الاستخبارات الأميركية تطلع على بيانات الملايين من مشتركي الهاتف

شركة «فيريزون» للاتصالات العملاقة تقدم سجلات زبائنها إلى وكالة الأمن القومي بموجب قرار قضائي

رئيسة لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ ديان فاينشتاين ونائبها ساكسبي شامبليس، خلال عقدهما مؤتمرا صحافيا حول موضوع إطلاع الاستخبارات على بيانات مشتركي الهاتف، في الكابيتول هيل أمس (أ.ف.ب)
TT

تقوم وكالة الأمن القومي، إحدى أبرز وكالات الاستخبارات الأميركية، بجمع تسجيلات المكالمات الهاتفية لعشرات الملايين من عملاء شركة «فيريزون» الأميركية، التي تعد هي الأخرى واحدة من أضخم شركات الهواتف في الولايات المتحدة، بموجب قرار قضائي بالغ السرية صدر في أبريل (نيسان) الماضي. وبموجب الأمر القضائي، تقدم شركة «فيريزون» إلى وكالة الأمن القومي معلومات يومية بشأن كل المحادثات الهاتفية التي يجريها العملاء داخل الولايات المتحدة ومن دول أجنبية إلى الولايات المتحدة.

وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية أول وسيلة إعلامية كشفت عن القرار الذي وقعه قاضي المحكمة، التي تشرف على المراقبة الداخلية، قبل أن يؤكد اثنان من المسؤولين السابقين لصحيفة «واشنطن بوست» أن القرار يبدو صحيحا. وإذا كانت الوثيقة أصلية، فإنها تؤكد الشكوك القائمة منذ فترة طويلة لدى المدافعين عن الحقوق المدنية بشأن طبيعة المراقبة الشاملة التي تمارسها الولايات المتحدة عبر شركات جارية بموجب قوانين تم تمريرها في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.

وقال خبير في هذا الفرع من القانون الليلة قبل الماضية، إن القرار ليس سوى تجديد روتيني لأمر مشابه أصدرته ذات المحكمة في عام 2006. وأضاف الخبير، الذي طلب عدم ذكر اسمه لمناقشته قضايا بالغة الحساسية، إن القرار يعاد إصداره كل 90 يوما وإنه لا يرتبط بأي تحقيقات خاصة يجريها مكتب التحقيقات الفيدرالي أو أي وكالة أخرى. وأشار الخبير إلى أن هذه القرارات بمثابة «موافقة تلقائية» تسعى من خلالها شركات الاتصالات إلى حماية نفسها، بعد الكشف في عام 2005 عن أن التنصت واسع النطاق على المكالمات الهاتفية دون إذن قضائي قد يعرضها لأضرار كبيرة.

يندرج القرار تحت القسم 215 من قانون «باتريوت»، الذي يخول الحكومة تقديم مطالب واسعة لشركات الخدمات الهاتفية للحصول على معلومات حول المكالمات. وفي هذه الحالة، يقضي الأمر بتقديم شركة «فيريزون» معلومات «بشكل يومي ومتواصل» عن جميع تفاصيل المكالمات التي أجريت بين الولايات المتحدة والخارج؛ أو أجريت داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك المكالمات الهاتفية المحلية.

وقد رفض البيت الأبيض ووزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي، الذين يعتقد أنهم وراء إصدار الأمر القضائي، التعليق. كما رفض المتحدث باسم «فيريزون» والمحكمة التعليق أيضا. لكن منظمات الحقوق المدنية سارعت إلى انتقاد الطبيعة الشاملة للقرار. وقالت إليزابيث غويتين، المدير المشارك لبرنامج «الحرية والأمن الوطني» في «مركز برينان للعدالة»: «هذا إعلان صادم، ويشير إلى أن الحكومة تجمع سجلا شاملا لمكالمات الأميركيين وربما أماكن وجودهم».

وقال «مركز الحريات الدستورية» الذي رفع دعوى قضائية ضد الحكومة بسبب ممارسات المراقبة في بيان له الأربعاء، إن القرار «لا يتضمن أي قدر من الشكوك وينطبق على كل عملاء (فيريزون) في أي مكان بالولايات المتحدة. ويحتوي أيضا على أمر يحظر على (فيريزون) كشف معلومات عن القرار لأي شخص غير مستشارها القانوني».

من جانبه، وصف آل جور، نائب الرئيس الأميركي الأسبق، القرار بأنه «مخز»، وقال في تغريدة له نشرت ليلة الأربعاء: «ينبغي أن تكون الخصوصية أولوية في العصر الرقمي».

