قمة أميركية ـ صينية ساخنة ومن دون بروتوكولات

أوباما وشي يناقشان الخلافات والتجسس الإلكتروني في منتجع بكاليفورنيا

عامل يضع علامات منع المرور الجزئي في طريق بمنطقة أنينبيرغ قرب «صاني لاندز» عشية اجتماع أوباما وشي في المنتجع الصحراوي بكاليفورنيا (أ.ب)
TT

يلتقي الرئيس الأميركي باراك أوباما، والرئيس الصيني الجديد شي جينبينغ، في كاليفورنيا ابتداء من اليوم، لعقد قمة بعيدا عن البروتوكولات، تأمل منها واشنطن في أن تشكل انطلاقة لعلاقة ثقة مع زعيم بلد منافس وشريك حتمي للولايات المتحدة.

وستدرج الملفات الراهنة الساخنة، من كوريا الشمالية إلى الخلافات التجارية مرورا بالتجسس الإلكتروني، على جدول أعمال المناقشات بين الرئيسين التي تجري اليوم وغدا، في رانشو ميراج في كاليفورنيا على مسافة 160 كم شرق لوس أنجليس.

لكن بعد مرور ثلاثة أشهر على وصول شي إلى أعلى مناصب السلطة في الصين، فإن البيت الأبيض لا يراهن على النتائج الآنية لهذا اللقاء بقدر ما يراهن على مفاعيله الطويلة الأمد. وقال مسؤول أميركي كبير هذا الأسبوع إن شي (59 عاما) «يبدو شخصا حيويا، منفتحا على النقاش، مستعدا للتحدث مباشرة إلى الأميركيين عن مشاغلهم بشكل لم يكن يبديه بعض أسلافه». وتابع المسؤول طالبا عدم كشف اسمه «هناك بالتالي ما يبعث الأمل في أن يتمكن الرئيسان أوباما وشي، انطلاقا من هذه القواعد الجيدة، من التباحث بشكل جوهري وصريح وبناء».

وتحدث أفراد في إدارة أوباما في أحاديث خاصة عن صعوبة التعاطي مع هو جينتاو سلف شي جينبينغ الذي كان معروفا بتصلبه وقلة عفويته. وقال جيف بادر، المستشار السابق لأوباما في الشؤون الآسيوية والعضو في معهد بروكينغز للدراسات، إن شي «قيادي صيني مختلف»، موضحا أن اللقاء مهم إذ إنه «يؤسس لعلاقة» مدعوة للاستمرار لنحو أربع سنوات. وقال بادر إن الزعيم الصيني الجديد «مرتاح في التفاوض، في الجانب البعيد عن الرسميات»، مشيرا إلى أن الصينيين وخلافا للعادة لم يتمسكوا بزيارة دولة وما يواكبها من مراسم بروتوكولية لزيارة شي الأولى إلى الولايات المتحدة،، وهو أمر ذو مغزى بنظره.

وكان شي لقي استقبالا حافلا في واشنطن حين زارها مطلع 2012 بصفته نائبا للرئيس، وفتح له أوباما أبواب المكتب البيضاوي في إجراء يخص به عادة رؤساء الدول والحكومات. وبعد ساعات قليلة من تنصيب شي رسميا رئيسا في 14 مارس (آذار) الماضي اتصل به أوباما ليهنئه ويطرح معه ملفي كوريا الشمالية وأمن الإنترنت. وتصدرت هذه المسألة الأخيرة خلال الأشهر الماضية القضايا المطروحة بين البلدين في ظل علاقات متوترة أحيانا بين القوتين الاقتصاديتين الأوليين في العالم اللتين تقوم بينهما شراكة تجارية قوية ومنافسة جيوسياسية واقتصادية شديدة.

