القوات النظامية تبدأ «عاصفة الشمال».. والقصير تعلن «مدينة شيعية»

خبراء يقولون إن الإعلان عنها حرب نفسية.. وغوطة دمشق الشرقية بلا خبز منذ سبعة أيام

لبنانيون يرفعون علم الثورة السورية في ساحة الشهداء وسط بيروت أمس (أ.ب)
TT

تستعد القوات النظامية السورية لبدء معركة استعادة المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في مدينة حلب وريفها (شمال) بعد أيام من سيطرتها على مدينة القصير (وسط) بدعم من حزب الله اللبناني، في حين أعلن أهالي مدينة القصير في بيان لهم عدم الحاجة لفتح ممرات إنسانية في المدينة؛ لأن «القصير أصبحت خاوية تماما، ومن يسكنها الآن ليسوا أهلها، بل شيعة وعلويون أتى بهم نظام (الرئيس بشار) الأسد وحزب الله وأسكنهم في منازل السكان الأصليين، وأعلنها مدينة شيعية».

ووفقا لصحيفة «الوطن» شبه الرسمية فإن الهدف التالي للجيش السوري هو استعادة حلب؛ إذ أكدت الصحيفة التي يمتلكها رامي مخلوف ابن خال الرئيس الأسد، أن «انتشارا كبيرا في ريف حلب بدأ استعدادا لمعركة ستدور رحاها داخل المدينة وفي محيطها». وفيما أعلن مصدر أمني سوري أن «معركة حلب باتت قريبة، وتفصلنا عنها ساعات أو أيام»، موضحا أن هدف الهجوم، بحسب ما نقلته عنه وكالة الصحافة الفرنسية، هو «استعادة القرى والبلدات في المحافظة»، قالت قناة «روسيا اليوم» نقلا عن مصادر عسكرية إن وحدات الجيش السوري بدأت عملية أطلق عليها تسمية «عاصفة الشمال» بهدف استرجاع ريف محافظة حلب.

وأوضحت المصادر عينها أن العملية بدأت عصر أول من أمس؛ إذ تحركت الوحدات العسكرية باتجاه حريتان وكفر حمرة والأتارب حيث يتجمع مقاتلو «الجيش السوري الحر»، كما بدأت ليلا عملية عسكرية باتجاه عندان في محاولة لاسترجاع طريقين حيويين يشكلان شريانا استراتيجيا للدعم اللوجيستي لمقاتلي المعارضة المسلحة. ويأتي هذا الإعلان عن الهجوم على حلب بعد مرور أقل من أسبوع على سيطرة القوات الحكومية وحلفائها من حزب الله اللبناني، على مدينة القصير التي كانت بيد المعارضة المسلحة لمدة عام كامل.

في غضون ذلك، أعلن أهالي مدينة القصير في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه أنه لم تعد هناك حاجة لفتح ممرات إنسانية من أجل إخلاء المدنيين من المدينة. وكانت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر ديبا فاخر أعلنت في وقت سابق أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق مع السلطات السورية لنقل جرحى محتجزين بالقصير، وأن فرق اللجنة عاجزة عن دخول البلدة.

وأظهر شريط فيديو تناقلته مواقع الثورة السورية رحلة نزوح لمئات من الأهالي سيرا على الأقدام، وهم يحملون الجرحى في أغطية نوم (حرامات). وقد أظهر الشريط أحد الفارين وهو يقول إنهم أجبروا على قطع مسافة 12 كيلومترا سيرا في البراري خوفا من قتلهم على يد الجيش النظامي، وقد بدا الإعياء واضحا على الناجي الذي قال إنهم لم يأكلوا شيئا منذ 4 أيام.

