العاهل المغربي يدعو إلى إشاعة مبادئ الحكامة والمسؤولية في مجال التربية البيئية

مؤتمر دولي في مراكش يناقش رهانات الانسجام بين المدن والقرى بحضور 1400 مشارك من 108 دول

الأميرة للا حسناء
TT

قال العاهل المغربي الملك محمد السادس إن الانتقال نحو التنمية المستدامة لا يتطلب فقط تعبئة الوسائل والآليات التقنية والقانونية والمالية الضرورية، وإنما يقتضي، بالأساس، «تحولا جذريا» في أساليب ومناهج التفكير والعمل، مشيرا إلى أن التحول المنشود لن يتأتى إلا بالاستثمار الأمثل في مجال الموارد البشرية والاجتماعية، ومن ثم «يظل تفعيل دور التربية والتوعية عماد النهج القويم لإنجاح الانتقال الضروري، نحو الاقتصاد الأخضر والمتضامن، والمحترم للأنظمة الإيكولوجية الطبيعية، مع الحرص على إشراك جميع الفاعلين في العمل لبلوغ هذا الهدف، الذي يجب أن تتضافر من أجل بلوغه جهود السلطات العمومية والقطاع الخاص ومبادرات منظمات المجتمع المدني».

ودعا العاهل المغربي، في خطاب وجهه إلى المشاركين في المؤتمر العالمي السابع للتربية البيئية، الذي انطلقت أشغاله مساء أول من أمس في مراكش، وتلته شقيقته الأميرة للا حسناء، رئيسة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، إلى «توجيه نداء صريح من مراكش، للحث على المزيد من انخراط السلطات العمومية والهيئات المتخصصة والجهات الممولة، بل والدعوة إلى ابتكار الوسائل الكفيلة بالإفادة من التجارب المتميزة، وإشاعة مبادئ الحكامة والمسؤولية في هذا المجال، خدمة للدول التي هي في حاجة ماسة إلى ذلك».

ورأى العاهل المغربي أن موضوع التظاهرة «يكتسي راهنية خاصة، لكونه يطرح إشكالية متعددة الأبعاد بالغة الأهمية، تندرج في صلب التنمية المستدامة، وبخاصة في الدول النامية. فتحقيق الانسجام بين المدن والقرى، يقتضي بالضرورة التحكم في مسألة الهجرة القروية نحو الحواضر، وكذلك العمل على الحد من ظاهرة تصحر البوادي بسبب التأثير السلبي للتغيرات المناخية».

وفي غضون ذلك، شدد ماريو سالمون، الأمين العام للمؤتمر، على أنه يتعين على المؤتمر «أن يكون وعدا لما هو ممكن»، مشيرا إلى أن «البشرية تواجه تحديات من أجل تنمية عادلة ومستدامة»، وأن «لها الحق في تربية من أجل الجميع وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال وضمان حقوق الأطفال والحق في الديمقراطية والمساواة».

ومن جهتها، رأت وإيرينا بوكوفا، المديرة العامة لـ«اليونيسكو»، أن تربية تهتم بالبيئة تبقى مفتاحا لنشر وبناء ثقافة الاستدامة، مشددة على الحاجة إلى تعزيز منظومة التعليم وإصلاح المناهج.

وتوقف عبد العزيز التويجري، المدير العام لـ«الإسيسكو» عند موضوع المؤتمر، ملاحظا أنه يعبر عما للتربية من دور فاعل ومؤثر في تطور البشرية، مشددا على أن تحقيق الأهداف المرجوة يتطلب التوفر على ثلاثة أركان متكاملة، هي التربية والثقافة والقانون.

ورأى واكيم شتاينر، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن التربية على البيئة ليست مجرد برنامج دراسي، بل اختيار يروم إعطاء الفرصة للجميع للمشاركة في اتخاذ القرار.

واستعرض يان إريكسون، رئيس المؤسسة الدولية من أجل التربية البيئية، مجموعة من النماذج الدولية الواعدة التي سعت إلى أن تفعل التربية على البيئة، داخل عدد من المدارس، خصوصا بالقارة الأفريقية.

ويهدف المؤتمر، الذي يعقد كل سنتين، ويشارك فيه نحو 1400 مشارك من 108 دول، إلى عرض أهم التجارب في مجال التربية البيئية وتقديمها للعالم. واختير لدورة 2013 موضوع «التربية البيئية والرهانات من أجل انسجام أفضل بين المدن والقرى»، كما برمج للنقاش والدرس 11 موضوعا متخصصا، تشمل تعزيز «التربية على البيئة وتقويتها عبر إنشاء الشبكات»، و«الحوار بين الثقافات»، و«الحركات الاجتماعية وبناء المجتمعات الخضراء»، و«التواصل وتأثير وسائل الإعلام الاجتماعية»، و«الاقتصاد البيئي والاقتصاد الأخضر»، و«الأخلاقيات والفلسفة البيئية وأنواع العلاقة بين الإنسان والطبيعة»، و«التربية الخضراء»، و«الدوافع الخلاقة: الفنون والخيال والفهم العاطفي»، و«التعليم والتعلم»، و«البحث في مجال التربية البيئية»، و«المخاطر، الصحة والبيئة».

ولأن المؤتمر حدث له عنوان ومضمون تربوي وبيئي، فقد تم تنظيمه تماشيا مع المبادئ البيئية، وهي: «دون كربون»، «دون نفايات»، و«التغذية المحلية».

ويشدد المنظمون على أن موضوع المؤتمر يضع الرهانات السوسيو-بيئية أمام الاختصاصيين في التربية البيئية، كما أنه يوفر إطارا محددا لبعض الأسئلة الأساسية من قبيل: «ما الذي يمكن لقطاع التعليم أن يقوم به؟ وما الحل التربوي المناسب لهذه المشكلات؟»، و«كيف يمكن للتربية أن تساهم في تطوير مخيلة الطلاب والمرونة والاستعداد للعمل بحكمة ومعالجة هذه التحديات المعقدة بشكل حاسم؟».

واعتبارا للمجالات الحضرية والقروية والمختلطة، فإن موضوع المؤتمر يفتح تساؤلات تربوية حول القيمة التي تكتسيها رؤية العالم من زوايا مختلفة، لذلك يطرح سؤال: «ماذا سنفقد عندما يعجز التعلم في بيئة حضرية عن الاستفادة من المعرفة في المجال القروي؟»، والعكس صحيح، أي: «ماذا سنفقد عندما يعجز التعلم في بيئة قروية عن الاستفادة من المعرفة في المجال الحضري؟»، و«ما المعارف الجديدة التي يجري بناؤها في الفضاءات المختلطة؟». كما أن الموضوع يعتبر، أيضا، مجازا عن القضايا التربوية الكبرى: «ما وجهات النظر الغائبة في مجال التعليم التقليدي؟»، و«ما الخبرات التي نفتقر إليها؟»، و«ما القيم التي تؤثر في القرارات التربوية؟»، و«ما الأشياء التي نحتاج إلى تغييرها في سياقنا التربوي من أجل خلق تجارب تربوية أكثر شمولا؟».

ويحتفل مؤتمر مراكش بمرور عشر سنوات، بعد أن تم عقد مؤتمره الأول في البرتغال سنة 2003، بينما عقدت الدورات الأخرى في كل من البرازيل (2004)، وإيطاليا (2005)، وجنوب أفريقيا (2007)، وكندا (2009)، وأستراليا (2011).