ويبدو أن القرار يؤكد أيضا المخاوف التي عبر عنها السيناتوران الديمقراطيان رون ويدن ومارك أودال، اللذان قالا في رسالة إلى وزير العدل إريك هولدر العام الماضي: «نحن نعتقد أن غالبية الأميركيين سيصعقون عندما يعلمون بتفاصيل هذه القرارات القضائية السرية. نحن نعتقد أن هناك فجوة بين ما يعتقد غالبية الأميركيين أن القانون يسمح به وما تدعي الحكومة سرا أن القانون يسمح به».

وقد دافع المسؤولون الحكوميون عن سلطات المراقبة الواسعة، قائلين إن المعلومات كانت حيوية في كشف وإحباط مؤامرات إرهابية، وقالوا أيضا إن المراقبة تم تنفيذها بموجب مواد قانون «باتريوت» والقوانين الأخرى.

يتطلب قرار المحكمة، الذي يستمر لثلاثة أشهر، من شركة «فيريزون» تقديم معلومات شاملة حول الاتصالات، تتضمن (دون الاقتصار على ذلك) أرقام المتصل ومتلقي المكالمة واسم العميل وعنوانه ومعلوماته المالية، لكن القرار لم يطلب من «فيريزون» تقديم أي معلومات عن محتوى المكالمة.

ولا يتطلب حكم «تسجيلات الشركات» الذي أصدرته «محكمة مراقبة الاستخبارات الخارجية» إظهار سبب مقبول بأن الأهداف عملاء لدولة أجنبية. وعوضا عن ذلك، فإن المطلوب هو إظهار أن هناك أسبابا معقولة لاعتقاد أن الأدلة الملموسة المطلوبة متعلقة بتحقيق مصرح به، للحصول على معلومات استخباراتية خارجية أو للوقاية من الإرهاب الدولي أو أنشطة استخباراتية سرية.

وتقول غويتين، التي كانت مستشارا للسيناتور السابق راسل فينغولد، عندما كان عضوا في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ قبل مغادرته منها مطلع عام 2011: «أخبرني كيف يمكن للبيانات الوصفية لكل الاتصالات المنزلية أن تكون ذات صلة بتحقيقات الإرهاب الدولي أو الاستخبارات الخارجية المصرح بها». وأثار فينغولد المخاوف بشأن تفسير الحكومة السري للمادة 215. القلق الذي عبر عنه السيناتوران ويدن وأودال في السنوات الأخيرة. وقد ضغط هذان المشرعان على وزارة العدل والمحكمة لإعادة إصدار نسخة معدلة من آرائهما حتى يمكن للأميركيين فهم النطاق الكامل لسلطات المراقبة الحكومية.

ولم يحدد الحكم ما إذا كان سيتم تسليم البيانات المتعلقة بالموقع مثل برج الهاتف الجوال أو إحداثيات نظام التموضع العالمي أم لا. مع ذلك ومن دون هذه البيانات، تظل وكالة الأمن القومي تجمع قدرا هائلا من المعلومات التي يمكن أن تقدم صورة تفصيلية لشبكة معارف الناس ومن هم على صلة بهم ومتى بدأت الصلة ومدة استمرارها. وقالت غويتين: «إنه نوع من الشبكة المعلوماتية التي قد تفيد كثيرا في التحقيقات المشروعة المتعلقة بقضايا الإرهاب، لكن ليس من شأن الحكومة الأميركية معرفة معلومات عن الأميركيين العاديين الملتزمين بالقانون». ويعتقد المدافعون عن الخصوصية أن وكالة الأمن القومي كانت تجمع مثل هذه المعلومات من كل شركات الاتصالات العملاقة منذ وقت طويل.

يذكر أنه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بدأت إدارة الرئيس السابق جورج بوش برنامجا سريا من خلال وكالة الأمن القومي يقوم على جمع كل تسجيلات الأميركية في إطار خطة أكبر هي خطة مكافحة الإرهاب، تضمنت تسجيل المكالمات الهاتفية الدولية لأميركيين مع أشخاص يشتبه في كونهم إرهابيين من دون تصريح. وتم وضع المحاولات الأخيرة تحت إشراف محكمة سرية عام 2007. لكن مع ذلك، لا يوجد دليل على استمرار برنامج تسجيل المكالمات الهاتفية، الذي أثار كشف صحيفة «يو إس توداي» له عام 2006 غضبا عارما، خلال فترة حكم إدارة أوباما.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»