وفي حين يعتقد محللون وخبراء استراتيجيون أن نجاح الجيش النظامي في القصير منحه الثقة لمحاولة القضاء على المعارضة في المناطق الأخرى من البلاد، يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «باريس الجنوب» الدكتور خطار أبو دياب لـ«الشرق الأوسط» إن «معركة القصير وإن شكلت نكسة للقوى المناهضة للأسد، لكن الفضل في النجاح فيها يعود إلى مقاتلي حزب الله وليس النظام». ويشير إلى أن «مقاتلي حزب الله ينتشرون في حمص ودمشق وفي الساحل من دون الإعلان كثيرا عن ذلك»، لافتا إلى «تقديرات عن وجود ما بين 3 و5 آلاف مقاتل من حزب الله داخل سوريا».

ويرى أبو دياب أن الإعلان عن بدء معركة ما يسمى بـ«عاصفة الشمال» إنما «يأتي من باب الحرب النفسية؛ إذ إن المعارك لم تتوقف في حلب، وفيها جولات من الكر والفر بين المعارضة والموالاة، وهناك صعوبة في المعارك في المناطق المدنية، فضلا عن أن النظام عزز مواقعه حول المطارات».

وكانت كتائب «الجيش الحر» قد تمكنت من «تحرير» أحياء عدة في مدينة حلب من قبضة نظام الأسد، في شهر يوليو (تموز) 2012، وشهدت اشتباكات عنيفة مع تكثيف النظام لغاراته الجوية على أحيائها، ما أدى إلى احتراق جزء كبير من أسواقها الأثرية، فضلا عن هجرة مئات المعامل والمصانع من المدينة التي تعد العاصمة التجارية لسوريا.

ويشكك أبو دياب في إمكانية مشاركة مقاتلي حزب الله في معركة حلب «بحجة الدفاع عن بلدتين شيعيتين هما نبل والزهراء، باعتبار أن المنطقتين لا تقعان على خطوط إمداد الحزب»، إلا أنه يستدرك بأن «الحزب قد يفعلها إذا ما عمد حسن نصر الله إلى تنفيذ التعليمات الإيرانية بحذافيرها لناحية منع سقوط النظام في دمشق»، مرجحا أن تؤدي مشاركة الحزب في معركة حلب، إذا حصلت، في «استنزاف المزيد من قدراته».

ويبدو أن تحقيق أي من النظام أو المعارضة انتصارا كاملا ليس بالأمر السهل، وفق أبو دياب الذي يقول إن ذلك «بات صعبا في ظل موازين القوى الداخلية والإقليمية». ويعتبر أن انتصار القصير قد ينعكس سلبا على النظام في المدى المتوسط، لأسباب عدة، منها أن نتيجة معركة القصير ستفرض على المعارضة المزيد من تنظيم صفوفها، فيما ستطغى التيارات الراديكالية أكثر وأكثر على التيارات السلمية. ويعرب عن اعتقاده أن «الدول الإقليمية لن تسمح بإطلاق يدي إيران وروسيا في سوريا، ما يعني دعما عربيا وإقليميا ودوليا أكبر للمعارضة السورية»، على حد تعبيره.

من جهة أخرى، قتل أكثر من 40 معتقلا تحت التعذيب في حي القدم الدمشقي.

وقال عضو مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق محمد الدوامني لـ«الشرق الأوسط» إن «42 معتقلا قتلوا تحت التعذيب في أقبية فرع المنطقة»، لافتا إلى أن «عصابات الأسد أبلغت مختار حي القدم بمذكرة رسمية أسماء القتلى لإبلاغ ذويهم واستلام جثثهم». وأوضح أنه «تعذر إبلاغ عدد كبير منهم بسبب نزوحهم إلى مناطق أخرى وجهل أماكن إقامتهم».

واستهدفت القوات النظامية حافلة للركاب كانت تقل نازحين من مدينة الضمير إلى الغوطة بريف دمشق، ما أدى إلى مقتل عدد من الأشخاص، خمسة منهم من عائلة واحدة. وأفاد الدوامني بأن الوضع الإنساني صعب في ظل انقطاع الوقود وارتفاع أسعار بيعه في السوق السوداء، وقال إن منطقة الغوطة الشرقية لم يدخلها الخبز منذ 7 أيام، مع منع النظام دخول الطحين ومنع دخول مخصصات المدن منه.