برنامج سري يتيح لوكالات الأمن الأميركي الحصول على بيانات تسع شركات إنترنت كبرى

الشركات تنفي فتح باب خلفي للحكومة الأميركية.. ووثائق تؤكد أن المعلومات جزء من تقارير يومية تقدم للرئيس

TT

تخترق وكالة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي الخوادم الرئيسة لتسع شركات إنترنت أميركية كبرى بشكل مباشر، وتقوم باستخلاص محادثات مسموعة ومرئية وصور فوتوغرافية ورسائل بريد إلكتروني ووثائق وسجلات اتصال تمكن المحللين من تعقب أهداف أجنبية، بحسب وثيقة على درجة عالية من السرية حصلت عليها صحيفة «واشنطن بوست».

ولم يتم الكشف عن البرنامج، الذي يحمل اسم «بريزم»، حتى الآن. وربما يكون الأول من نوعه. وتتباهى وكالة الأمن القومي بسرقة أسرار وفك شفرات، وقد اعتادت أن تكون شراكات تساعدها في تحويل مسار حركة البيانات أو تخطي الحواجز. لكن لم تكن هناك مواقع مثل «غوغل» أو «فيس بوك» على الإطلاق من قبل، ومن غير المحتمل أن تكون هناك كنوز من المعلومات القيمة أكثر ثراء من تلك الموجودة في وادي السليكون.

وتتسم الطريقة التي تستخلص بها وكالة الأمن القومي المعلومات التي تريدها بالغرابة بالمثل، بحسب الوثيقة: «جمع المعلومات بشكل مباشر من خوادم مزودي الخدمات الأميركيين: (مايكروسوفت) و(ياهو) و(غوغل) و(فيس بوك) و(بال توك) و(إيه أو إل) و(سكايب) و(يوتيوب) و(أبل)».

تم إطلاق «بريزم» من بقايا برنامج الرئيس جورج بوش الابن السري للمراقبة المحلية من دون إذن قضائي في عام 2007، عقب إجبار أخبار من وسائل إعلام إخبارية ودعاوى قانونية ومحكمة مراقبة المخابرات الأجنبية الرئيس على البحث عن سلطة جديدة.

التزم الكونغرس بقانون حماية أميركا في عام 2007 وتعديلات قانون مراقبة المخابرات الأجنبية لعام 2008، والذي حصن الشركات الخاصة التي تعاونت بشكل طوعي في عملية جمع الاستخبارات الأميركية. قام «بريزم» بتوظيف أول شركائه، شركة «مايكروسوفت»، وبدأ ست سنوات من عملية جمع بيانات متنامية بسرعة تحت سطح جدل وطني مؤرق حول المراقبة والخصوصية. وفي نهاية العام الماضي، حينما سعى معارضون في الكونغرس إلى إدخال تعديلات على قانون مراقبة المخابرات الأجنبية، كان المشرعون الوحيدون الذين علموا ببرنامج «بريزم» ملتزمين بقسم عدم الكشف عن المعلومات.

يركز البرنامج المصدق عليه من المحكمة على حركة الاتصالات الأجنبية، التي عادة ما تتدفق عبر الخوادم الأميركية، حتى عندما ترسل من موقع خارجي لآخر. وفي الفترة ما بين عامي 2004 و2007، أقنع محامو إدارة بوش قضاة محكمة مراقبة المخابرات الأجنبية بإصدار أوامر مراقبة في صيغة جديدة تماما. وحتى ذلك الوقت، تعين على الحكومة تقديم سبب محتمل لارتباط «هدف» أو «مرفق» بعينه بالإرهاب أو الجاسوسية.

وفي أربعة أوامر جديدة، ما زالت سرية، عرفت المحكمة مجموعات بيانات هائلة بأنها «مرافق» ووافقت على التأكيد بشكل دوري على أن الحكومة لديها إجراءات معقولة للتقليل من جمع بيانات «شخصيات أميركية» من دون أمر قضائي.

وفي بيان صادر في وقت متأخر من يوم الخميس، ذكر مدير الاستخبارات الوطنية، جيمس كلابر، أن «المعلومات التي تم جمعها في إطار هذا البرنامج تعتبر من بين أهم وأقيم المعلومات الاستخباراتية الأجنبية التي نجمعها، وتستخدم في حماية بلدنا من نطاق واسع من التهديدات. إن الكشف غير المصرح به عن معلومات عن هذا البرنامج المهم والقانوني في مجمله مستهجن ويهدد صور الحماية المهمة لأمن الأميركيين».

