خلافات داخل البرلمان بشأن القيادات الأمنية بعد مواجهات بنغازي

مصرع 31 في مواجهات بنغازي ورئيس الأركان يتقدم باستقالته

ليبي يحمل مسدسا في مواجهات بنغازي بين متظاهرين محتجين على وجود الميليشيات وعناصر تابعة لقوة «درع ليبيا1» أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

قالت مصادر في المؤتمر الوطني العام (البرلمان) المؤقت في ليبيا أمس، إن السلطات قررت للمرة الأولى إخضاع الميليشيات المسلحة التي كانت تقاتل قوات العقيد الراحل معمر القذافي، لسلطة الدولة «ولو بالقوة»، وذلك بعد مصرع 31 في مواجهات في بنغازي بين متظاهرين محتجين على وجود الميليشيات، وعناصر تابعة لقوة «درع ليبيا1» التي تتبع وزارة الدفاع بشكل غير مباشر، مشيرة إلى أن رئيس أركان الجيش الليبي، يوسف المنقوش، تقدم باستقالته للبرلمان أمس.

ووسط خلافات داخل البرلمان الليبي أمس بشأن إجراء تغييرات في وزارة الدفاع ورئاسة الأركان، أعلن رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، الدكتور علي زيدان، فتح تحقيق في الاشتباكات التي وقعت في منطقة «الكويفية» بمدينة بنغازي (شرق ليبيا)، واستمرت ساعات، يوم أول من أمس، وخلفت نحو 31 قتيلا، بينهم 5 من قوات الجيش، و58 مصابا، على الأقل، حتى يوم أمس (الأحد).

وشدد زيدان على ضرورة إيجاد حل لمشكلة انتشار السلاح في البلاد منعا لتكرار مثل هذه الحوادث. وقال الناطق باسم رئاسة أركان الجيش الليبي، العقيد علي الشيخي، إن رئاسة الأركان تعرب عن أسفها لوقوع هذه الاشتباكات، وتتابع الموقف عن كثب. وبينما شيع أهالي بنغازي أمس ضحايا الاشتباكات، أصدرت رئاسة أركان الجيش الليبي قرارا يأمر بتسلم وتوزيع جميع مقرات «درع ليبيا» على وزارة الدفاع.

ومنذ صباح أمس استمر البرلمان حتى وقت متأخر في مناقشة ما ينبغي اتخاذه من إجراءات، حيث لوح عدد من النواب بمطالب تشمل إقالة قيادات في الجيش والداخلية، بينهم رئيس الأركان المنقوش الذي بادر في وقت لاحق من يوم أمس بتقديم استقالته.

واندلعت الاشتباكات العنيفة بين عشرات المتظاهرين وعناصر إحدى المجموعات المسلحة التابعة للحكومة المؤقتة، في مدينة بنغازي الساحلية. وقال الناطق الرسمي باسم الغرفة الأمنية المشتركة بمدينة بنغازي، العقيد عبد الله الشعافي، إن حشدا من المتظاهرين تجمعوا ظهر يوم أول من أمس (السبت) أمام مقر «كتيبة درع ليبيا1» للمطالبة بحل الكتيبة، وإخلاء المقر، وتسليم أسلحتها، مشيرا إلى أن الغرفة الأمنية المشتركة ببنغازي ما زالت تبذل جهودا كبيرة لتهدئة الموقف وفض الاشتباكات، بالتنسيق مع حكماء ووجهاء وأعيان المدينة.

وعاد الهدوء إلى المدينة أمس بعد انتشار كثيف لقوات الشرطة والجيش، رغم أن الحكومة الليبية تواجه صعوبات في تشكيل جيش وشرطة محترفين وتعتمد في حفظ الأمن غالبا على الميليشيات المتبقية من أيام الحرب ضد قوات القذافي في عام 2011. ومن المهام الموكلة إليها أيضا تأمين حدود البلاد وتأمين المنشآت النفطية.

وتسعى الحكومة الليبية إلى تنظيم وجود الميليشيات، خاصة بعد وقوع الكثير من المواجهات، من بينها احتلال مقار وزارات في الدولة. وترفض مثل هذه التشكيلات التخلي عن أسلحتها.

وذكر شهود عيان في بنغازي أن ما يزيد على 250 متظاهرا كانوا يحتجون أمام مقر الكتيبة، للإعلان عن رفضهم لاستمرار وجود التشكيلات المسلحة «التي لا تتبع الجهات الرسمية بشكل مباشر»، إلا أن المظاهرة تحولت إلى مواجهات يوم السبت. كما طالب المتظاهرون بمغادرة الكتيبة للمنشآت التي تتمركز فيها. وأضاف أحد شهود العيان في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن البعض ممن شاركوا في المظاهرة كانوا يحملون أسلحة كلاشنيكوف، إلا أن عددهم كان قليلا.

