محاكمات موسكو تبعث بتحذيرات إلى معارضي بوتين

كاسباروف بطل العالم في الشطرنج أبرز رموز المعارضة يتخوف من العودة إلى روسيا

المتهمون من الطلبة والعامة في مظاهرات الاحتجاج ضد بوتين خلف القضبان في قاعة المحكمة بالعاصمة موسكو (نيويورك تايمز)
TT

وجد ياروسلاف بيلوسوف، طالب العلوم السياسية، نفسه، وسط حالة من الفوضى العام الماضي، عندما شارك في تجمع حاشد ضد فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء آنذاك، تحول بشكل غير متوقع إلى مظاهرة عنيفة حيث اشتبك المتظاهرون مع رجال مكافحة الشغب. ويقول المحققون إن بيلوسوف ألقى الحجارة وكسر أجزاء من الطريق واخترق الحاجز الأمني وهاجم ضباط الشرطة.

لكن بعض مؤيديه مستشهدين بأدلة الفيديو، قالوا إنه لم يلقَ سوى ليمونة.

لم يكن لبيلوسوف (أب لطفل في الثانية من العمر) أي سجل إجرامي، لكنه احتجز لمدة عام قد تمتد في حال إدانته إلى 12 عاما أخرى. وكان بيلوسوف من بين العشرات الذين شاركوا في مظاهرة السادس من مايو (أيار) 2012، التي تمثل قطاعا عريضا من سكان موسكو، الذين انقلبوا ضد بوتين، والذين بدأت محاكمتهم في محكمة بموسكو يوم الخميس، ويرى خبراء القانون أنهم قد يواجهون أحكاما مشددة وفرصا ضئيلة في الحصول على البراءة. ما يميز هذه القضية عن سلسلة المحاكمات السياسية الأخيرة في روسيا هو أنه لا يوجد بين المتهمين في القضية زعيم معارضة بارز، لكن غالبيتهم من العامة غير المعروفين، ويبدو الهدف من مقاضاتهم إرسال رسالة تحذير قوية إلى المواطنين الروس، خاصة الطبقة المتعلمة، بشأن المشاركة في المظاهرات.

وتقول تامارا بيلوسوف (زوجة ياروسلاف) في مقابلة معها على مقهى قبالة الميدان الأحمر: «عندما لا يعتقلون قادة أو زعماء المعارضة، ويعتقلون العامة الذين يمثلون شرائح اجتماعية مختلفة، ومن أعمار وتوجهات مختلفة، فإن ذلك لا يعني سوى نوع من الترهيب».

نجحت قضية بيلوسوف والمتهمين الآخرين، إلى جانب وابل من القضايا الجنائية ضد قادة المعارضة في قمع حركة المعارضة، حيث انقلبت الحماسة السابقة إلى خوف وإرهاق.

لكن السيدة بيلوسوفا (21 عاما) التي تدرس العلوم السياسية، هي الأخرى، توقعت أن تأتي الاستراتيجية الحكومية في نهاية المطاف بنتائج عكسية. وقالت: «لأنها تسبب في حالة من السخط. إن ابننا البالغ من العمر عامين لم ير والده لعام كامل. وهذه قسوة مطلقة وغير مبررة».

وأشارت إلى أن بيلوسوف، كان يهدف إلى التخرج في جامعة موسكو وشارك في مظاهرة في ميدان بولوتنيا، بسبب هوايته في البحث في الإعلام الاجتماعي كأداة للتنظيم السياسي.

من بين المتهمين الذين يخضعون للمحاكمة خمس طلبة، وستة أعلنوا أنهم ناشطون سياسيون يحملون توجهات مختلفة، من بينهم صحافي ومدير مبيعات وفنان وعامل في مترو الأنفاق، ولم يكن كثير منهم ناشطين سياسيين سابقا.

تتراوح أعمار المتهمين ما بين 19 إلى 51 عاما، لكن غالبيتهم في العشرينات ومن بينهم ليبراليون ويساريون وأناركيون. تم اعتقال هؤلاء الأشخاص لما يقرب من عام الآن، على الرغم من إطلاق سراح سيدتين؛ بعد تعهد إحداهما بالمثول أمام المحكمة وخضوع الأخرى للإقامة الجبرية.