ووعد البيت الأبيض الثلاثاء بإجراء «مناقشات مباشرة وصريحة» بهذا الصدد، في وقت تشكو فيه واشنطن من عمليات سرقة واسعة النطاق لمعطيات معلوماتية أميركية حكومية وخاصة تنسبها إلى قراصنة ينشطون من الصين. ونفت بكين أن تكون مصدرا لهذه العمليات، مؤكدة أنها تعاني من أعمال قرصنة مماثلة. وحض الصناعيون الأميركيون أوباما على التشدد حيال نظيره الصيني بهذا الصدد. وعلى الصعيد الجيوسياسي، قال بادر إن تصريحات الرئيسين حول كوريا الشمالية ستكون موضع متابعة دقيقة في وقت يبدي فيه الصينيون «استياء شديدا جدا» من موقف بيونغ يانغ العدائي في الأشهر الماضية، على أثر قيامها بتجربة صاروخ وبتجربة نووية ثالثة.

ويلتقي أوباما وشي بعد ظهر اليوم في منتجع «صاني لاندز» الذي يستضيف رؤساء أميركيين وضيوفهم منذ عهد دوايت آيزنهاور. وبعد لقاء ثنائي وتصريحات صحافية، سوف يلتقيان حول مائدة عشاء مساء على أن يستأنفا محادثاتهما صباح غد السبت.

ويشير محللون إلى أنه من النادر ما حظي القادة الأميركيون والصينيون بقسط كبير من الأوقات الودية غير الرسمية. فقد التقى الرئيسان الأسبقان جورج بوش الابن وجيانغ زيمين في مزرعة بوش في كروفورد بولاية تكساس، في عام 2002، لكن كان ذلك قبل وقت قصير من تنحي جيانغ. وبعد الحديث على مدى ساعة، قفز الرجلان في شاحنة لأخذ جولة في المزرعة، وتناولا مشويات، وعقدا مؤتمرا صحافيا. وفي هذه المرة، لن يتمثل الموقع في مزرعة، ولكن «صاني لاندز»، المنتجع الصحراوي في رانشو ميراج والذي بناه والتر إتش أنينبرغ، واحتفى فيه رونالد ريغان بليلة رأس السنة، وقصده نيكسون لمداواة جراحه بعد فضيحة ووترغيت.

بالنسبة لأوباما، المهتم بشدة بآسيا ولكن لا يربطه ارتباط وجداني كبير بالصين، تعتبر هذه فرصة لتفادي البروتوكول الخانق المتبع في الزيارات الرسمية وتوطيد علاقة ودية مع شي، لم يحظ بها الرئيس مطلقا من قبل مع سلفه، هو جينتاو. وكان أوباما يائسا من تحقيق هذا الهدف، بحسب مساعديه، إلى حد أنه نادرا ما أحدث تقدما في عشرات المقابلات الرسمية بشكل مبالغ فيه مع هو، الذي كان رد فعله يأتي ممثلا في نقاط محادثة واضحة، حتى عندما ناشده الرئيس، على سبيل المثال، اتخاذ مزيد من الإجراءات لتقويض التهديد النووي من جانب كوريا الشمالية.

بالنسبة لشي، السياسي المحنك بالحزب الشيوعي الصيني، والذي يذكر أسلوبه الجاد بدينغ شياوبينغ، تعتبر هذه فرصة لتحديد طابع أكثر علاقاته الدبلوماسية أهمية في بداية ما يتوقع أن يكون عقدا يركز على هيكل القيادة العليا الصينية.

ويقول توم دونيلون، مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما «القائدان منفتحان جدا على هذا النوع من المقابلات. إنهما يشعران بأن هذه لحظة مهمة في علاقتهما».

تم اختيار «صاني لاندز»، الذي يقع على بعد نحو 120 ميلا جنوب شرقي لوس أنجليس، بتاريخه كمكان اعتاد الرؤساء الجمهوريون وأصدقاؤهم من هوليوود أن يقصدوه للاسترخاء، لإعطاء هذا التاريخ الدبلوماسي الأول الفرصة المثلى للنجاح، حتى إن نسل الجمهوريين بالمنتجع ربما يلعب دورا، على الأقل مجازيا. يقول أورفيل شيل، مدير مركز العلاقات الأميركية الصينية بجمعية آسيا «يمثل صاني لاندز أثرا على الساحل الغربي بالنسبة لريتشارد نيكسون ورونالد ريغان. آخر فترة شهدت قيام علاقة بين الولايات المتحدة والصين كانت في عهد نيكسون وكيسنجر».