أوغلي لـ «الشرق الأوسط»: لمست المرارة التي يشعر بها الروس تجاه ما حدث في ليبيا

أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يشير إلى أن المرحلة الانتقالية في سوريا تتطلب التعامل مع السلطة المركزية في دمشق

أكمل الدين إحسان أوغلي
TT

البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يعرف موسكو وتعرفه منذ أواخر سبعينات القرن الماضي، وإن لم تتعامل معه رسميا إلا مع بدء ولايته كرئيس لمنظمة المؤتمر الإسلامي عام 2005. زيارة البروفيسور أوغلي الأخيرة إلى موسكو كانت للتشاور مع أبرز قياداتها السياسية والاجتماعية والدينية ما كان مدخلا لهذا الحوار الذي استطلعت «الشرق الأوسط» فيه أبرز القضايا التي تطرقت إليها مباحثاته مع وزير الخارجية سيرغي لافروف والتي قال إنها تركزت في معظمها، حول الأزمة وآفاق التوصل إلى حلول سلمية بعيدا عن العنف والتدخل العسكري الخارجي إلى جانب عدد من القضايا الأخرى التي أشار إليها بقوله:

- هذه الزيارة هي الثالثة لنا إلى موسكو وتأتي في إطار المشاورات مع روسيا الاتحادية منذ انضمامها إلى منظمة التعاون الإسلامي. المباحثات وبطبيعة الحال لم تقتصر على الأزمة السورية وتناولت تنشيط التعاون في مختلف المجالات ومنها العلوم والتكنولوجيا إلى جانب التعاون التجاري والاقتصادي. لكن الحديث تركز طبعا وفي معظمه حول الأزمة السورية وخاصة جنيف - 2. وأنا أعود لأكرر ما سبق وأعلنته منذ الخريف الماضي حول أننا في حاجة إلى «جنيف - 2»، وهو ما قلته في أول لقاء جمعني مع السيد الأخضر الإبراهيمي. وقد كررت هذا الرأي في حديثي مع السيد لافروف في موسكو مؤكدا على أهمية أن تنتهي ليس فقط بمجرد بيان دبلوماسي، وباتفاق على مشروع قرار في مجلس الأمن كي نضمن أن تكون عملية السلام التي تبدأ بعد جنيف.. أي ضرورة التقدم بمشروع قرار يرفع إلى مجلس الأمن لضمان النص على التوقيتات والأطر الزمنية وآليات التنفيذ. المشتركات مع الموقف الروسي كثيرة. الروس ونحن معهم يرون ضرورة وقف الحرب. وهم يرون أيضا عدم تغيير نظام الحكم بالقوة احتراما لمبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية. وقد لمست مدى المرارة التي يشعر بها الروس تجاه ما حدث في ليبيا ولذا فإن التحفظات التي يطرحونها تعود إلى عدم قبول مبدأ التدخل العسكري الخارجي. هناك أيضا اتفاق حول أهمية مشاركة منظمة التعاون الإسلامي طرفا في المداولات التي تستهدف الخروج من المأزق الراهن.

* وماذا عن مستقبل الرئيس بشار الأسد وإصرار الجانب الروسي على مشاركة إيران؟

- الموقف الروسي وكما فهمناه أنهم يريدون مشاركة كل دول الجوار وإيران والسعودية وقطر ومصر وهذا الرأي له وجاهته لأنه لا يمكن تناول أي مشكلة من مشكلات منطقة الشرق الأوسط دون دعوة الدول الكبيرة المؤثرة في المنطقة. كما أن الاقتراح الذي تقدمت به مصر خلال قمة القاهرة كان يتضمن الإشارة إلى هذه الدول. ويمكن النظر فيه. أما عن مستقبل بشار فإن المرحلة الانتقالية تتطلب التعامل مع السلطة المركزية في دمشق وقد نص البيان الصادر عن «جنيف - 1» (في 30 يونيو/حزيران 2012) على فترة انتقالية اعتقادي أنها تتطلب تمثيل النظام الحالي كجزء من خريطة حل المشكلة بوصفه الجهة المسؤولة، ويجب أن ننظر عمليا إلى المسائل بما يسمح بالعثور على المفاتيح الخاصة بحل المشكلة ما دام لا أحد يملك القوة لتغيير الواقع فلا بد من التعامل مع الأوضاع الراهنة من أجل الحيلولة دون المزيد من إراقة الدماء ونزوح اللاجئين بأعداد كبيرة وتقديم المعونات الإنسانية في إطار مرحلة انتقالية كما نص بيان جنيف.

