«الحر» يترك الجبهات ويسعى للقضاء على «اللص الثوري» في حلب

بعد تكرار ظاهرة سرقة المعامل بذريعة الحاجة للمال لشراء السلاح

مقاتلون يأخذون قسطا من الراحة في أحد المباني في حلب (أ.ف.ب)
TT

انشغلت كتائب المعارضة السورية المسلحة في حلب، الساعية لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، في الأسابيع القليلة الماضية بملاحقة مسلحين انضموا إلى صفوف الجيش السوري الحر، وتبين لاحقا ضلوعهم في عمليات سرقة لمعامل ومصانع.

وكان الاستيلاء على مخزون حلب من القمح قبل أشهر الشعرة التي قسمت ظهر البعير، إذ تحول «الامتعاض الشعبي» الهامس في الأذن بضرورة محاسبة «راكبي موجة الثورة» إلى صوت جهور يكاد لا يسمع سواه أينما جلست في بلدات الريف الشمالي كعندان وكفر حمرا وحريتان. حتى أن أخوين تعاركا في إحدى الجلسات، إذ طلب أخ من أخيه أن ينسحب من فصيل معين لأن سمته باتت مشوهة، قائلا «اترك لواء التشويل (السرقة باللهجة الحلبية) وانضم إليها في لواء التوحد، إلا سأبلغ الهيئة الشرعية عنك ليقوموا باعتقالك». لكن الأخ المتهم رفض اتهامات أخيه وانتهت الجلسة بمشاجرة وصراخ اضطررنا بسببها لترك الجلسة.

ويستطيع السائر في الأزقة الضيقة التي تتميز بها أحياء حلب أن يلحظ أن الشعارات المكتوبة على الجدران لم تعد تقتصر على المطالبة بإسقاط نظام الأسد، بل أصبح سهامها تتوجه أيضا إلى ظاهرة السرقة، وحتى المظاهرات باتت تخرج للتنديد بالأسد وباللصوص المندسين بين صفوف الثوار، وتطلق شعارات من باب (يا للعار، يا للعار، الشبيحة صاروا ثوار.. يا للعار، يا للعار، الحرامية صاروا ثوار).

وضمن هذا المشهد المتراخي أمنيا لا يجد السكان بدا إلا الاستعانة بجبهة النصرة، التي تقدم نفسها على أنها المخلص للأهالي من اللصوص الانتهازيين الذين ركبوا موجة الثورة، ما أسهم بالفعل في رفع شعبيتها إذ كان الكثير من المتظاهرين يهتفون باسمها ويرفعون راياتها «نكاية» بالفصائل الأخرى التي يتهمون بعضا من عناصرها بالانحراف وعدم الانضباط.

هذا المشهد «الأمني المتراخي» دفع كبرى الفصائل المقاتلة، كلواء التوحيد وأحرار الشام وصقور الإسلام وفجر الإسلام وجبهة النصرة (التي أعلنت انسحابها مؤخرا)، لانتداب ممثلين عنهم وتشكيل ما يعرف باسم «الهيئة الشرعية في حلب» والتي تنحصر مهمتها بتدقيق الشكاوى المقدمة بحق عناصر الجيش الحر وإجراء التدابير الكفيلة بمعاقبة المذنبين ولجم أطماع أصحاب النفوس الضعيفة الذين يستغلون حالة «الفوضى». وبعدما هدأت النفوس وعادت الأمور إلى الانضباط، عادت الأمور نحو التوتر مع سيطرة الجيش الحر على أحياء فيها معامل ومصانع كالشيخ مقصود وبني زيد، إذ قامت مجموعات «تنتمي» للجيش الحر بنقل تلك المصانع وبيع محتوياتها، متعذرين بحاجتهم للمال لشراء السلاح.

يقول الشيخ أبو أحمد في اجتماعات ضمت قيادات من الريف الشمالي قبل أيام: «إن لم نسيطر على هؤلاء اللصوص الآن فسينهبون البلد»، مضيفا للحاضرين، «أعطوني فقط ورقة من الهيئة الشرعية وامنحوني تخويلا للقضاء على هذه العصابات التي شوهت اسم الجيش الحر». من جانبه، يقول أحمد الزعيم، أحد وجهاء عندان، إن حالة من الترهل أوشكت أن تصيب كثيرا من الفصائل بسبب النزاعات الداخلية وهدوء الجبهات لأشهر عدة، مضيفا: «لقد تركوا الثورة (بعض فصائل الجيش الحر) وانصرفوا لجمع المال. كان الكثير منهم شبيحة ولصوص، والآن انضموا إلى الثورة للاستفادة منها فقط. هؤلاء ليسوا ثوارا. إنهم انتهازيون يريدون تدمير الثورة من الداخل».

وعلى الرغم من حداثة تشكليها، إلا أن الهيئة باتت تحظى بقدر كبير من المصداقية بين السكان في حلب، فقد استطاعت في فترة وجيزة القضاء على حالة الفوضى، كما أنها ساهمت في توطيد الأمن بإنشاء جهاز للشرطة العسكرية يقدم إليه عشرات الشكاوي من المواطنين يوميا؛ بعضها بحق عناصر من الجيش الحر يتهمون بالسرقة والاعتداء وسلب الأموال العامة بالقوة، وبعضها بحق لصوص مدنيين، مما يعزز ثقة السكان في سلطة الثوار بعد إقصاء النظام.

ولعل أبرز المواجهات التي وقعت في إطار ملاحقة المسلحين غير المنضبطين كانت في المدينة الصناعية بحلب، عندما استخدم لواء التوحيد مدرعات لاقتحام مواقع يتحصن بها مقاتلون من كتيبة «غرباء الشام» متهمين إياهم بسرقة عدد من المصانع والمعامل في مدينة الشيخ نجار الصناعية بعاصمة البلاد الاقتصادية. حادثة ثانية تدل على مدى «جدية» الهيئة الشرعية في ضبط الأمور في حلب هو إعدام محمد المجدمي، قائد فصيل يسمى بـ«جيش محمد الموحد»، «الذي كان يقاتل الجيش النظامي في جبهة العامرية في حلب، ومساعده المدعو أبو طالب».

كانت الحادثة هي الأولى من نوعها، ووفقا لأبو محمد سلامة فإن المجدمي «كان متهما بالقتل وسرقة الممتلكات العامة والخاصة وملفه مليء بشكاوي من عشرات المتضررين من أهالي حلب، فضلا عن اتهامه بالتواصل مع نظام الأسد»، ويضيف سلامة أنه، وعلى الرغم من إنكار المجدمي للتهم الموجه إليه، إلا أن التهم أثبتت على محمد المجدمي، خصوصا تهمة تورطه في اغتيال أبو وسام، القائد العسكري في لواء التوحيد.