حرب شوارع بين الجيش والمجموعات المسلحة في قلب طرابلس

علوش: ثلاثة آلاف مسلح في المدينة.. 300 منهم فقط يروعون الناس

جنود لبنانيون يحاولون إطفاء حريق في وسط طرابلس إثر معارك عنيفة أمس (رويترز)
TT

عاشت مدينة طرابلس، شمال لبنان، حالة ذعر شديد طوال أمس بعد أن اجتاح، فجأة، مسلحون ملثمون، يقدر عددهم بالمئات، شوارع المدينة الرئيسة راجلين وعلى دراجات نارية وأخذوا يطلقون النار في كل اتجاه، مروعين الأهالي، ومجبرين المحال على الإقفال. كما عمد المسلحون، الذين انتشروا في مختلف المناطق في وقت واحد، إلى إغلاق مداخل المدينة الأساسية، وتقاطعاتها الرئيسة، في ما يشبه فرض حصار محكم على الأهالي الذين هرعوا للبحث عن أبنائهم في المدارس.

لكن بعد وقت قصير، تمكن الجيش من فتح مداخل المدينة عنوة، لتبدأ اشتباكات كر وفر، امتدت طوال النهار، مع المسلحين الملثمين والمزودين برشاشات متوسطة وقذائف الـ«أر بي جي» وقذائف «B7»، في مناطق مختلفة من المدينة، منها محيط التل، أي الوسط التجاري للمدينة، والمئتين والزاهرية، وباب الرمل وباب الحديد، وفي أزقة الأسواق الداخلية، وفي ساحة النجمة. واستخدم المسلحون أسطح المنازل لمهاجمة الجيش، مما استدعى وصول وزير الداخلية اللبناني مروان شربل إلى المدينة، للاطلاع على الوضع الأمني.

وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعد سلسلة اجتماعات في منزله في طرابلس، إن «الجيش اللبناني ماض في تنفيذ الخطة الأمنية التي وضعها لإعادة الهدوء والاستقرار إلى المدينة». وأضاف: «طرابلس كانت تعيش وستبقى، في كنف الشرعية اللبنانية وبحماية الجيش والقوى الأمنية»، لافتا إلى أن «بعض المظاهر المسلحة الخارجة على القانون مستهجنة ولا تعبر عن توجه أبناء المدينة وأن التوجيهات أعطيت للجيش لضبط كل إخلال أمني، من أي جهة أتى، وتوقيف المتسببين بترهيب المواطنين». ودعا ميقاتي الطرابلسيين إلى «التمسك بالدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية التي لا ملاذ لهم سواها».

ويعتبر ما حصل أمس، انعطافة كبيرة في الوضع الأمني المتوتر الذي كانت تشهده طرابلس، بين الحين والآخر، منذ عام 2008.. إذ كانت المعارك تنحصر تقليديا في الضاحية الشمالية بين جبل محسن، ذي الغالبية العلوية، وباب التبانة ذي الغالبية السنية، إلى أن انفلت الوضع على نحو غير مسبوق في الأيام الأخيرة، وإعلان السياسيين المتكرر عن أن المسلحين باتوا خارج نطاق السيطرة، مما دفع بالقيادات السياسية لإطلاق يد الجيش لمعالجة الوضع.

وبعد اجتماع جرى أول من أمس في القصر الجمهوري ضم الرئيس اللبناني ميشال سليمان، وميقاتي، وقائد الجيش جان قهوجي، وعددا من الوزراء والقادة الأمنيين، أعلنت قيادة الجيش أنها «ستتخذ بنفسها الإجراءات الحاسمة كافة بمنأى عن التدخلات السياسية، لوضع حد لما يجري في مدينة طرابلس، وهي تدعو المواطنين إلى التجاوب الكامل مع التدابير التي بدأت وحدات الجيش بتنفيذها تباعا».

وأزال الجيش دشما ومداهمات في باب التبانة وجبل محسن، حيث داهم صباح أمس مركزا لمسؤول مجموعة مسلحة في باب التبانة اسمه زياد علوكي، عثر فيه على مجموعة من الأسلحة. وعلى الأثر انتشرت إشاعات كاذبة تفيد بأن الجيش اللبناني داهم مسجدا، ونشرت صور لمصحف على الأرض، وكتب دينية أخرى. وكذبت قيادة الجيش مباشرة الخبر، كما أعلن مشايخ اجتمعوا بدار الفتوى أن الأمر عار عن الصحة، وثمنوا ما ينفذه الجيش اللبناني والقوى الأمنية من إجراءات أمنية لحفظ الأمن، مشددين على أن تكون هذه الإجراءات متوازنة.

