مصادر غربية: التحولات الميدانية «عائق إضافي» بوجه «جنيف 2»

قالت إن مواقف واشنطن تتصف حتى الآن بـ«الميوعة» ووحده الملف الكيماوي كفيل بحملها على تغيير موقفها

TT

يزداد الضباب المحيط بجدوى عقد مؤتمر دولي خاص بالأزمة السورية كثافة في ظل «النكسات» التي تعاني منها المعارضة السورية، سواء من الناحية السياسية أو العسكرية، وفي ظل سير المشهد السوري الحالي وفقا للسيناريو العراقي في أعقاب الغزو الأميركي عام 2003 منه إلى السيناريو الليبي عقب الثورة الليبية في 2011، في ما يخص طبيعة الصراع.

ووفقا لمصادر غربية تحدثت معها «الشرق الأوسط» من باريس، فإن احتمالات التئام «جنيف 2» الشهر المقبل «تبتعد أكثر فأكثر»، وذلك في ضوء الاستعصاء المتعلق بصيغة المؤتمر وجدول أعماله وهوية المشاركين فيه وطبيعة الصلاحيات المنوطة بالحكومة الانتقالية «التوافقية» التي يفترض أن تنبثق عن «جنيف 2» بما يتسق وتوصيات النسخة الأولى من المؤتمر صيف العام الماضي.

وتدفع الولايات المتحدة، وفقا لباريس، باتجاه عقد «جنيف 2» مهما كانت الظروف المحيطة به. لكن المصادر ترى أن «المكاسب الميدانية» التي حققتها القوات التابعة لنظام الرئيس بشار الأسد، والمدعومة بميليشيات حزب الله اللبناني، وإيران، سوف تشجع الأسد على وضع شروط ستكون «أشبه بالعصي في العجلات» وافتعال الصعوبات لتأخير الدعوة إليه، ثم إفشاله في حال تم عقده.

ويؤكد صحة هذه النظرية كلام وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ أمس، حيث قال إن تحقيق نظام الأسد إنجازات على الصعيد الميداني يصعب المساعي من أجل تنظيم مؤتمر دولي حول النزاع في سوريا وإنجاحه، معتبرا أن تأخير عقد هذا المؤتمر أمر «مقلق ومحبط». وأضاف هيغ في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، أن «النظام حقق تقدما ميدانيا، والثمن مرة جديدة كان خسائر هائلة في الأرواح واستخداما أعمى للعنف ضد المدنيين».

وأضاف الوزير البريطاني أن «التطور الحالي للوضع على الأرض لا يساعدنا على إبراز حل سياسي ودبلوماسي». كما أشار إلى أن هذا الأمر «يصعب تنظيم مؤتمر جنيف وإنجاحه»، لافتا إلى أن «هذا النظام سيكون على الأرجح أقل استعدادا لتقديم تنازلات كافية خلال هذه المفاوضات وبات إقناع المعارضة بالمشاركة في المفاوضات أمرا أكثر صعوبة».

وتسعى المعارضة السورية، بشقيها السياسي والعسكري، إلى إعادة الصراع في سوريا إلى مربعه الأول، ثورة شعبية ضد نظام استبدادي، وإخراج جميع «القوى الأجنبية» المقاتلة في سوريا خارج البلاد، وهو شرط وضعه رئيس الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والتغيير بالإنابة جورج صبرا، إضافة إلى شرط آخر يتعلق بإمداد الجيش السوري الحر بالسلاح، وهو مطلب كرره اللواء سليم إدريس، رئيس أركان الجيش السوري الحر، لصحيفة «نيويورك تايمز» أول من أمس، قائلا إنه «إن لم نحصل على العتاد والسلاح لتغيير الوضع على الأرض، يمكن أن أقول بصراحة إننا لن نذهب إلى جنيف. ما الذي يمكن أن نطلبه إن ذهبنا إلى جنيف ونحن ضعفاء؟! سيقول الروس والإيرانيون وممثلو النظام: أنتم لا قوة لكم، ونحن نسيطر على كل شيء، ما الذي جئتم لطلبه؟!».

بيد أن المصادر الغربية، رغم اعترافها بأهمية المكاسب الميدانية للنظام، فإنها تعتبر أن ما حصل في القصير ومحيط دمشق وعلى جبهات أخرى «مؤشر ضعف للنظام أكثر منه مؤشر قوة» باعتبار أن «الانتصارات» مردها لانخراط حزب الله وإيران «بشكل كامل» إلى جانبه.

وقد أدى اصطفاف المحور «الإيراني - اللبناني» إلى جانب الأسد إلى «انفلات الطائفية من عقالها»، فأول من أمس أعلن عن تشكيل «لواء ذو الفقار» ثاني ميليشيا لحماية مقام السيدة زينب في دمشق، وهو ثاني مجموعة شيعية تقاتل في العاصمة ضد الثوار بعد «لواء أبي الفضل العباس»، كما قام مقاتلو حزب الله، وفقا لمقطع فيديو نشرته مواقع لبنانية مقربة من الحزب، برفع رايات سوداء كتب عليها «يا حسين» على إحدى مآذن مدينة القصير، في إشارة إلى أن طبيعة الصراع في سوريا بات بين القوى السنية والشيعية.

وعلى الرغم من تدفق السلاح الروسي «من غير حدود أو ضوابط»، فإن المصادر الغربية تؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الجبهات العسكرية متحركة، وبالتالي فإن ما ربحه الأسد بالأمس يمكن أن يخسره غدا». لكن المصادر تبدي «استغرابها» من «الليونة الزائدة» لوزير الخارجية الأميركي جون كيري في التعامل مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وترى باريس أن «الكارت بلانش (إطلاق اليد) المعطى من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما لوزيره كيري في التصرف في الملف السوري سيعني أن الأخير سيلقى الدعم من قبل الرئيس إن نجح في مساعيه لحل الأزمة، وفي حال الفشل فستلصق التهمة بكيري وليس بأوباما».

وفي ملف آخر، يصف المصدر الرد الأميركي حيال استخدام الأسد للسلاح الكيماوي بـ«المائع»، ولا سيما أن أوباما اعتبره في وقت سابق «خطا أحمر» ووعد بـ«رد مناسب في حال استخدامه». ونظرا لتمسك واشنطن بما تصفه بـ«البراهين الصلبة»، فإن باريس والدول الغربية أيضا بانتظار التقرير الذي يفترض أن يقدمه آكيه سلستروم رئيس اللجنة التي شكلها أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون للتحقيق في استخدام السلاح الكيماوي في سوريا قبل نهاية يونيو (حزيران) الجاري، والذي قد يشكل «منعطفا» في مسار الأزمة.

وترجع المصادر الغربية «تحفظ» واشنطن في الانخراط في الملف السوري إلى أوباما «شخصيا» الذي يريد تجنب أي مغامرة عسكرية في الشرق الأوسط من شأنها أن تظهر عجز الإدارة الأميركية عن «السيطرة» على تعقيدات الوضع في الشرق الأوسط في ظل وجود شبكات تعتبرها واشنطن «إرهابية».