المرشحون الإيرانيون يجمعون على التشدد حول الملف النووي

العقوبات الدولية على طهران لم تغير من نهج السياسيين

TT

تعالت هتافات مجموعة من النساء المرتديات الشادور الإيراني التقليدي ويؤيدن كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي، سعيد جليلي، عندما دخل قاعة اجتماع مزدحمة في إطار حملته الانتخابية في جامعة طهران الأسبوع الماضي. وهتفن وهن يلوحن بلافتات عدة، مكتوب على بعض منها بخط اليد «لا للمساومة لا للخضوع، لا أحد سوى جليلي». إنهن من بين كثيرين يدعمون جليلي المرشح الرئاسي الذي يتجه المتشددون في إيران إلى منحه أصواتهم خلال الانتخابات المزمع إجراؤها يوم الجمعة المقبل. وتقوم حملته الانتخابية على المعارضة الكاملة لأي حلول وسط مع الغرب فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. وفي الوقت الذي ربما يختلف فيه هو والمرشحون الآخرون المنتقون بعناية على قضايا مثل حقوق النساء والمشكلات الاقتصادية، عندما يأتي ذكر برنامج إيران النووي، يقول الجميع الكلام نفسه، حيث يؤكدون على عدم التراجع أو المساومة على حق الدولة في تخصيب اليورانيوم بغرض توليد الطاقة. وحتى خصمه الذي يوجد على طرف النقيض منه ويمثل أعلى درجات الإصلاح، رجل الدين حسن روحاني، تجنب أي ذكر لتسوية أو حل وسط عند مناقشته لبرنامج إيران النووي. إنه يقضي وقتا كبيرا في الدفاع عن هجمات خصومه السياسيين الذين يتهمونه ببيع حقوق الدولة عندما كان ممثلا للبلاد في المفاوضات النووية بتعليقه تخصيب اليورانيوم تحت الضغط الدولي الهائل عام 2004.

وأملا في إجبار إيران على التوقف عن تخصيب اليورانيوم وبدء مفاوضات جادة، فرضت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عقوبات اقتصادية صارمة أضرت كثيرا بالاقتصاد الإيراني.

ومع ذلك إذا دلت الحملة الانتخابية الرئاسية على شيء، فهي تدل على أن العقوبات زادت من إصرار إيران ورغبتها في المقاومة ولم تجبرها على الاستسلام. وقال نادر كريم جوني، صحافي إيراني منتقد لبعض سياسات الدولة: «شددت أميركا العقوبات علينا العام تلو الآخر. ونرى الآن من خلال هؤلاء المرشحين عواقب ذلك. العقوبات تضرنا، لكنها جعلت قادتنا أكثر تصميما وإصرارا». وتوضح مواقف جليلي، كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي الإيراني حاليا، ومواقف روحاني، كبير المفاوضين السابق، تشدد موقف إيران بعد عقد من تشديد العقوبات وزيادة العزلة الدولية. وحوّل جليلي بوجه خاص الانتخابات إلى استفتاء على موقف الدولة من الملف النووي ودعم المؤسسة الحاكمة التي تضم رجال دين محافظين وقادة من الحرس الثوري الذين يتبنون موقفا مناهضا للغرب لا يتزعزع.

وقاد روحاني، الذي يحظى بدعم قادة الحركة الخضراء التي تم إسكاتها، أول جولة من المفاوضات مع الدول الغربية بعد وقف برنامج إيران النووي السري عام 2002. وعلقت إيران تحت قيادته تخصيب اليورانيوم بعد عامين ضمن إجراءات بناء الثقة، لكن القوى الغربية تمسكت بطلبها بإنهاء البرنامج بالكامل متهمة إيران بالسعي لامتلاك أسلحة نووية.

ويجد روحاني نفسه في مواجهة انتقادات معسكر جليلي الذي يشير إلى تلك المفاوضات باعتبارها مثالا على الجهل والضعف. وقال مسؤول في حملة جليلي الانتخابية في فيلم عرض على التلفزيون الأسبوع الماضي: «لقد نزعنا سلاحنا بأنفسنا» بتعليقنا برنامج تخصيب اليورانيوم. ويقول جليلي نفسه في الفيلم مقتبسا قول جوشكا فيشر، وزير الخارجية الألماني آنذاك: «لقد افترضوا أننا سنعلق العمل في منشآتنا النووية ونغلقها وندمرها». وظل يكرر: «المقاومة هي حل كل مشكلاتنا». ومع تأرجح المحادثات بين الجدية والتراخي، تطور برنامج إيران النووي. وبعد انتهاء فترة التعليق عام 2005، زاد عدد أجهزة الطرد المركزي في إيران إلى 17 ألفا بحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لشهر مايو (أيار) الماضي. وأدت العقوبات الحالية المفروضة على إيران إلى انخفاض قيمة عملتها وزيادة معدل التضخم المرتفع بالفعل وقطع الكثير من علاقاتها المالية التجارية بباقي دول العالم. وازداد لجوء إيران إلى التجارة مع الهند والصين المستوردتين المتبقيتين للنفط حيث أصبحت المعاملات المالية شبه مستحيلة. مع ذلك لا توجد مؤشرات كثيرة تدل على تأثير العقوبات على الشارع الإيراني، حيث لا توجد أزمة في محطات الوقود ولا تزال أرفف المحلات ممتلئة بالسلع وخلال الأشهر الأخيرة استقرت العملة بعد فقدانها نصف قيمتها. ويجمع كل المرشحين على أن الخضوع للضغط سيضر بموقف إيران في المفاوضات. وصرح المرشح غلام حداد عادل على تلفزيون الدولة قبل انسحابه من سباق الرئاسة يوم أمس: «فقط في اليوم الذي يفقد فيه الأميركيون الأمل في نجاح كل المخططات سواء الحرب العسكرية أو الاقتصادية، سنتمكن من إجراء محادثات قائمة على المنطق». ويقول محللون إن كلمة «المنطق» هي شفرة تعني قبول الموقف الإيراني الذي يؤكد على «حق» الدولة في تخصيب اليورانيوم من دون قيود.

ويعد روحاني، وهو حليف مقرب من آية الله هاشمي رفسنجاني، واحدا من بضعة سياسيين بارزين يقترحون تحسين العلاقات مع العالم الخارجي. وقد عرض في مناظرة تلفزيونية بين مرشحين رئاسيين يوم الجمعة تنبيها أشار فيه إلى أن تعليق تخصيب اليورانيوم عام 2004 كان تحت ضغط من القيادة أي المرشد الأعلى مما يعني أنه وافق على هذا الأمر. ومع ذلك يشير الكثير من المحللين إلى عاملين أساسيين يمنعان اتخاذ أي موقف مرن وهما الدعم الشعبي الكبير لمشروع إيران النووي، والأهم من ذلك هو رغبة آية الله خامنئي. وقال حميد رضا تراغي، وهو محلل مقرب من المؤسسة الحاكمة: «شعبنا هو الذي لا يسمح للمرشحين بالحديث عن أي مساومات أو حلول وسط. كذلك يؤكد المرشد الأعلى أنه لا مجال لأي تسوية تتعلق بالملف النووي». وأقر خامنئي في خطاب يوم الثلاثاء الماضي بأن إيران كانت تعاني من مشكلات اقتصادية، لكنه أكد أن أي شخص يظن أن إرضاء الدول الغربية هو الحل مخطئ.

* خدمة «نيويورك تايمز»