وأصدرت قيادة الجيش بيانا جاء فيه أن «وحدات الجيش واصلت تشديد إجراءاتها الأمنية وتوسيع انتشارها في أحياء جبل محسن وباب التبانة والمناطق المحيطة بهما، ونفذت سلسلة عمليات دهم بحثا عن المسلحين ومخابئ الأسلحة، وضبطت فجر اليوم (أمس) في محلة سوق القمح - الحارة البرانية، مخزنا للسلاح يحتوي على كميات من العبوات الناسفة ومدافع الهاون المحلية الصنع، والبنادق الحربية والذخائر العائدة لها، بالإضافة إلى عتاد أسلحة متنوعة، والمخزن المذكور عائد للمدعو زياد علوكي الذي بث على أثر ذلك أكاذيب تتعلق بإقدام الجيش على المس بالرموز الدينية بهدف إثارة النعرات الطائفية». وأضاف البيان أن «قوى الجيش تستمر في عمليات الدهم ومطاردة المسلحين في أحياء المدينة، وهي تحذر مجددا أنها لن تتهاون في التصدي المباشر للإخلال بالأمن والمظاهر المسلحة كافة إلى أي جهة انتمت».

لكن مجموعة زياد علوكي ومجموعات أخرى، وكرد فعل على المداهمة، هاجمت أهالي المدينة الآمنين في وضح النهار. وقال عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل، النائب السابق مصطفى علوش، لـ«الشرق الأوسط» أمس: «هناك مجموعة من الناس بثت إشاعات تبين أنها غير صحيحة، واعتدت على رجال الأمن، ومن المفترض أن يضرب الجيش بيد من حديد، ويسوق هؤلاء إلى العدالة». وأكد علوش أن عدد المسلحين في طرابلس، أو «مثيري الشغب» كما سماهم، يبلغ نحو 3000 مسلح، أما الذين نزلوا للتصدي للجيش في الشارع فلا يتجاوز عددهم الـ300 شخص. وعما إذا كان بمقدور الجيش ضبط الأمن قال علوش: «ليس للجيش خيارات أخرى، وعليه أن يقوم بواجبه، وإذا كان هناك ألف شخص خارج على القانون فعلى الجيش أن يأتي بألفين». وأكد علوش أن تيار المستقبل، كان وسيبقى موقفه واضحا أنه «لا سلاح غير سلاح الجيش اللبناني».

وكان تيار المستقبل قد أصدر بيانا شدد فيه على «ضرورة التعاون مع الجيش اللبناني والقوى الأمنية الرسمية لبسط الأمن وسلطة القانون في مدينة طرابلس، وتفويت الفرصة على العابثين بوحدة المدينة تنفيذا لأغراض خارجية». وأشار البيان إلى أن «الإجراءات التي ينفذها الجيش اللبناني يجب أن تكون محل ترحيب كل الجهات التي تعنيها سلامة طرابلس وأهلها، خصوصا إذا جاءت هذه الإجراءات في إطار خطة واضحة ومسؤولة». وحذر البيان من أي محاولة «عن قصد أو عن غير قصد، لإعاقة عمل القوى الشرعية».

وأعلنت قيادة الجيش عن طلعات للقوات الجوية فوق منطقة الشمال اعتبارا من الثامنة والنصف ليل أمس، ولغاية منتصف الليل.

وقال عضو هيئة العلماء المسلمين الشيخ نبيل رحيم لـ«الشرق الأوسط» أمس إن «طرابلس هذا النهار ينتشر فيها المسلحون في الشوارع بكثرة، إنها فعلا قندهار، تبدو خارجة عن لبنان. هذا ما يريده بشار الأسد وجماعته. يريدون للشبان أن يشتبكوا مع الجيش اللبناني». وفي سؤال عما إذا كان يعرف هوية الملثمين وأسماءهم قال: «نعرف بعضهم ولا نعرف البعض الآخر»، بينما قال علوش: «هي مجموعات بعضها غضب من المداهمات، وهناك من صدق الشائعات، والبعض الآخر لا يروقه أن يستتب الأمن في المدينة ويريد أن يستفيد من الفوضى».

وتعرضت عناصر الجيش لهجوم على مراكزهم واعتداءات متكررة في أكثر من منطقة وأعلن عن إصابة ضابط وجندي بإطلاق نار، كما أصيب مواطنون بجروح لم يعلن عن أعدادهم. وحاول الجيش إلجام المسلحين قبل هبوط الليل بتسيير دوريات مؤللة في مختلف أنحاء المدينة. وقال علوش لـ«الشرق الأوسط»: «هذه العملية العسكرية من المفترض أن تبقى مستمرة، حتى تحقق أهدافها، ويعود الأمن إلى طرابلس»، متوقعا أن «يتمكن الجيش من حسم الأمور في غضون 24 ساعة».

وبموازاة الجهود السياسية التي بذلت في طرابلس، وإثر تعرض إحدى دوريات الجيش لإطلاق نار في جبل محسن، أعلن الحزب العربي الديمقراطي في الجبل أنه «يؤكد التزامه المطلق مع الجيش الوطني اللبناني بعدم إطلاق النار ويدعو جميع كوادره ومناصريه للتعاون التام مع الجيش، وأن أي شخص لا يلتزم بهذا القرار يتحمل المسؤولية، والحزب العربي الديمقراطي غير معني به ويرفع عنه الغطاء».