ميانمار تنجح في استضافة أول مؤتمر دولي بعد انعزال خمسة عقود

أنغ سان سو تشي تخطف الأضواء من تين سين وتتمسك بـ«بورما».. وسط تساؤلات حول الإصلاح

لقطة جماعية لزعيمة المعارضة في ميانمار سو تشي (الثالثة من اليمين) وبعض الحاضرين للمنتدى الاقتصادي (أ. ف. ب)
TT

منذ بدء الانفتاح التاريخي الذي أطلقه قادة ميانمار عام 2011 والأسئلة والشكوك تحوم حول مصداقية الرئيس تين سين وإمكانية تحقيق الإصلاح وحماية حقوق الإنسان في البلاد. وهذا الأسبوع، سعت ميانمار إلى إثبات قدراتها للمجتمع الدولي باستضافتها لمؤتمر دولي لأول مرة بعد عقود من الانعزال تحت حكم العسكر وبسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها والتي بدأت ترفع خلال السنتين الأخيرتين تمشيا مع عملية الإصلاح التي بدأتها الحكومة وأبرزها إطلاق أنغ سان سو تشي بعد الإقامة الجبرية نهاية عام 2010. وكانت سو تشي محورا أساسيا في الجلسة الـ22 لإقليم شرق آسيا لمنتدى الاقتصاد العالمي، حيث أصرت على استخدام اسم «بورما» لوصف بلادها في تحديها المعروف للتسمية الرسمية التي فرضها العسكر على البلاد عام 1989، وأصبح الاسم الرسمي لها.

وتحت شعار «التحول الشجاع من أجل الشمولية والاندماج» انطلق المنتدى رسميا أول من أمس، وانتهت أعمال المنتدى مساء أمس في أول تجربة لميانمار في استضافة حدث دولي على هذا الصعيد وبتنوع لافت في النقاشات حول مستقبل مينمار ودورها في شرق آسيا. وبينما كانت الخطابات الحكومية تركز على عملية الإصلاح السياسية والاقتصادية تبقى قضية معاملة الأقليات تحديا كبيرا، إذ إنها تشكل أربعين في المائة من سكان ميانمار الذين يفوق عددهم الـ60 مليونا وخصوصا المسلمين في ولاية راكين، حيث تعرضوا لعدد من الهجمات. وشدد ممثلو الحكومة على أن السلطات لا تدعم أقلية المتطرفين من البوذيين المسؤولين عن تلك الهجمات خلال جلسات المنتدى، ولكن لم تكن قضية الروهينغيا ضمن نقاشات الجلسات المفتوحة للمنتدى حيث اقتصر الحديث على أهمية «إشراك الجميع» في مستقبل البلاد.

وكان هناك قطبان في المنتدى، قطب أنغ سان سو تشي وأعضاء حزبها «الرابطة الوطنية للديمقراطية» الذين طالبوا بالحذر من الإسراع في احتضان الحكومة الحالية وضرورة مواصلة المطالبة بالإصلاح، والقطب الثاني للرئيس ثين سين وأعضاء حكومته الذين ركزوا على الاستثمارات الأجنبية والمطالبة برفع العقوبات الاقتصادية على البلاد.

وعلى الرغم من مشاركة أنغ سان سو تشي وثين سين في جلسات عدة إلا أنهما لم يجلسان على منصة مشتركة وكان برنامجهما منفصلا خلال المنتدى. ولكن سعت أنغ سان سو تسي إلى التأكيد على العمل مع العسكر بدلا من مواجهتهم، مؤكدة في إحدى الجلسات: «أنا إنسانة سلمية وأؤمن بالطرق السلمية». وقالت: «علينا أن نأخذ الأمور خطوة في خطوة.. نعمل على بناء بلدنا ليكون مثل ما نريده»، مؤكدة على ضرورة العمل مع العسكر على أنهم مواطنون أيضا، قائلة: «لو كان جيشنا مهنيا ويحبه الشعب سيكون العسكر نفسهم أسعد بكثير.. إنني واثقة أن هناك أشخاصا لديهم وعي كاف في المؤسسة العسكرية للمضي قدما ولدي كثير من الثقة في الجيش». وفي الجلسة الختامية للمنتدى مساء أمس، أكد ثين سين على التزامه بالإصلاح، قائلا: «شعبنا يحتاج إلى الإصلاحات ويريدها ولذلك نتمسك بها.. ونعزم على إنهاء النزاعات التي عصفت بالبلاد خلال ستين عاما.. نريد الانتقال من الحكم العسكري إلى الحكم المدني». وأضاف: «هناك عراقيل وتحديات أمامنا.. وعلينا أن نقوم بالإصلاح السياسي والاقتصادي سويا». وتحدث عن تحديات ومخاطر عملية التفاوض مع المجموعات المسلحة في البلاد، مؤكدا أن «وقف إطلاق النار يمكن أن يضمن السلام في البلاد ويتماشى مع مطالب الشعب». وكرر ثين ضرورة التنمية الاقتصادية بعد «معاناة من جراء العقوبات الاقتصادية التي ضربت اقتصادنا». وشارك نحو 900 قيادي من عالم السياسة والمال والأعمال خاصة من آسيا في المنتدى العالمي الاقتصادي ولكن كانت نجمة الاجتماع أنغ سان سو تشي، حيث كانت جميع الجلسات التي شاركت فيها مكتظة بمشاركين من حوالي 55 دولة لمعرفة المزيد عن البلد الذي كان - حتى هذا الأسبوع - من أكثر البلاد انغلاقا ومحيرا في توجهه. وقالت أنغ شان شو تشي إن «العالم يتحقق مما يحدث عنها ولكن لم يبدأ الاستثمار» موضحة أن «سيادة قانون والبنى التحتية ضرورية» لبدء الاستثمار الذي تعول حكومة تين سين عليها لتنمية بلد يعيش 26 في المائة من أبنائها دون خط الفقر.

وحصلت ميانمار على عدد من الاتفاقات على هامش المؤتمر منها اتفاق بقيمة 500 مليون دولار لضمان الديون من اليابان بالإضافة إلى تعهدات من دول عدة وشركات بالتواصل مع مينمار.

وتعتبر الحكومة أن استضافة المنتدى أشبه بتجربة استعدادا لاستضافة عدد من المؤتمرات الدولية. واعتبر ثين سين أن استضافة المؤتمر «يظهر عودتنا إلى مكاننا في المجتمع الدولي». وتستعد ناي بي تاو لاستضافة ألعاب آسيا في نهاية العام واستضافة قمة «آسيان»، حيث ستترأس المجموعة الآسيوية للمرة الأولى عام 2014. وتأتي هذه التطورات ضمن جهود ميانمارإلى الانفتاح على المنطقة وعدم الاتكال الكلي كالسابق على حليفها الصين. ولكن بالإضافة إلى التحديات السياسية أمام مينمار هناك أيضا التحديات اللوجيستية في عقد مثل هذه المؤتمرات، منها انقطاع الكهرباء المتواصل وعدم وجود السيارات والحافلات المطلوبة لنقل المشاركين، مما اضطر المنظمين لجلب السيارات من العاصمة الاقتصادية يانغون.