الحكومات المحلية تطبخ على نار هادئة شكل الخارطة السياسية المقبلة في العراق

القوائم الكبيرة أكلت الصغيرة.. و«العراقية» تطالب بقانون انتخابات منصف

TT

لم تتشكل الحكومات المحلية بعد في العراق رغم مضي أكثر من شهر ونصف على إجراء انتخابات مجالس المحافظات في 12 محافظة عراقية من أصل 14 مشمولة بالانتخابات. كركوك التي لا يزال يحكمها وضع خاص تنتظر إقرار القانون الخاص بها، وهي المحكومة بالتوافقات بين مكوناتها الأساسية (العرب، الأكراد، التركمان)، بينما تنتظر كل من محافظتي الأنبار ونينوى، ونتائج كلتيهما محسومة لبعض مكونات «القائمة العراقية»، الانتخابات التي سوف تجري في العشرين من شهر يونيو (حزيران) الحالي.

الرهان لا يزال قائما على الخارطة السياسية الأكبر التي تتشكل داخل قبة البرلمان، رغم أن النتائج التي ترتبت على الانتخابات المحلية شكلت مفاجأة لافتة للنظر، لا سيما على صعيد الكتل الشيعية الكبيرة. فمع أن ائتلاف دولة القانون، بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، لا يزال في المقدمة من حيث النتائج، فإن حزب الدعوة، الذي يتزعمه المالكي، تقلصت مقاعده إلى النصف، بينما تقدمت مقاعد «المجلس الأعلى الإسلامي» بزعامة عمار الحكيم، إلى النصف تقريبا عما كانت عليه. الحكيم إذن حل في المرتبة الأولى على مستوى الكيانات الحزبية الشيعية، يليه «التيار الصدري» بزعامة مقتدى الصدر، في حين حل حزب الدعوة في المرتبة الثالثة. لكن ائتلاف دولة القانون الذي ضم إليه أطرافا شيعية بعضها انسلخ من «المجلس الأعلى» (منظمة بدر بزعامة هادي العامري)، وبعضها التحق بـ(حزب الفضيلة)، بالإضافة إلى كتل أخرى، وهو ما جعله يحتفظ بالمقدمة على صعيد الائتلافات لا الأحزاب والمكونات.

الأكراد ينتظرون النتائج النهائية لما يمكن أن يحصل لأنهم ليسوا مشمولين على صعيد انتخابات مجالس المحافظات، بينما الخارطة الاتحادية بالنسبة لهم تظل مرهونة إلى حد كبير بالتطورات داخل الساحة الشيعية، مثلما أبلغ «الشرق الأوسط» عضو البرلمان العراقي عن «التحالف الكردستاني» برهان محمد فرج. «القائمة العراقية» التي تشظت إلى عدة كتل ومكونات، بعضها ينتظر نتائج انتخابات الأنبار ونينوى لكي يحسم تحالفاته المستقبلية، سواء على مستوى الحكومات المحلية أو البرلمان؛ مثل قائمة «متحدون» التي يتزعمها رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، و«العراقية العربية» التي يتزعمها نائب رئيس الوزراء صالح المطلك، بينما «القائمة العراقية الوطنية» التي يتزعمها إياد علاوي الذي لا يزال رسميا زعيم «ائتلاف العراقية» - فقد استسلمت للأمر الواقع، معتبرة أن «أي تغيير قادم سوف يكون نحو الأسوأ»، مثلما أبلغ «الشرق الأوسط» هادي الظالمي المستشار الإعلامي والسياسي للدكتور علاوي.

أما الكتل والكيانات الصغيرة، فإن الأمر يعنيها من زاوية أن الأسماك الكبيرة لا تزال تحترف أكل الأسماك الصغيرة الذي يحتم «ضرورة تغيير قانون الانتخابات لكي يتم إنصاف الجميع»، مثلما يرى يونادم كنا رئيس كتلة «الرافدين» المسيحية في البرلمان العراقي في مداخلته لـ«الشرق الأوسط». الحراك السياسي في العراق بات اليوم يسير على جملة من الإيقاعات المتسارعة. فهناك واقع الحال المتمثل بعدم إمكانية إجراء انتخابات مبكرة وسحب الثقة من الحكومة الحالية لأسباب كثيرة. وهناك إيقاع العنف الطائفي المتسارع هو الآخر، بين انفلات الأوضاع حد العودة إلى أعوام 2006 - 2008 ما دام مؤشر الأرقام أظهر تصاعدا في عمليات القتل خلال شهر مايو (أيار) الماضي التي فاقت تلك الأعوام بحصيلة مفادها مقتل (1045 عراقيا خلال شهر واحد). وهناك المتغيرات داخل الكتل الكبيرة مع احتمال المزيد من التشظي الذي قد يعيد رسم الخارطة بما يؤدي إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

«التحالف الكردستاني»، ومن خلال ما أكده القيادي فيه برهان محمد فرج لـ«الشرق الأوسط»، فإن «الخارطة السياسية محكومة بعدة متغيرات، لعل أهمها نتائج انتخابات المحافظات وكيف يتم البناء عليها وصولا إلى البرلمان الاتحادي القادم». ويضيف فرج قائلا إن «الانتخابات المحلية أظهرت متغيرات على الساحة الشيعية بتقدم الحكيم، وهو ما يعطي مؤشرا، وفي حال نجاح زيارة المالكي إلى أربيل الأسبوع المقبل وتم حل المشاكل العالقة، فإن خارطة التغييرات تشهد حراكا نحو الأفضل». لكن ما هو أفضل بالنسبة لفرج الذي يراهن على زيارة المالكي هو «الأسوأ» بالنسبة لهادي الظالمي مستشار الدكتور إياد علاوي الذي لم تحقق قائمته مستوى مقبولا على صعيد الانتخابات المحلية. وفي هذا السياق، يرى الظالمي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه «من غير المتوقع أن تحصل متغيرات هامة وأساسية في حال بقاء الظروف الحالية، حيث يستمر نفوذ القوى السياسية الحالية باستعمال أساليب الترهيب والترغيب واستخدام الدولة في لي أذرع الأطراف الأخرى». ويؤكد الظالمي أنه «في ضوء ما تعودناه من السلطة، ومع تمادي الحكومة دون رادع، وضعف القضاء، وفقدان الدور الرقابي للبرلمان، فإن أي تغيير يمكن أن يحصل سوف يكون نحو الأسوأ». أما رئيس كتلة «الرافدين» في البرلمان الاتحادي، يونادم كنا، فإنه يتوقع أن «تلجأ الكتل الكبيرة إلى تغيير أو تعديل القانون الانتخابي حتى يتيح طريقة أفضل في توزيع المقاعد، فضلا عن التحالفات، وهو ما يمكن أن ينسحب على عدد الكتل بما يضمن عدم تشظيها مستقبلا».