الرئيس اللبناني يدعو حزب الله والسفارة الإيرانية لتسهيل التحقيق في مقتل السلمان

جنبلاط والحريري يستنكران.. وشخصيات شيعية: الحادثة «رسالة تأديبية»

TT

وضعت شخصيات شيعية لبنانية، مناوئة لحزب الله، حادثة مقتل مسؤول الهيئة الطلابية في تيار الانتماء اللبناني هاشم السلمان أمام السفارة الإيرانية، بعد إطلاق النار عليه، إثر هجوم نفذه عناصر حزب الله بالعصي لمنع الاعتصام، في إطار «رسالة تأديبية» يوجهها الحزب إلى كل من يتجرأ على إبداء اعتراضه حيال تدخله في القتال في سوريا.

وتيار الانتماء، حزب لبناني يرأسه أحمد الأسعد، نجل رئيس المجلس النيابي اللبناني الراحل أحمد الأسعد.

وفي حين التزم كل من حزب الله والسفارة الإيرانية الصمت تجاه الحادثة، طلب الرئيس اللبناني ميشال سليمان، خلال اتصالات أجراها مع مدعي عام التمييز بالتكليف القاضي سمير حمود ومسؤولين أمنيين، «العمل بسرعة على كشف ملابسات الحادثة والقبض على الفاعلين والمحرضين». ووجه سليمان رسالة مباشرة إلى حزب الله والسفارة الإيرانية، إذ شدد على «ضرورة تعاون المواطنين وأحزاب المنطقة وخصوصا «حزب الله» والسفارة الإيرانية لتسهيل مهمة الأجهزة المختصة في كشف كل التفاصيل والملابسات وتبيان حقيقة ما حصل وكيفية حصوله منعا لتكرار حوادث مماثلة».

وشيعت بلدة عدلون، جنوب لبنان، الشاب هشام سلمان، بعد ظهر أمس، وأكدت عائلته أنه لم يصدر عنها أي بيان يحمل الأسعد مسؤولية دم ابنها، إثر تداول وسائل الإعلام اللبنانية بيانا موقعا باسم عائلة آل سلمان في بلدات عدلون ومركبا والعاقبية ودردغيا، اتهم الأسعد أنه «يغرر ببعض شبابنا ليجرهم إلى نهجه الصهيوني - الأميركي».

وانتقد ناشطون كثيرون على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حادثة إطلاق النار أمام سفارة دولة أجنبية، خصوصا أن اعتصامات عدة سبق أن نظمت أمام سفارات أجنبية من دون أن تحصل «ضربة كف». كما طالت انتقادات أخرى إحجام بعض القنوات التلفزيونية عن تصوير ما حدث رغم وجودها في مكان الاعتصام.

وكان مناصرو حزب الله قد هاجموا ظهر الأحد اعتصاما سلميا لمؤيدي تيار الانتماء اللبناني، وانهالوا عليهم بالضرب بالعصي، مما أدى إلى سقوط 11 جريحا، وما لبث أحدهم أن فارق الحياة. وذكرت قناة «الجديد» التلفزيونية أمس أن «المسلحين منعوا بالقوة والتهديد المصورين الموجودين في محيط السفارة من تصوير الاعتداء على المتظاهرين».

وبدا واضحا التباين الكبير بردود الفعل «الشيعية» بين من حمل بشدة على «مقتل شاب شيعي برصاص حزب الله» ومن اكتفى بتحميل المسؤولية لتحرك الأسعد «الاستفزازي». وقال الوزير السابق إبراهيم شمس الدين، نجل رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما حدث سيء جدا ومدان، إذ إنه عبارة عن عملية قتل مباشر من جهة قوية على جهة أقل قوة أو ضعيفة». وأشار إلى أن «الرواية كما وصلتنا لا تترك مجالا للشك بأن إطلاق النار كان مباشرا»، معتبرا أن «الجهة التي قامت بهذا العمل العدواني جهة حزبية مكشوفة الهوية، وإن كانت تحمل تمويها مفضوحا».

وحمل شمس الدين بقوة على «منع مجموعة من الشيعة مجموعة أخرى تنتمي للطائفة نفسها من الاعتراض، فيما تحصل اعتراضات مماثلة من أطراف أخرى، عدا عن أن جهات قريبة من إطلاق النار (في إشارة لأهالي المخطوفين في أعزاز) يعتصمون أمام السفارات، ومن هنا نفهم سبب الرد القاتل». وانتقد «محاولة السفارة المعنية أن تعطي هالة لنفسها، بمعنى أنه لا يمكن لأحد الاقتراب منها والاعتراض مدنيا».

