أردوغان مصر على خططه.. ويرفض تسلط الأقلية على الأكثرية

نزول مناصري «العدالة» إلى الشارع لمواجهة المحتجين يهدد بمواجهات داخلية

TT

استمرت الاحتجاجات التي ينظمها معارضو رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، وإن بزخم أقل، فيما برز تطور لافت تمثل بنزول جماهير من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم إلى الشارع للتصدي لمتظاهرين في منطقة البحر الأسود، ما قد يؤشر إلى انزلاق البلاد نحو مواجهات داخلية في حال استمرت. وأتى موقف أردوغان المتصلب حيال المتظاهرين أعاد تعقيد الأمور وتحريك المظاهرات بعد الظهر، فيما تراجعت بورصة إسطنبول 5% إثر هذه التصريحات التي أكد فيها أردوغان إصراره على مشروعه المثير للجدل في وسط إسطنبول الذي فجر الاحتجاجات، مكررا بأن حزبه يمتلك الأكثرية داخل البرلمان وأنه لن يقبل «تسلط الأقلية على الأكثرية».

وقال أردوغان في مؤتمر صحافي عقده قبيل مغادرته تونس مساء أمس عائدا إلى بلاده: «كما تعلمون وقع هجوم ضد السفارة الأميركية في تركيا، ومنتسبو تلك المنظمة الإرهابية (التي قامت بالهجوم) متواجدون على الساحة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تم الكشف عنهم، وكل شيء عنهم معلوم لدى المخابرات» التركية. وأكد أردوغان أنه سيمضي في إتمام مشروع بناء «ثقافي تاريخي» في إسطنبول كان وراء موجة الاحتجاجات ضد حكومته. وقال: «سنقوم بإتمام هذا المشروع، البيئة لا تعني الأشجار فقط، البيئة تعني التاريخ والثقافة، هذه العناصر كلها متكاملة». وأضاف أن «الدفاع عن البيئة لا يكون بقلع الأرصفة وحرق المباني أو تكسير محطات الحافلات وسيارات المواطنين، فكل هذا لا يتصل البتة بالوعي البيئي».

وأقر رئيس الحكومة التركية بإفراط قوات الأمن التركية في استعمال الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين. وقال: «الأمر يتعلق بالغاز المسيل للدموع المفرط فيه، وقد اعتذرنا عن ذلك وعبرنا عن أسفنا عن ذلك». وأضاف: «ما من مكان في العالم بما فيه الدول المتقدمة لا يستخدم فيه الغاز المسيل للدموع». وتابع: «يجب أن نؤكد أيضا أنه لا يمكن الحصول على أي حق خارج الإطار القانوني». وقال متوجها بالخطاب إلى مواطنيه «إذا أردتم أن تجتمعوا وتتظاهروا فهناك ساحات عامة محددة: يمكن أن تتظاهروا هناك، وإذا أردتم أن تقوموا بالمسيرات فهناك أماكن محددة لذلك».

وأضاف: «لكن أن يقول أناس نحن نقوم بالمظاهرات حيثما نشاء ونقوم بما نشاء من هدم ودمار وخراب فهذا لا يمكن أن نسمح به».

وتابع: «حزبنا (العدالة والتنمية) حصل على 23.5 مليون صوت (في الانتخابات) أي 50% من أصوات الشعب ونحن لم نقم بالزج بمؤيدينا إلى الشوارع، فقد ناضلنا وكافحنا دائما في إطار القانون، نحن حكومة لدينا قرابة 330 نائبا في البرلمان ولن نسمح بتسلط الأقلية على الأكثرية، لكن لا يمكن أن نقبل أيضا بتسلط الأكثرية على الأقلية». وختم أردوغان حديثه بالقول: «الآن ما نفعله هو حماية حقوق الأكثرية».

واتخذ «التدخل الخارجي» في المواجهات بعدا أكبر مع الإعلان عن توقيف 14 أجنبيا بينهم 4 يحملون جوازات سفر دبلوماسية من دول غربية بتهمة «التحريض»، فيما أشارت مصادر رسمية تركية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن دور إيران «غير إيجابي» في هذه الأزمة، موضحة أن تلفزيون «برس تي في» الإيراني الناطق بالإنجليزية يجري مقابلات مع مثيري الشغب ويقوم ببث حي للمظاهرات والمواجهات في الكثير من المناطق التركية، مما يتجاوز دوره الإعلامي. وقالت المصادر إن القنصلية الإيرانية في إسطنبول طلبت الاجتماع مع إيراني موقوف لدى الشرطة التركية بتهمة «التحريض».

