إسرائيل تسيطر على أملاك فلسطينيي الضفة في القدس بموجب «أملاك الغائبين»

لإقرار تنفيذ العمل في شارع «الأبرتهايد»

TT

بعد سنوات طويلة من التردد، أصدر المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، يهودا فاينشتاين، أمرا يتيح استخدام قانون «أملاك الغائبين» من أجل السيطرة على أملاك في القدس الشرقية المحتلة، بملكية فلسطينيين من سكان الضفة الغربية. وبذلك يكون فاينشتاين قد كسر النهج الذي اتبعه سابقوه؛ ومن ضمنهم مئير شمغار وميني مزوز، بعدم تفعيل هذا القانون منذ عام 1968.

وجاء قرار فاينشتاين، في أعقاب بحث الموضوع في محكمة العدل العليا الإسرائيلية، التي توجه إليها عشرات الملاك الفلسطينيين الذين يعيشون على مرمى حجر من أراضيهم وعقاراتهم الأخرى في القدس، ولا يستطيعون استخدامها، لأن القانون الإسرائيلي يعتبرهم «غائبين». وبدلا من التجاوب معهم وإتاحة الفرصة لهم لاستخدام ممتلكاتهم، قرر المستشار منح إمكانية السيطرة على هذه الأراضي للمؤسسات الرسمية التي تعالج شؤون الممتلكات التي خلفها وراءهم اللاجئون الفلسطينيون، مستندا بذلك إلى قانون مجحف قديم.

والقانون المذكور سن في عام 1950، ليتيح للحكومة الإسرائيلية التصرف في العقارات الهائلة التي خلفها اللاجئون الفلسطينيون وراءهم في عام النكبة (1948). ففي حينه هدمت إسرائيل 531 قرية فلسطينية ورحلت سكانها. وينص القانون على أن «كل من يمكث في دولة عدو أو في منطقة خارج سيطرة إسرائيل، يعتبر غائبا، وتنتقل أملاكه إلى الوصي على أملاك الغائبين».

وبعد حرب عام 1967، ضمت إسرائيل القدس الشرقية المحتلة لتصبح في نظر القانون الإسرائيلي مدينة إسرائيلية. وبذلك، نشأ وضع تحول فيه سكان الضفة الغربية، ممن لهم أملاك في القدس، إلى «غائبين عن إسرائيل»، رغم أنهم لم يغادروا بيوتهم وبقوا في منطقة محتلة تسيطر عليها إسرائيل وتدير شؤونها.

وعلى سبيل المثال، وضمن حالات كثيرة مشابهة، فإن عائلة عياد من أبو ديس، كانت تمتلك فندق «كليف»، الذي يبعد نحو 200 متر عن منزل العائلة، وفصل بين المنزل والفندق برسم الحدود البلدية للقدس، بجدار الفصل. وفي عام 2003 أعلن ما يسمى «الوصي على أملاك الغائبين» عن هذه العائلة بوصفهم «غائبين»، وبالنتيجة انتقلت ملكية الفندق إلى السلطات الإسرائيلية.

ولكن نقل العقار إلى هذا الوصي لم يتح له التصرف فيه وبيعه إلى جهة أخرى، لأن من كان مستشارا للحكومة في عام 1968، المحامي (وفيما بعد القاضي)، مئير شمغار، أصدر أمرا يمنع تفعيل قانون «أملاك الغائبين» على القدس المحتلة، بيد أنه فعل مجددا مع تشكيل حكومة الليكود عام 1977. وفي عام 1992، وفي ظل حكومة إسحق رابين، صدر قرار بعدم تفعيل القانون في القدس، وجمد مرة أخرى في عام 1997، إلا أنه في عام 2004 فعل مجددا بضغط من رئيس الحكومة في حينه أرييل شارون والوزيرين ناتان شيرانسكي وزفولون أورليف، إذ تقرر إعادة تخويل «الوصي على أملاك الغائبين» بالسيطرة على «أملاك الغائبين» في القدس. وفي عام 2005، كتب المستشار القضائي ميني مزوز رسالة محذرا من الأبعاد الدولية لتفعيل القانون طلب فيها وقف تفعيله. وبحسبه، فإن «تفعيل صلاحيات الوصي على أملاك الغائبين على أملاك القدس الشرقية يثير مصاعب قضائية كبيرة ذات صلة بإحلال القانون وبمعقوليته، إضافة إلى جوانب أخرى ذات صلة بتعهدات إسرائيل تجاه القوانين الدولية».

وفي عام 2006 أصدر قاضي المحكمة المركزية بوعاز أوكون، قرارا بإلغاء قانون أملاك الغائبين في القدس، إلا أن الدولة استأنفت في العام نفسه على القرار أمام المحكمة العليا. وقبل أسبوعين، ناقشت المحكمة العليا أربعة ملفات جرى فيها انتزاع أملاك في شرق القدس من سكان الضفة الغربية بموجب قانون أملاك الغائبين. وخلال المداولات، طلب القضاة من المستشار القضائي للحكومة فاينشتاين المثول أمام المحكمة شخصيا لشرح موقفه. وأبلغت النيابة العامة المحكمة، بأن المستشار القضائي للحكومة يصادق على القانون، معتبرا أن الأملاك الموجودة في شرق القدس، التي يعيش أصحابها في الضفة الغربية (ليس في القدس) هي أملاك غائبين.

وفي حين قرر المستشار القضائي تحويل الملفات الأربعة إلى لجنة خاصة تعمل بموجب قانون أملاك الغائبين من أجل دراسة إمكانية تحرير الأملاك وإعادتها إلى أصحابها الأصليين، إلا أن المدعين الفلسطينيين رفضوا هذا الحل لأنه ينطوي على اعتراف ضمني بمصادرة الأملاك بحيث يقتضي ذلك تقديم طلب خاص لتحريرها.

في المقابل، أعلنت النيابة العامة أن القضية ستحول إلى المستوى السياسي. وتقرر تأجيل الجلسة حتى سبتمبر (أيلول) المقبل، ويفترض أن يمثل المستشار القضائي للحكومة أمام المحكمة ليفسر موقفه.

يذكر أن قرار تفعيل قانون أملاك الغائبين على «شرق القدس» له أبعاد مهمة على المستوطنات التي أقيمت في الأحياء الفلسطينية في المدينة؛ إذ جرت السيطرة على الأملاك فيها من قبل جمعيات مستوطنين حصلت عليها بواسطة قانون أملاك الغائبين.

من جهة ثانية، قررت لجنة التنظيم والبناء في بلدية القدس الغربية، أمس، إقامة شارع بديل يربط بين القدس ومستوطنة «معاليه أدوميم»، مما سيمكن إسرائيل من البناء بالمنطقة المصنفة «إي 1». ويعتبر الفلسطينيون هذا الشارع بمثابة شارع سياسي ويطلقون عليه «شارع الأبرتهايد»، لأنه يقسم الضفة الغربية إلى قسمين؛ شمال وجنوب، وكلاهما مفصول عن الآخر، ويتيح إقامة حي استيطاني جديد لليهود على الأرض الفلسطينية. وهذا الشارع، حسب التخطيط، سيربط بشكل مباشر بين المستوطنات والأنفاق في مداخل القدس المحتلة، ومن هناك إلى مركز المدينة، حيث سيقام في الشارع جدار عال يفصل بين المسافرين الفلسطينيين والإسرائيليين.