وقد عبرت شخصيات شهيرة في روسيا عن خشيتها خسارة حريتها، فيقول غاري كاسباروف (بطل العالم الشهير في الشطرنج، وأحد أبرز رموز المعارضة) في مؤتمر صحافي في جنيف الأسبوع الماضي إنه لن يعود إلى روسيا خشية القبض عليه لمشاركته في المظاهرات.وكتب على صفحته على فيس بوك: «بوتين يمارس إجراءات قمعية أكثر قسوة من ذي قبل، ويبدي رغبة في خلق جيل جديد من السجناء السياسيين لم نشهده منذ أيام ستالين».

كان أبرز الأسماء في المحاكمة التي بدأت يوم الخميس ماريا بارونوفا، وهي مساعدة صحافية سابقة للنائب المعارض، إيليا بونوماريف، واكتسبت شهرة بعد اعتقالها. وقد أفرج عنها بناء على تعهدها بالمثول أمام المحاكمة، حيث تواجه تهما أخف وطأة، مثل التحريض على العصيان والشغب الجماهيري، في الوقت الذي يواجه فيه غالبية المتهمين تهم المشاركة في أعمال الشغب والاعتداء على ضباط شرطة.

وقال ديمتري آغرانوفسكي، المحامي الذي يمثل بيلوسوف، ومتهم آخر، فلاديمير آكيمنوف، في مقابلة عبر الهاتف إن احتجاز معظم المتهمين لفترات طويلة قبل المحاكمة دليل على الطابع السياسي لهذه الاتهامات.

ويقول آغرانوفسكي: «ليس بالأمر الطبيعي أو المعتاد أن يحتجز هؤلاء الأفراد لمدة عام، خاصة أنهم لا توجد لديهم أي سوابق جنائية. لكن إذا كانت القضية تمس السياسة، وإذا كان من بين المعتقلين أفراد من المعارضة، فمن الطبيعي أن تكون الممارسات تجاههم أكثر قسوة».

كانت مظاهرات الشوارع الضخمة في موسكو التي بدأت في أعقاب الانتخابات البرلمانية المتنازع عليها في ديسمبر (كانون الأول) 2011، سلمية بشكل كبير حتى السادس من مايو (أيار)، اليوم الذي شهد تنصيب بوتين رئيسا للمرة الثالثة. في هذه المرحلة فقدت المظاهرات الزخم، ولم يكن الجمهور الذي قدر بنحو 20000 شخص سوى جزء ضئيل من المظاهرات السابقة.

كان من بين المشاركين آباء وأطفال وأشخاص كبار في السن، واتسمت المظاهرات بالسلمية، لكن الشجار اندلع في مرحلة ما عندما شكلت حواجز الشرطة عنق زجاجة للحشود المتجهة إلى الميدان. وأشار آغرانوفسكي إلى أن الاتهامات بحق بيلوسوف ارتكزت بشكل كبير على شهادة مشكوك فيها لضابط شرطة زعم أنه أصيب خلال العراك. وقال: «لا أعتقد أنه أصيب حقا، فقد قال الضابط المصاب إن بيلوسوف ألقى شيئا أصفر صغيرا على صدره. لكن صدر قوات مكافحة الشغب محميّ بصورة جيدة، فهم يرتدون نوعا من السترات القادرة حتى على تحمل ضربات السكين، وربما ما هو أقوى». وقال إن الأدلة بحق موكله الثاني، آغرانوفسكي، الناشط في جبهة اليسار، مجموعة اشتراكية، فكانت أضعف لأن الضابط غيّر شهادته عدة مرات. وتقول لجنة التحقيقات الفيدرالية، التي قادت التحقيقات إنها تملك أدلة مصورة على الجرائم، وقالت السلطات إن العنف ضد الشرطة لن يتم التعامل معه بهوادة.

وقالت زويا سفتوفا، صحافية في مجلة «نيويورك تايمز» وعضو لجنة الإشراف العامة، التي تراقب أوضاع السجون، التي زارت كثيرا من المتهمين في القضية: «إن المتهمين اكتسبوا وعيا ذاتيا جديدا، فهم ليسوا أولئك الأفراد الذين خرجوا بصورة عشوائية للاحتجاج في الميدان. إنهم يدركون أنهم سجناء سياسيون، ونشطاء يواجهون القمع».

* خدمة «نيويورك تايمز»