أصوات الناخبين في الانتخابات الأخيرة، فإن معارضيه العلمانيين لم يستطيعوا أن ينالوا أكثر من 27 في المائة أعطتهم نحو 127 مقعدا في البرلمان. ويبدو أن فشل هؤلاء في وقف المد الهائل للحزب «ذي الجذور الإسلامية» قد أضفى على العلمانيين واليساريين شعورا بالإحباط تجلى في تخليهم عن صناديق الاقتراع لصالح «الاقتراع بالأقدام»، وهو إن كان من الوسائل الديمقراطية، فإن تحوله إلى معارك كر وفر مع الشرطة أساء إلى تركيا، بشقيها المعارض والموالي، فوجدت أوروبا فيها فرصة لتقول إن تركيا «تحتاج إلى وقت للانضمام إليها لنقص معاييرها الديمقراطية»، كما تمكن نظام الرئيس السوري بشار الأسد من الشماتة بأردوغان، فاستعمل وزير الإعلام السوري في وجه أردوغان نفس التعابير التي استخدمها الأخير وأعضاء حكومته مع الأسد.

ومهما يكن من أمر هذه المظاهرات، فإنها لا بد من أن تنتهي إلى أمر واحد، وهو بقاء «حزب العدالة والتنمية في السلطة»، فحكومته لا يبدو أنها تفكر أبدا في الاستقالة، كما أن طرح الانتخابات المبكرة ما يزال بعيدا جدا عن ذهن أردوغان الذي انزلق نحو وصف المتظاهرين باللصوص واتهامهم بتلقي الدعم من الخارج.

ويقول مراد يتكن، رئيس تحرير جريدة «حرييت ديلي نيوز»، إن أردوغان أخفق في فهم مغزى هذه المظاهرات، آخذا عليه تهديده المتظاهرين بأن لديه مؤيدين كثرا «كأنما يستقوي بجزء من شعبه على جزء آخر». ويشير يتكن في المقابل إلى أن الرئيس عبد الله غل فهم الرسالة، ما يعيد طرح مسألة «الصقور والحمائم» في الحزب الحاكم، خاصة مع مضي نائب رئيس الحكومة بولنت أرينج في تهدئة خواطر المتظاهرين، واعتذاره من جرحى المواجهات، مؤكدا أن الحكومة تعلمت الكثير من العبر مما جرى.

بعيد المظاهرات، قام غل بتوجيه نداء إلى مواطنيه، قال فيه إن الديمقراطية ليست في صناديق الاقتراع فقط، في رد غير مباشر على أردوغان. وبعد اتصال هاتفي مع الأخير، صدر قرار بانسحاب الشرطة من ساحة «تقسيم» لخفض حدة التوتر. وفي اليوم التالي ضرب غل موعدا لرئيس حزب المعارضة الرئيسي كمال كليتشدار أوغلو ليتحدث معه حول أهمية الحفاظ على الهدوء والتعبير الديمقراطي.

الجميع يدرك أن شعبية حزب العدالة لم تتراجع، لكن وجوده 10 سنوات في السلطة جعل خصومه يتوحدون أكثر في مواجهته، ما يؤشر إلى أن مهمة أردوغان في تحويل نظام البلاد إلى نظام رئاسي يتربع على قمته في الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2015 قد تكون أصعب مما توقع أردوغان نفسه. ويبدو أن شخصية أردوغان الحادة تلعب دورا في هذا المجال، فهناك الكثير من الناس الذين باتوا يقولون إنهم يفضلون الرئيس غل على أردوغان.. ولدى السؤال عن السبب يأتي الجواب: «إنه يبتسم أكثر».

ويقول المحلل السياسي جنكيز اكتر من جامعة بهجشهير في إسطنبول، إن «أردوغان راهن على الاقتصاد لكسب رضا الجماهير، وقد نجح في ذلك؛ لأن مجتمع الاستهلاك في أوجه في تركيا، والناس يغتنمون الفرصة ويتهافتون على التبضع فعلا». لكنه أضاف: «إنما يبدو أن مقولة (استهلك واسكت) لها حدود، (...) يريدون أيضا حريات». وقال قمر قاسم من مركز دراسات «يوساك» ومقره في أنقرة: «نتحدث عن حكومة تحكم البلاد منذ 2002 وقد حسنت باستمرار نتائجها الانتخابية. وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى إنهاك وإفراط في الثقة في النفس».