وأضاف كلابر أنه كانت هناك مغالطات كثيرة في التقارير المتعلقة ببرنامج «بريزم» من قبل صحيفتي «واشنطن بوست» و«الغارديان»، ولكنه لم يحدد أي منها.

وقال جميل جعفر، نائب المدير القانوني للاتحاد الأميركي للحريات المدنية: «سوف أكتفي بمهاجمة فكرة أن المحكمة قد وقعت عليه، إذن، ما الداعي للقلق. هذه محكمة تعقد مقابلات سرية، ولا تسمح سوى للحكومة فقط بالمثول أمامها، ولا تنشر معظم آرائها. لم تلعب مطلقا دورا فعالا في مراقبة الحكومة».

وأشارت عدة شركات اتصلت بها صحيفة «واشنطن بوست» إلى أنها ليس لديها أي معلومات عن البرنامج ولم تسمح بدخول الحكومة بشكل مباشر على خوادمها، وأكدت أنها ردت فقط على الطلبات الموجهة إليها بالحصول على معلومات.

وقال جو سوليفان، كبير مسؤولي الحماية بموقع «فيس بوك»: «نحن لا نزود أي منظمات حكومية بإمكانية دخول مباشرة على خوادم (فيس بوك)». وأضاف قائلا: «وحينما يطلب من فيس بوك بيانات أو معلومات عن أفراد بعينهم، نقوم بفصح مثل هذه الطلبات بدقة للتحقق من مدى توافقها مع كل القوانين المطبقة، ولا نوفر المعلومات إلا بالمدى الذي يلزم به القانون».

وقال ستيف داولينغ، وهو متحدث باسم شركة «أبل»: «لم نسمع قط عن برنامج (بريزم). ونحن لا نزود أي هيئة حكومية بإمكانية وصول مباشرة لخوادمنا، وأي هيئة حكومية تطلب بيانات خاصة بالعملاء ينبغي أن تحصل على إذن قضائي».

ربما يكون التعارض بين شرائح عرض برنامج «بريزم» والمتحدثين باسم الشركة نتاجا لعدم دقة من جانب كاتب تقرير وكالة الأمن القومي. في تقرير سري آخر حصلت عليه صحيفة «واشنطن بوست»، يوصف الاتفاق بأنه يسمح «لمديري جمع البيانات (بإرسال) تعليمات مهام المحتوى بشكل مباشر إلى الأجهزة المثبتة بمواقع خاضعة لسيطرة الشركة»، وليس مباشرة إلى خوادم الشركة.

وأوضح مسؤولون حكوميون والوثيقة نفسها أن وكالة الأمن القومي تعاملت مع هويات شركائها السريين بوصفها أكثر أسرار برنامج «بريزم» حساسية، خوفا من انسحاب الشركات من البرنامج في حالة الكشف عنها. 98 في المائة من إنتاج برنامج «بريزم» يعتمد على شركات «ياهو» و«غوغل» و«مايكروسوفت»؛ ونحن بحاجة للتحقق من أننا لا نلحق ضررا بتلك المصادر، هذا ما أشار إليه كاتب المذكرة.

وصف عرض داخلي لإحدى وأربعين شريحة عرض تقديمي لبرنامج «بريزم»، تعود إلى أبريل (نيسان) 2013، وموجهة لكبار المحللين في مديرية استخبارات الإشارات التابعة لوكالة الأمن القومي، الأداة الجديدة، بأنها أكبر العناصر المساهمة إنتاجا في التقرير الإخباري اليومي المقدم للرئيس، الذي أورد بيانات «بريزم» في 1477 عنصرا العام الماضي. وبحسب الشرائح والمواد المدعمة الأخرى التي حصلت عليها صحيفة «واشنطن بوست»، «تعتمد تقارير وكالة الأمن القومي بشكل متزايد على برنامج بريزم»، كمصدر أساسي لموادها الخام، الذي يدخل في تقرير واحد تقريبا بين 7 تقارير استخباراتية.

