رحلة علاج بوتفليقة الطويلة بفرنسا تعطل شؤون الجزائر

رئيس الوزراء وشقيق الرئيس يتبادلان الأدوار في محاولة لسد الفراغ

TT

تثير طول مدة علاج الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بفرنسا (منذ 42 يوما)، جدلا حول الجهة التي تسير فيها الدولة في غيابه. فمن المعروف أن كل السلطات والصلاحيات مركزة بين يدي الرئيس، وإذا توقف نشاطه لأي سبب من الأسباب، تصاب كل مؤسسات الدولة بشلل، وهو حال البلاد حاليا.

ومن المعروف أيضا، لدى المطلعين على سرايا النظام وخباياه في الجزائر، أن بوتفليقة حرص منذ توليه الحكم عام 1999 على استعادة سلطات استحوذ عليها الجيش، خلال فترة الصراع مع الجماعات الإسلامية المتطرفة (تسعينات القرن الماضي). وقد أعلن عن ذلك في أول ظهور إعلامي عندما قال: «لن أكون ثلاثة أرباع رئيس جمهورية». وخلال ممارسة الحكم، بسط سلطته كوزير دفاع وقائد أعلى للقوات المسلحة، مقلصا بذلك نفوذ قادة كبار في الجيش وذراعه الاستخباراتية. وفي كثير من الأحيان وقع الصدام مع هؤلاء، نقلته الصحف كثيرا من المرات، بسبب ما كان يعتبره قادة في الجيش «مجالات تدخل ضمن صميم صلاحياتهم»، كاختيار الوزراء الذين يمسكون بقطاعات السيادة، مثل الداخلية والخارجية والطاقة والمالية، وحتى المسؤولين في الشركات الكبيرة المملوكة للدولة، مثل شركة المحروقات (سوناطراك)».

وانقسمت مؤسسة الجيش والمخابرات في انتخابات الرئاسة 2004، إلى فريقين؛ أحدهما دعم ترشح بوتفليقة لولاية ثانية بقيادة مدير «دائرة الاستعلام والأمن» (المخابرات العسكرية) بوزارة الدفاع الفريق محمد مدين الشهير بـ«توفيق»، الذي لا يظهر أبدا في العلن. والفريق الثاني دعم ترشح رئيس حكومة بوتفليقة سابقا وأمين عام حزب الأغلبية علي بن فليس. وقاد هذه المجموعة رئيس أركان الجيش الفريق محمد العماري، الذي استقال عندما فاز بوتفليقة في الانتخابات. ومنذ ذلك الحين، تم تسيير شؤون الدولة وفق منطقة «التسوية» بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة الأمنية التي تمثل القوة النافذة في الجيش. وقال وزير سابق، طلب عدم نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن المؤسستين «توصلتا إلى اتفاق غير معلن بأن تدير كل واحدة شؤون المجالات التي تدخل ضمن اختصاصها. فالقضايا ذات الطابع السياسي والمدني كتشكيل الحكومة وتسيير الاقتصاد، هي من شؤون الرئيس وحده. أما مسائل الدفاع والأمن والتعيينات فيها، تعود إلى قائد جهاز الأمن. وتعايش الطرفان في تناغم طيلة 10 سنوات تقريبا».

ويذكر مقربون من رئيس الجمهورية أنه تمكن خلال ولايته الثانية (2004 - 2009) من فرض شقيقه الأصغر سعيد بوتفليقة لاعبا جديدا في منظومة الحكم. ففي ظرف قصير، صار النقابي المغمور في «جامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين» المشهورة، وأستاذ الإعلام الآلي بها، مسؤولا نافذا في الرئاسة وله امتداد في مؤسسات كثيرة تتبع لها. وأنشأ شبكة واسعة من رجال الأعمال، كانوا سندا قويا للرئيس في حملات الترشح للولايتين الثانية والثالثة. ودرج الرئيس بوتفليقة على إجراء فحوصات طبية في أوروبا. بشكل لافت خلال ولايته الثالثة (2009 - 2014)، بسبب المرض. فهو لا يظهر إلا في المناسبات الوطنية كعيد الاستقلال وثورة التحرير، ويكون ذلك بواسطة خطاب. وعندما يكون غائبا، فإن القرارات المستعجلة تصدر عن شقيقه الذي هو في الوقت نفسه كبير مستشاريه. غير أن قضايا كثيرة تبقى معطلة لأن الفصل فيها يتوقف على الرئيس وحده، مما أثر على سير الدولة في غيابه.

ويحرص السعيد بوتفليقة على أن يبقى في الظل، بينما يتولى رئيس الوزراء التصريحات والقيام بزيارات ميدانية والتعاطي مع الشأن العام، حتى لا يكون هناك انطباع بأن منصب الرئيس في حالة شغور. وهو تبادل للأدوار يؤديه رئيس الوزراء عبد المالك سلال، والسعيد بوتفليقة، منذ نقل رئيس الجمهورية إلى فرنسا للعلاج بسبب إصابته بنوبة في الدماغ، قيل حينها إنها «عابرة ولم تترك عليه أثرا سلبيا».