شباب الجيل «الرأسمالي» رأس حربة الحركة الاحتجاجية في تركيا

53% من المتظاهرين لم يشاركوا مطلقا في تجمع سياسي

TT

ينتمي القسم الأكبر من المتظاهرين الذين نزلوا إلى شوارع تركيا إلى الجيل المسمى «الرأسمالي». فالأتراك يعتبرون أن أولئك الذين ولدوا مطلع تسعينات القرن الماضي قلما يهتمون بالسياسة، لكن أحداث الأيام الأخيرة تناقض هذه الفكرة.

علي احتفل لتوه بعيد ميلاده الثامن عشر، وهو يحمي نفسه من الغاز المسيل للدموع بوضع قناع أعده بنفسه، ويعتصم منذ ثلاثة أيام مع زملائه في المدرسة الثانوية في ساحة كيزيلاي التي أصبحت نبض الحركة الاحتجاجية في العاصمة أنقرة. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها عن هذا الشاب، الذي آثر عدم كشف اسمه تخوفا من متاعب مع الشرطة: «إننا هنا لحماية حقوقنا وأسلوب عيشنا وللقول (كفى) للحكومة الفاشية». وروى علي بابتسامة أن أهله منعوه منعا باتا من المشاركة في المظاهرات، لكنهم استسلموا في نهاية المطاف أمام إصراره. وقال: «أدركوا فعلا أننا لا نتظاهر لمجرد التسلية بل من أجل مستقبلنا». وتابع: «إنني أتصل بوالدتي بعد هجمات رجال الشرطة» لتجنب أن تأتي «لتبحث عني».

وتسارعت تعبئة الشبان عبر شبكات التواصل الاجتماعي من أجل الانضمام إلى حركة انطلقت مع بعض الناشطين المدافعين عن البيئة في إسطنبول أرادوا التعبير عن معارضتهم لتدمير حديقة عامة، فاجأ علماء الاجتماع الذين كانوا يعتقدون أن الجيل المولود في التسعينات ملقح نهائيا ضد السياسة.

وعبر مقال افتتاحي في صحيفة «حرييت» الليبرالية الواسعة الانتشار عن الارتياح هذا الأسبوع، وجاء فيه: «أحسنتم أيها الأبناء. كنا نعتقد أنكم ثمار الرأسمالية، أنتم قضيتم على كل الأفكار المسبقة».

وأكدت استطلاعات الرأي التي شملت شبانا متظاهرين يعتصمون في ساحة «تقسيم» في إسطنبول منذ أسبوع، إنهم إن بقوا على مسافة من «المطبخ» السياسي التركي فسيبقون مهتمين جدا بـ«الأمور العامة».

وأظهر تحقيق أجرته جامعة بيلغي في إسطنبول أن 53 في المائة من المتظاهرين لم يشاركوا مطلقا في حياتهم في تجمع سياسي و70 في المائة لا ينتمون إلى أي حزب سياسي. لكن 92 في المائة منهم يؤكدون أن القمع الذي مارسته الشرطة والقيود التي فرضتها الحكومة الإسلامية المحافظة التي تقود البلاد منذ 2002 على حياتهم اليومية، وغالبا ما توضع في خانة أسلمة زاحفة لتركيا العلمانية، هما من الدوافع الرئيسية لتعبئتهم.

وأوضحت عالمة الاجتماع نيلوفر نارلي البروفسورة في جامعة بهتشي شهير في إسطنبول كما نقلت عنها صحيفة «ملييت» أن مطلبهم الرئيسي هو عدم التدخل في حياتهم الخاصة والإصغاء إليهم. وأضافت: «إن هذا الجيل من خلال تسليته على شبكات التواصل الاجتماعي يعبر أيضا عن آرائه السياسية».

ولخص جان دوغان الطالب البالغ 23 عاما الذي يشارك في المظاهرات في العاصمة التركية الوضع بقوله: «إننا نناضل من أجل حقوقنا الأساسية ضد حكومة تريد السيطرة على حياتنا». واستطردت رفيقته مرفي: «لسنا من جيل المدمنين على الكحول، ولسنا مشاغبين، بل إننا مواطنون مسؤولون»، في تلميح إلى تصريحات أخيرة لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وصف فيها المتظاهرين بـ«المتطرفين» و«المشاغبين»، وحاول تبرير قانون أخير يحد من استهلاك المشروبات الكحولية بالرغبة في عدم رؤية «جيل يترنح في النهار والليل تحت تأثير الكحول».

واعتبر جنكيز اكتر المحلل السياسي في جامعة بهتشي شهير «أن أردوغان راهن على الاقتصاد لكسب ود الجماهير. وقد نجح إلى حد ما في ذلك؛ إذ إن مجتمع الاستهلاك وصل إلى أوجه في تركيا». وأضاف: «لكن لا بد من اعتقاد أن الصيغة التي تقضي بالقول (استهلك واصمت) لها حدود، فالناس يقولون (هذا يكفي نريد أيضا حريات)».

هذا مطلب أكده اليف جبلي (19 عاما) الذي يتظاهر في أنقرة. وقال هذا الشاب الذي ترعرع وسط عائلة محافظة: «حتى والدي لا يتدخل في حياتي الخاصة مثلما يفعل طيب (أردوغان)»، مستطردا: «فما دخله في ذلك؟».