ويعتبر هذا رقما لافتا في وكالة تقيس المقدار السنوي المأخوذ من تريليونات الاتصالات. إنه أمر أكثر إثارة للدهشة نظرا لأن وكالة الأمن القومي، التي تتمثل مهمتها القانونية في الاستخبارات الأجنبية، تتعمق في آلية الشركات الأميركية التي تضم مئات الملايين من الحسابات المملوكة لأميركيين على أراض أميركية.

وتضم شركات التكنولوجيا، التي يعتبر تعاونها أساسيا في عمليات «بريزم»، معظم اللاعبين الدوليين المسيطرين في سيليكون فالي، وفقا للوثيقة. وهي مدرجة على قائمة تحمل شعاراتها بترتيب دخول البرنامج: «مايكروسوفت» و«ياهو» و«غوغل» و«فيس بوك» و«بال توك» و«إيه أو إل» و«سكايب» و«يوتيوب» و«أبل». وعلى الرغم من أن برنامج «بال توك»، أصغر حجما فإنه شهد حركة نقل معلومات استخباراتية ضخمة إبان الربيع العربي وفي خلال الحرب الأهلية السورية المستمرة.

ويشار إلى أن «دروب بوكس»، خدمة التخزين السحابي والتزامن، «سيأتي قريبا».

ولم يكن بمقدور عضوي مجلس الشيوخ رون وايدن (الديمقراطي عن ولاية أوريغون) ومارك أودال (الديمقراطي عن ولاية كلورادو)، اللذين كانت لديهما معلومات سرية عن البرنامج بوصفهما عضوين بلجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ، الحديث عنه حينما حذرا في مناقشة جرت يوم 27 ديسمبر (كانون الأول) 2012 من أن تعديلات قانون مراقبة المخابرات الأجنبية اشتملت على ما سماه كل منهما «منفذ بحثي خلفي» لمحتوى الأميركيين الأبرياء الذي تم الدخول عليه في إطار عملية بحث عن شخص آخر.

وقال أودال: «ونظرا لأنه مكتوب، فإنه ليس ثمة شيء يمنع مجتمع الاستخبارات من البحث في كم من الاتصالات، التي ربما تم جمعها بشكل عارض أو مقصود من دون أمر قضائي، للبحث بشكل متعمد عن اتصالات هاتفية أو رسائل بريد إلكتروني لأميركيين بعينهم».

وقد طالب وايدن وكالة الأمن القومي مرارا وتكرارا بتقييم عدد الأميركيين الذين تم جمع معلومات عن اتصالاتهم بشكل عارض غير مقصود، وأكد مدير الوكالة، الليفتنانت جنرال كيث ألكسندر، أنه لم تكن هناك وسيلة للاكتشاف. في نهاية المطاف، كتب المفتش العام، تشارلز ماكولوغ الثالث، لوايدن خطابا يشير فيه إلى أن محاولة تقدير عددها قد يمثل انتهاكا لخصوصية الأميركيين في بنوك البيانات التابعة لوكالة الأمن القومي.

وردا على هذه المعلومات قالت شركات كبرى للإنترنت من بينها «أبل» و«غوغل» و«فيس بوك» إنها لا تتيح وصولا مباشرا إلى خوادمها لأي وكالة حكومية نافية ما ورد في تقرير لصحيفة «واشنطن بوست».

وردا على طلب للتعقيب قالت كريستين كوراتي المتحدثة باسم «واشنطن بوست» نحن نتمسك بما ورد في تقريرنا. وثيقة وكالة الأمن القومي الأميركي تقول ما ذكره تقريرنا وفقا لما ذكرته «رويترز».

وقالت «غوغل» أكبر محرك للبحث على الإنترنت - إنه على الرغم من تقارير سابقة عن أنها أقامت بابا خلفيا للحكومة فإنها لم تتح قط أي وصول إلى بيانات المستخدم.

وقالت «مايكروسوفت» إنها لا تشارك بشكل طوعي في أي جمع حكومي للبيانات وتتقيد فقط بأوامر لطلبات بشأن حسابات أو بيانات هوية محددة.

وقال جو سوليفان كبير مسؤولي الأمن في «فيس بوك» في بيان نحن لا نقدم لأي مؤسسة حكومية إمكانية الوصول المباشر إلى خوادم «فيس بوك».

وأضاف قائلا عندما يطلب من «فيس بوك» بيانات أو معلومات عن أشخاص بعينهم فإننا نفحص بعناية مثل هذا الطلب من أجل التقيد بجميع القوانين المعمول بها وتقديم المعلومات فقط إلى الحد الذي يتطلبه القانون.

