واشنطن تلاحق سنودن المختفي في هونغ كونغ.. وروسيا تعرض منحه اللجوء

وفد أميركي إلى المقاطعة الصينية لطلب تسلم مسرب برنامج مراقبة الاتصالات

صحافيون ينتظرون أمس خارج فندق «ميرا» الذي كان ينزل فيه سنودن وغادره الاثنين (أ.ب)
TT

قالت مصادر أميركية إن وفدا قانونيا تابعا لوزارة العدل يعتزم التوجه إلى هونغ كونغ، حاملا طلبا رسميا بتسلم إدوارد سنودن، الذي كان يعمل لحساب شركة خاصة متعاقدة مع «وكالة الأمن القومي» الأميركي، ويعتقد أنه كان وراء الكشف عن البرنامج الأميركي لمراقبة الاتصالات على الإنترنت. وأضافت المصادر أن وزارة العدل ستستعجل إجراءاتها، خصوصا بعد ورود أنباء عن اختفاء سنودن من الفندق، الذي كان يقيم فيه في هونغ كونغ، وأنه ربما انتقل إلى الصين حيث يتوقع أن يحظى بحماية أكثر.

وكان سنودن قد كشف عن هويته لصحيفة «غارديان» البريطانية، الأحد الماضي. وقالت المصادر إن الوفد القانوني الأميركي سيحمل ملفات عن التسريب الذي يشتبه في وقوف سنودن وراءه، وعن اتفاقيات وبروتوكولات تبادل المطلوبين الموقعة بين الجانبين، عندما كان هونغ كونغ مستعمرة بريطانية. ولم تستبعد مصادر إخبارية أميركية لجوء الصين إلى استخدام قضية سنودن سلاحا في صراعها مع الولايات المتحدة، خاصة أن الأميركيين ظلوا ينتقدون الصينيين بأنهم يتجسسون عليهم، بينما كشف سنودون أن الحكومة الأميركية ظلت تتجسس على مواطنيها لسنوات طويلة بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

وبينما رفض البيت الأبيض التعليق بشكل فوري على تكشف هوية المسرب المفترض للمعلومات، شن قادة في الكونغرس هجمات عنيفة عليه، واتهموه بالخيانة الوطنية، وبإلحاق أضرار كثيرة بالأمن الأميركي. ورفضت السيناتور الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا، ديان فاينستاين، ورئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، الحديث عن تفاصيل، لكنها قالت إن السلطات الأميركية تتعقب الرجل. وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية: «تتحرك كل الأجهزة الحكومية بشكل حازم». وقالت إن ما قام به سنودن يعتبر «خيانة».

وطالب مسؤولون سياسيون من مختلف الانتماءات بتسليم سنودن سريعا، كما أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» أن الرأي العام يعلق أهمية أكبر على التحقيق حول أي تهديدات إرهابية ممكنة منه على حماية الخصوصية الفردية.

وقال السيناتور الديمقراطي عن ولاية فلوريدا بيل نيلسون إنه يجب أن توجه إلى سنودن تهمة الخيانة. وقال نيلسون: «لا أعتقد أن الأمر يتعلق بمجرد تسريب معلومات. إنها خيانة. لقد أخذ معلومات سرية للغاية وقام بنشرها بشكل مباشر، يجب أن يلاحق بموجب القضاء».

وأشار السيناتور الجمهوري ليندساي غراهام إلى ضرورة «ملاحقة سنودن حتى أقاصي الأرض لإحضاره أمام القضاء». من جهته، قال رئيس وكالات الاستخبارات الأميركية جيمس كلابر إن ما قام به سنودن أضر بشكل بالغ بأمن الولايات المتحدة، وأحال القضية إلى القضاء الذي بدأ تحقيقا في الأمر.

ورفض البيت الأبيض التعليق على المسألة مبررا ذلك بالتحقيق الحالي. إلا أن متحدثا أكد أن كلابر سيجري تقييما للأضرار التي يمكن أن تكون نجمت عن تسريب المعلومات، وأكد أنه تم إطلاع الرئيس باراك أوباما على الوضع خلال عطلة نهاية الأسبوع. وقال سنودن لصحيفة «غارديان» إنه يأمل بالحصول على اللجوء السياسي إلى آيسلندا، إلا أن مسؤول هيئة الهجرة في آيسلندا نفى الحصول على أي طلب رسمي باللجوء، وذكّر بضرورة أن يكون سنودن على أرض آيسلندية ليحق له التقدم بمثل هذا الطلب.