* ثمة من يقول بوجود محاولات لإضفاء الطابع الإثني الديني على النزاع القائم في سوريا.. كيف ترون الأوضاع في سوريا على ضوء ما يقال بهذا الشأن؟

- هذا غير صحيح لأن المشكلة حين بدأت لم تكن تتسم بأي طابع ديني أو إثني. وإلى وقت قريب كانت الأطراف المتنازعة ولا تزال تضم مختلف الأطياف وما حدث في القصير يدعو إلى الحزن والألم الشديد. ويجب التصدي لمثل هذه التوجهات ولمحاولات إضفاء الطابع الديني والإثني على مشكلات المنطقة لأنها تحمل في طياتها بذور شرور تهدد كل المنطقة. ونحن في تاريخنا لم نعرف مثل هذه الحروب. وسوريا طالما كانت نموذجا للتعايش بين مختلف الكتل والطوائف والأعراق التي تعايشت في أمن وأمان. ويجب أن نبعد شبح الفرقة الطائفية الذي ثمة من يحاول أن يهدد به استقرار المنطقة.

* ماذا عن الموقف من تدخلات حزب الله في سوريا؟

- لقد أصدرنا بيانا في هذا الشأن.

* هل لنا أن نستعرض ما تناوله هذا البيان؟

- بعد ما حدث في القصير قلنا بضرورة الابتعاد عن أعمال الانتقام والالتزام باحترام المدنيين والسماح بمرور المعونات الإنسانية والطبية. نحن نريد الابتعاد عن الطائفية لأنها نار سوف تلتهم أصحابها قبل الآخرين.

* ما مدى احتمالات أن تكون الأحداث الجارية في تركيا مقدمة لمشهد جديد من مشاهد «الربيع العربي»؟

- لا... لا.. لا مجال للمقارنة. في تركيا حكم ديمقراطي مستقر. هناك انتخابات تجري بصورة شفافة ونزيهة. التقاليد الانتخابية في تركيا مستقرة منذ عام 1950. تركيا حققت إنجازات اقتصادية اجتماعية كبيرة. نسبة البطالة تقل. نسبة النمو في تزايد. الإنتاج يتزايد. دخل الفرد في تزايد حتى عشرة آلاف دولار. ما حدث جرى تضخيمه. ومع ذلك فقد استوعب المسؤولون الدروس المستفادة.

* زرتم روسيا كثيرا واطلعتم على أحوال مسلميها.. كيف ترون هذه الأوضاع في ظل ما تشهده الساحة الداخلية هنا من مشاهد تطرف وانزلاق نحو العنف؟

- دعني أقل إن أوضاع المسلمين في هذا البلد تحسنت كثيرا. أذكر أن أول زيارة قمت بها إلى الاتحاد السوفياتي كانت في عام 1979 في عهد ليونيد بريجنيف أي أيام الحكم الشيوعي الشمولي.. أيام عدم الاعتراف بالدين وعدم السماح للمتدينين بممارسة شعائرهم الدينية.. أعتقد أن الفرق شاسع بين ما كان وما هو الحال عليه اليوم.. أقول أيضا إنه الآن وبعد انضمام روسيا إلى منظمة التعاون الإسلامي كمراقب تصبح للمسلمين في روسيا وضعية مختلفة ونلاحظ أن الرئيس بوتين يهتم بقضايا المسلمين. أما عن التطرف وما يحدث من مشاهد عنف فأقول إنني لست متابعا لتفاصيل كل ما يحدث هنا في هذا الصدد، ومع ذلك أقول إن التطرف يتزايد في الكثير من أرجاء العالم الإسلامي واستخدام العنف في تزايد وهو ما بات يشكل ظاهرة ولا سيما في المجتمعات التي تعاني من ضعف النمو الاقتصادي وتتزايد فيها المشكلات الاجتماعية وتقل فيها الحريات السياسية.. وأعود لأقول إنني لست مطلعا على تفاصيل الأوضاع الداخلية هنا.

* في كتابكم «العالم الإسلامي وتحديات القرن» تناولتم مسألة محاولات الخلط بين الدين والسياسة، وضرورة فهم كيفية التوازن بينهما؟

- نعم العلاقة بين الدين والسياسة مسألة حساسة.. وتزداد حساسية في مثل هذه الأيام. الدين له مكانة خاصة في مجتمعاتنا وتختلف عن مكانته في الغرب. لذلك فالعلاقة بين الدين والدولة، والدين والسياسة عندنا لها أبعادها وظلالها على نحو مغاير في الغرب. ويجب عدم تناول هذه القضية في إطار المعايير الغربية بل من منظور التجربة الإنسانية الكبيرة. رأيي المتواضع هو أن العلاقة بين الأبعاد السياسية والبعد الديني لا بد أن تكون علاقة احترام متبادل. الدين له قيمه وأحكامه الثابتة في الوقت الذي تظل فيه السياسة هي المتغير. عالمان مختلفان.. عالم أبدي سرمدي وعالم دنيوي إنساني متغير.. لكن في كل النشاط البشري نحن كمسلمين نستلهم قيم الإسلام السمحة الرفيعة التي تمثل أسس تنظيم الحياة البشرية بما فيها العدالة والإحسان والفضيلة.. نحن عرفنا في فترات معينة من التاريخ المعاصر أن الدولة كانت تتحكم في مؤسسات دينية وهو ما كان خطأ ويجب الآن ألا نكرر هذه الأخطاء ويجب أن تكون العلاقة بين المكون السياسي والمكون الديني علاقة احترام متبادل وعدم التدخل في شؤون الآخر.