وذكرت صحيفة «زمان» أن الشرطة اعتقلت 15 أجنبيا على خلفية الاحتجاجات ضد الحكومة التركية. وقالت الصحيفة إن من بين المعتقلين أربعة أفراد يحملون جوازات سفر دبلوماسية. وأضافت أن الأربعة ينتمون لبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا واليونان. ويواجه المعتقلون تهمة الاندساس بين المحتجين بهدف التحريض. وقالت وزارة الخارجية اليونانية إن التقارير التي أفادت أنه بين المعتقلين مواطن يوناني غير صحيحة.

لكن أردوغان أعلن أن أجهزة الأمن اعتقلت سبعة أجانب شاركوا في أعمال العنف التي تشهدها تركيا. وقال: إن «سبعة أجانب اعتقلوا، أحيل ستة منهم إلى النيابة العامة وواحد موقوف وهناك بحث لمعرفة من هم ومن أين جاءوا وماذا يريدون». لكنه نفى أن يكون الأجانب السبعة المعتقلون «يحملون جوازات دبلوماسية».

ولقي شرطي تركي حتفه في محافظة أضنة بجنوب البلاد بعدما سقط من فوق جسر ارتفاعه خمسة أمتار أثناء مطاردته متظاهرين ما يرفع عدد ضحايا المواجهات التي بدأت يوم الجمعة الماضي إلى أربعة بينهم 3 مدنيين.

ومع بدء المؤسسات التركية أعمالها أمس، تحولت المظاهرات إلى تجمعات مسائية تعقد بعد انتهاء مواعيد العمل العادية، حيث ينضم الموظفون إلى متظاهرين يتجمعون في ميدان تقسيم وسط إسطنبول وميدان كيزلاي في وسط أنقرة اللذين تحولا إلى مركز استقطاب للمعارضين. وساد هدوء نسبي في إسطنبول الليلة الماضية بعد اشتباكات عنيفة مع الشرطة على مدى أيام. ونصبت خيام صغيرة في موقع الاحتجاج بميدان تقسيم إلى جانب أكشاك لتقديم الوجبات الغذائية والإسعافات الأولية. وسرت أجواء احتفالية في إسطنبول خلافا لليالي السابقة عندما اشتبك المحتجون مع الشرطة التي استخدمت مدافع المياه والغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

وفي مدينة ريزي على البحر الأسود تعرضت مجموعة من 25 شابا نظمت مظاهرة ضد الحكومة لهجوم من قبل حشد من نحو مائة شخص كما أفاد تلفزيون «سي إن إن - تورك» أمس، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق مناصري حزب العدالة والتنمية الذين حاصروا مبنى لجأ إليه المتظاهرون. وأدخل بعض المحتجين لاحقا إلى المستشفى لكن لم يعرف شيء عن حالتهم الصحية.

وفي المقابل دعا نائب زعيم حزب العدالة والتنمية حسين تشيلك أعضاء الحزب إلى عدم التوجه إلى المطار لاستقبال أردوغان لدى عودته لتجنب إثارة الاضطرابات. وقال تشيلك في مقابلة تلفزيونية: «يجب ألا يتحمل أحد عبء الذهاب لاستقبال رئيس الوزراء في هذا الموقف. رئيس الوزراء لا يحتاج إلى استعراض للقوة».

وأعلن في تركيا أمس عن الإفراج عن 33 من مستخدمي موقع «تويتر» المتهمين بالتحريض على المظاهرات في مدينة أزمير بعدما تم اعتقالهم للاشتباه في استخدامهم لموقع «تويتر» لتنسيق المظاهرات والتحذير من تحركات الشرطة. وأفادت معلومات أن شخصا ما زال قيد الاحتجاز في حين يجري البحث الآن عن أربعة آخرين.

وحمل الروائي التركي اورهان باموك الحائز على جائزة نوبل الحكومة مسؤولية الاضطرابات في مقالة نشرتها صحيفة «حرييت» على موقعها الإلكتروني. وندد بالسلطات لأنها لم تأخذ رأي الشعب في خططها لإعادة تطوير حديقة في إسطنبول. وكتب «هذه السياسة هي من دون شك جزء من النهج السلطوي والقمعي للحكومة». كما عبر عازف البيانو التركي المعروف عالميا فاضل ساي عن دعمه للمتظاهرين.