شمال حلب يعيش على صفيح الصراع الطائفي.. وأكراد المنطقة «يطعنون في الظهر»

أكثر من 20 قتيلا في مواجهات بين مقاتلي قريتين شيعيتين مواليتين ومحيطهما السني الثائر

ثوار حلب يضربون حصارا على قريتين شيعيتين طلبا لشبيحة سنة (خاص بـ«الشرق الأوسط»)
TT

على مدى الأيام القليلة الماضية قتل أكثر من 20 شخصا في مواجهات بين مقاتلين من الجيش الحر من جهة، ومسلحين شيعة وأكراد في ريف حلب الشمالي، فقد صد مقاتلو المعارضة المسلحة في مدينة عندان هجوما من جيرانهم في الجغرافيا وخصومهم في الطائفة، بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين، بعدما حاولوا التسلل ليلا ورفعوا علم النظام على تلال قرب عندان كبرى مدن الريف الحلبي الثائرة قبل أن تتدخل ثلاثة فصائل معارضة، هم أحرار سوريا والتوحيد ورجال الله، ينتمي مقاتلوها لعندان وحريتان وبيانون، وتجبر المسلحين الشيعة على التراجع.

ويعيش سكان عندان في أجواء انعدام الثقة والترقب من أي طعن في خاصرتهم من جهة القريتين الشيعيتين، والجديد انضمام الجيران الأكراد إلى معادلة الصراع، فقد وجهت اتهامات لقرية الزوق المجاورة لنبل بأن مقاتليها أمنوا طريق انسحاب لمقاتلي نبل وحموا ظهورهم، على عكس الاتفاق المبرم معهم بعدم التدخل في الصراع والتزام الحياد. ويقول محمد بلو الناطق باسم لواء أحرار سوريا: «لم نتأكد بعد إن كان الأكراد قد ساندوا شبيحة نبل، لكن الكثير من المقاتلين في الجبهة قالوا إن رصاصا جاءهم من الخلف. لقد التقينا بقائد عسكري كردي من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (بي واي دي) ونفى أن يكون مقاتلوه قد تعاونوا مع مرتزقة نبل والزهراء. إنهم يصرون على وقوفهم محايدين».

ولكن شكوك السكان حول دور خفي للأكراد لها ما يبررها؛ فقبل أيام قتل مسلحون أكراد ينتمون لـ«وحدات الحماية الكردية في سوريا» (يو بي جي) المقربة من حزب العمال الكردستاني قائدا ميدانيا بارزا في لواء التوحيد، عندما ساور الأخير الشكوك بخصوص تسهيل حاجز للأكراد مرور إمدادات لداخل بلدة الزهراء المحاصرة، فنشب اشتباك أدى لمقتل محمود حافظ عيسى الملقب بـ«شامل» و9 من عناصر مجموعته، مما أثار ردود فعل غاضبة بين فصائل الجيش الحر ودفعها لإعلان حملة عسكرية لمهاجمة المقاتلين الأكراد في بلدتي عقيبة والزيارة متهمين إياهم بأنهم «عملاء حزب العمال الكردستاني والنظام السوري»، وأنهم كانوا «متواطئين» مع بلدتي نبل والزهراء. ويقول أحمد عفش، قائد لواء أحرار سوريا، إن لديه تأكيدات ودلائل حول دعم إيراني بالتسليح والتدريب لسكان نبل والزهراء، ويحدد 3 شروط لفك الحصار عن البلدتين هي: «تسليم شبيحة آل البج، وتسليم السلاح القادم من النظام إلى نبل والزهراء، وتسليم الرهائن المختطفين من قرانا في إطار صفقة تبادل»، وإلا، يضيف عفش، «فلن نرفع الحصار أبدا. نستطيع أن ندمر البلدتين بقذائف المدفعية والهاون، لكننا نعرف أن فيها سكانا مدنيين ولا نريدهم أن يذوقوا ما تذوقنا إياه عصابات الأسد الذي يدعمونه».

ولكن رجل الدين الشيعي علي الزم، من قرية نبل، والذي كان يدير مفاوضات لتسليم الرهائن قبل أشهر مع عفش، يقول إن هذه الشروط مستحيلة، مضيفا أنه «لا يمكن لي أن أسلم ابن عمي أو أحد سكان بلدتي. سنقاتل للدفاع عن مدينتنا. إنهم يحاصروننا منذ أشهر. واستنفدنا معهم كل الوسائل الممكنة للحل السلمي».

بدا الحاج الزم حازما وغاضبا هذه المرة؛ فقبل أشهر عندما كنت أتحدث معه عبر الهاتف الأرضي كان أكثر دبلوماسية وليونة، كان يعول على إيجاد حل سلمي ويركز على ضرورة «التعايش مع الجيران». وربما ما جعله أكثر تشددا هو حادثة خطفه شخصيا، فقبل أشهر اتصلت به، لكن من رد على الاتصال هو ابنه الدكتور مرتضى، الذي يدير مكتبا إعلاميا لنبل. سألته أين الحاج علي؟ فأجاب أن «الحاج علي مخطوف في بلدة حيان». وبعدها بأيام أطلق سراحه ليروي لي ما حصل معه: «لقد ذهبت للتفاوض حول تبادل للرهائن بيننا وبين بلدة حيان، ولكنهم احتجزوني وصادروا أموالا كانت معي وبعد أيام من الاحتجاز أطلقوني ولكنهم لم يعيدوا سيارتي إلى الآن».

ومن ذلك الحين انقطعت الاتصالات بين الطرفين وأصبحت المواقع الاجتماعية لنبل والزهراء تهاجم بشدة ثوار القرى المحيطة وتضع صور بشار الأسد وحسن نصر الله في واجهات صفحات «فيس بوك» التابعة لهم. أجواء الاحتقان هذه تشير إلى تحول النزاع إلى حرب طائفية؛ بين الأكثرية السنية من جهة، والأقلية العلوية وحلفائهم الشيعة من جهة أخرى.. فمنذ بداية الثورة السلمية في أشهرها الأولى أعلن سكان البلدتين الشيعيتين تأييدهم للنظام، على عكس القرى والبلدات السنية التي تحيط بهم والتي خرجت عن سيطرة الجيش النظامي، الأمر الذي جعل نبل والزهراء مأوى لنحو 200 «شبيح سني» هربوا من القرى المجاورة في الريف الشمالي ولجأوا إليهم، ونقصد هنا شبيحة آل البج الذين فروا من مدينة حيان المجاورة. رفض وجهاء نبل والزهراء تسليم شبيحة عائلة البج للجيش الحر، وبدأ مقاتلو البلدات السنية المجاورة بضرب حصار خانق على البلدتين. وبحكم أن الطريق البري في ريف حلب الشمالي تحت سيطرة الثوار، اضطر نظام الرئيس بشار الأسد لاستخدام المروحيات لإيصال كميات كبيرة من الذخائر والطعام للقريتين.

ويتندر سكان عندان المجاورة بالمروحيات التي تهبط يوميا ويسمونها بـ«سرفيس (سيارة أجرة) نبل»، في إشارة إلى عجز النظام عن الوصول إليهم.