وفي حين سأل شمس الدين: «إذا كان الحزب قويا لدرجة إرسال ثوار إلى ما وراء الحدود لماذا سيخاف من عشرينات من الأشخاص»، شدد على أنه لا يمكن لحزب الله أن «يخلق حالة بتر في التعبير أو أن تصبح الطائفة الشيعية عقيمة أو عاقرة»، وإن كان هناك ثمة نوع من «وجوم» عام. وأكد أنه «مهما فعل الحزب سيبقى هناك أفراد، على الأقل، وأنا واحد منهم، يعبرون عن أفكارهم لأنه ليس بمقدور أي جهة أن ترغمهم على شيء».

وفي الإطار ذاته، وصف الكاتب والناشط والسياسي لقمان سليم لـ«الشرق الأوسط» ما جرى بأنه «رسالة تأديبية، من قبل حزب الله، لكل معترض، بالهراوة والمسدس»، وقال إنه «يعبر عن القدسية التي يوليها حزب الله لمبنى السفارة الإيرانية، من دون سواها».

وأضاف سليم: «لا أقول إن ما جرى سيكون فاتحة للمزيد من التحركات الميدانية لكنه حكما يذكر اللبنانيين عموما والشيعة خصوصا أن حزب الله لا يتورع عن غمس سلاحه في دمائهم جميعا»، معتبرا أنه «بعد السنة والدروز (أحداث 7 مايو 2008) ها هو يستعيد تقليدا قديما بغمس سلاحه في الدم الشيعي». وذكر بأن حزب الله «لم يفرض هيمنته على الطائفة الشيعية في بداياته إلا من خلال تصفية نخبها»، لافتا إلى أنه «يبدو أن الحزب اليوم في خشية عارمة من صعود التململ».

وأعرب سليم عن اعتقاده أن «ما حصل لم يكن وليد ساعته»، مستندا إلى منع القنوات التلفزيونية التي كانت موجودة في الاعتصام من التصوير. وفي موازاة إشارته إلى أن «ما جرى - بصرف النظر عن الجهة التي دعت للاعتصام - حلقة في سلسلة طويلة من استهانة حزب الله بالقوانين اللبنانية والدولية»، مستدلا في ذلك على رفض الحزب تسليم عناصره المتهمين باغتيال (رئيس الوزراء الأسبق) رفيق الحريري، وتسليم المتهم بمحاولة اغتيال النائب بطرس حرب.

في المقابل، قلل الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير من إمكانية تطور تداعيات هذه الحادثة. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التباين على الساحة الشيعية موجود قبل هذا الاعتداء، وإن كان الأخير أسهم في إظهاره أكثر، لكن ثمة شخصيات وقوى شيعية تعارض مشاركة حزب الله في سوريا، الأسعد واحد منهم، رغم أنه يبدي اعتراضه على أداء الحزب في ملفات أخرى كثيرة».

سياسيا، استنكر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في اتصال بالأسعد «الاعتداء الذي نظمته جهات تابعة لحزب الله قرب السفارة الإيرانية»، مؤكدا أن «اللبنانيين يرفضون أساليب التهويل والترهيب على أصحاب الرأي، ولن يرتضوا بالتأكيد أن تكون مناطق حزب الله محميات أمنية على الطريقة الإيرانية»، وفق بيان صادر عن مكتبه الإعلامي.

وقال رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، في موقفه الأسبوعي، إن «ما حصل في محيط السفارة الإيرانية وأدى إلى مقتل أحد المتظاهرين هو موضع شجبنا واستنكارنا الشديد. فعدا عن الطريقة البربرية التي حصل فيها الاعتداء من خلال استخدام العصي والهراوات كما كان يحصل في القرون الغابرة، فإنه يطرح علامات استفهام كبرى حول أهدافه ومراميه، إذ لا يجوز التعرض لحرية التجمع والتعبير وإلغاء الصوت المناهض الذي يملك موقفا لا يتفق مع موقف هذا الطرف أو ذاك».

ودعا جنبلاط إلى استكمال التحقيقات في قضية مقتل السلمان «الذي قضى بعد تعرضه للضرب من عناصر مجهولة معلومة، فإما أن تكون من الحرس الثوري الإيراني وإما من يدور في هذا الفلك، ومعاقبة المرتكبين».