وقالت متحدثة باسم «ياهو» إن الشركة لا تقدم للحكومة وصولا مباشرا إلى خوادمها أو أنظمتها أو شبكتها.

وقال ستيف داولنغ المتحدث باسم «أبل» لم نسمع قط عن برنامج «بريزم» نحن لا نقدم لأي وكالة حكومية إمكانية الوصول المباشر لخدمتنا وأي وكالة حكومية تطلب بيانات العملاء يجب أن تحصل على أمر من المحكمة.

برنامج «بريزم» ما هو إلا امتداد بوجه ما لتاريخ تحالفات الاستخبارات مع 100 شركة أميركية موثوق فيها منذ السبعينات. وتصفها وكالة الأمن القومي بعمليات مصدر خاصة يمكن تصنيف برنامج «بريزم» ضمنها. وتسير عملية «وادي السليكون» بالتوازي مع برنامج باسم «بلارني» المخصص لجمع «بيانات عن البيانات» وهي معلومات تقنية عن حركة الاتصالات ووسائل الشبكات وهي تمر عبر نقاط الاختناق في العمود الفقاري للإنترنت. ويوضح ملخص برنامج «بلارني» السري للغاية أنه برنامج تجميع مستمر يمنح الأجهزة الاستخباراتية امتياز وشراكات تجارية من أجل الاطلاع على واستغلال معلومات استخباراتية أجنبية تم الحصول عليها من شبكات عالمية. ومع ذلك يبدو برنامج «بريزم» أشبه بأوامر المراقبة التي تتم من دون تصريح والتي كان بوش يصدرها عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001. ويوضح تاريخ تلك العمليات، التي أشرف خلالها أوباما على النمو المتسارع لبرنامج انتقده خلال حملة ترشحه، مدى انحراف قانون المراقبة وتطبيقه عن الشك في أفراد باتجاه عمليات جمع المعلومات المنهجية واسعة النطاق. وتشير إدارة أوباما إلى استمرار إجراءات احترازية في شكل «إجراءات موسعة تحظى بموافقة المحكمة لضمان استهداف غير الأميركيين خارج الولايات المتحدة فقط وتحد من الحصول على المعلومات الخاصة بأشخاص أميركيين والاحتفاظ بها وانتشارها». مع ذلك لا يعد برنامج «بريزم» شبكة صيد بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث تستطيع وكالة الأمن القومي من الحصول على كل المعلومات التي تريدها من أي سيل بيانات بأي شركة، لكن لا تحاول الوكالة جمعها بموجب القوانين الحالية. ويدخل محللون، يستخدمون النظام من بوابة إلكترونية في فورت ميد، «وحدات اختيار» أو كلمات بحثية مصممة لتظهر نتائج خاصة بـ«أجنبية» الهدف نسبة صحتها 51 في المائة على الأقل. ولا يعد هذا اختبارا صعبا. وتوصي مواد التدريب، التي حصلت عليها صحيفة «واشنطن بوست»، المحللون الجدد بعمل تقارير ربع سنوية عن أي تجميع غير مدروس وغير متعمد لمحتوى خاص بمواطن أميركي، لكنها تؤكد عدم وجود ما يثير القلق من ذلك. وحتى عندما يعمل النظام كما هو مخطط، أي لا يستهدف أي أميركي، تجمع وكالة الأمن القومي بشكل روتيني عددا كبيرا من المعلومات عن الأميركيين. يتم وصف هذا بـ«غير المتعمد» وهو جزء أصيل من الوسائل التي يتم استخدامها في هذا المجال. ويعني جمع معلومات خاصة بشخص يشتبه في أنه جاسوس أو إرهابي أجنبي الاطلاع على جميع من يتصل بهم على الإنترنت. ويتم تدريب محللي المعلومات الاستخباراتية على تعقب من يتصل بهم المشتبه به وهو ما يسرع من وتيرة جمع المعلومات التي يتم الحصول عليها مصادفة. وتتوافق الحسابات الرياضية نفسها مع القول المأثور في مسرحية لجون غوار وهو أنه «لا يمكن الانفصال عن الآخر بأكثر من ست درجات».

* خدمة واشنطن بوست خاص بـ«الشرق الأوسط»