لكن الشيخي قال، في وقت سابق لاجتماع البرلمان أمس، إن «كتيبة درع ليبيا1» قوة احتياطية تابعة للجيش الليبي، وإن الهجوم عليها يمثل اعتداء على معسكر شرعي، واصفا الأمر بأنه خطير جدا. ودعا الشيخي حكماء ومشايخ مدينة بنغازي وأعضاء المؤتمر الوطني العام (البرلمان المؤقت) عن مدينة بنغازي، إلى سرعة التدخل وبذل الجهود لفض الاشتباكات بين الطرفين حقنا للدماء.

وسبق أن خرجت مظاهرات كبيرة في بنغازي ضد وجود التشكيلات المسلحة في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، خاصة بعد مقتل السفير الأميركي في ليبيا و3 من مساعديه في سبتمبر (أيلول) من ذلك العام. وتزامنت مظاهرات بنغازي التي انتهت إلى مواجهات دامية يوم أول من أمس، مع خروج الآلاف من سكان العاصمة طرابلس في مظاهرات سلمية تطالب أيضا بإخلاء العاصمة من جميع أنواع المظاهر المسلحة، والتشكيلات العسكرية غير الرسمية.

وقال شهود عيان إن آلاف المتظاهرين احتشدوا بميدان الشهداء ورفعوا شعار «من أجل طرابلس الكبرى». وهتف المتظاهرون بهتافات مؤيدة لحكومة الدكتور زيدان والبرلمان. وشاركت تشكيلات رمزية من القوات الخاصة بالجيش الليبي في المظاهرة، وقامت بعملية إنزال للمظليين بميدان الشهداء. ووزع المتظاهرون بيانا جاء فيه أن سكان «طرابلس الكبرى» التي تضم المدينة وضواحيها، يرفضون أي تشكيلات مسلحة ذات طابع قبلي أو آيديولوجي في مدينتهم، وسيعملون على طردها؛ لأنه لا مكان في طرابلس إلا للشرعية، ولا يقبلون إلا بجيش وطني وأمن وطني، كما طالبوا بإصدار قانون الحكم المحلي.

وفي موكب جنائزي كبير شيع أهالي بنغازي جثامين ضحايا اشتباكات السبت، إلى مثواهم الأخير في مقبرة الهواري بالمدينة. وتزامن ذلك مع إصدار رئيس الأركان العامة بالجيش الليبي قرارا يأمر فيه بتسلم مقرات «درع ليبيا»، بحيث يتم تسليم مقر «درع ليبيا1» إلى القوات الخاصة (الصاعقة)، و«درع ليبيا2» إلى كتيبة المشاة البحرية، ومقر «درع ليبيا7» إلى قوات الدفاع الجوي، ومقر «درع ليبيا القوة 10» إلى «الكتيبة 404 الجوي».

وصرح مدير إدارة الشؤون المعنوية برئاسة الأركان العامة العقيد علي محمد علي بأن الوحدات العسكرية المكلفة، حسب هذا القرار، شرعت تتسلم المقرات المذكورة.

وأثارت المواجهات في بنغازي ردود فعل غاضبة. وفي الجلسة الصباحية ليوم أمس قدم البرلمان الليبي تعازيه لمدينة بنغازي وأهالي الضحايا. ودعا البرلمان، في بيان تلاه النائب الأول لرئيسه، جمعة اعتيقة، الأطراف كافة إلى ضبط النفس وتغليب مصالح الوطن ودرء الفتنة والشقاق. وأضاف أنه، منذ وقوع الأحداث، على تواصل دائم مع الحكومة والأجهزة المختصة عبر غرفة متابعة، تجمع الحقائق وتتابع التحقيقات وترصد تداعيات الأحداث تمهيدا لاتخاذ قرارات حاسمة.

وجدد البرلمان في بيانه التأكيد للجميع بالوقوف أمام مسؤولياتهم وتغليب لغة الحوار الوطني الجاد بين الأطياف السياسية كافة، والفاعلين الاجتماعيين ومؤسسات المجتمع المدني؛ «لتجنيب بلادنا وثورتنا منزلقات الفتنة ومسببات النزاع، وأن تحل القضايا كافة بروح المسؤولية الوطنية، بعيدا عن لغة التخوين والإقصاء لأي طرف».