ومن جانبه، أعلن الناطق الرسمي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن بإمكان روسيا النظر طلب منح اللجوء السياسي إلى إدوارد سنودن في حال تقديمه مثل هذا الطلب. ودعا نواب روس بارزون أيضا إلى منح سنودن حق اللجوء.

وسرت تكهنات عدة، أول من أمس (الاثنين)، حول ما سيكون عليه موقف هونغ كونغ، في حال طالبت واشنطن بتسليمها سنودن، وانقسم المحللون حول ما إذا كان المسؤولون الصينيون سيتدخلون في القضية أم لا. كما سلطت القضية الأضواء على استخدام الولايات المتحدة لمتعاقدين من الخارج لأعمال استخبارات حساسة. وسنودن كان موظفا سابقا في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) قبل أن يعمل لدى «بوز ألن هاملتون» الخاصة.

ووجه مؤيدو سنودن، وعددهم كبير، انتقادات شديدة على الإنترنت للحكومة الأميركية ولعمالقة الإنترنت، الذين ساعدوها في التجسس. ودافع سنودن عن عمله قائلا إنه كان بدافع حماية الحرية. وقال سنودن في مقابلة مع «غارديان» إن «دافعي الوحيد كان إطلاع الناس على ما يتم ارتكابه باسمهم وفي حقهم». وأضاف أنه اضطر إلى القيام بذلك «لأنه لم يكن بوسعه ترك الحكومة الأميركية تقضي على الخصوصية والحرية على الإنترنت والحقوق الأساسية للمستخدمين في العالم، من خلال ماكينة المراقبة العملاقة التي تبنيها سرا».

وفرّ سنودن إلى هونغ كونغ في 20 مايو (أيار) بعد أن نسخ كل الوثائق التي أراد نشرها في مكتب وكالة الأمن القومي في هاواي، بحسب «غارديان». وكان سنودن حاول في 2004 الالتحاق بالقوات الخاصة في الجيش الأميركي لكنه فشل. وقال الكولونيل ديفيد باترسون أحد المتحدثين باسم الجيش الأميركي أمام البنتاغون: «لقد حاول التأهل ليكون بين القوات الخاصة، لكنه لم يكمل التدريب المطلوب وتم تسريحه إداريا من الجيش».

ورفضت القنصلية الأميركية في هونغ كونغ ومكتب الأمن في هونغ كونغ التعليق على القضية، إلا أن المسؤولة السابقة عن أمن هونغ كونغ ريجينا ايب، أوضحت أن «على إدارة المدينة الالتزام باتفاقاتها مع الولايات المتحدة، التي تشمل ترحيل لاجئين».

من جهة أخرى، نصح جوليان أسانج (مؤسس موقع «ويكيليكس» الذي يقيم في سفارة الإكوادور في لندن لتفادي تسليمه إلى السويد) سنودن بطلب اللجوء إلى أميركا اللاتينية بدل آيسلندا. وقال أسانج لشبكة «سي إن إن»: «أنصحه بشدة بأن يقصد أميركا اللاتينية فهي أظهرت بالفعل في السنوات الأخيرة أنها تدافع بشكل أكبر عن حقوق الإنسان، كما أنها معروفة بمنح اللجوء السياسي».

وبإمكان وكالة الأمن القومي، بموجب برنامج «بريزم»، الذي كشفه سنودن أن تصدر أوامر لشركات إنترنت مثل «غوغل» أو «فيس بوك» للسماح لها بالدخول إلى بريد إلكتروني أو دردشات أو صور أو ملفات أو تسجيلات فيديو يقوم مستخدمون مقيمون خارج الولايات المتحدة بتحميلها.

إلى ذلك، كشفت سويسرا أمس عن أنها طلبت من الولايات المتحدة توضيحات عما تردد من قيام وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) بالتجسس على البنوك السويسرية بعد المعلومات التي كشف عنها سنودن. وصرحت وزارة الخارجية السويسرية لوكالة الصحافة الفرنسية بأنها على علم بالأنباء التي تناقلها الإعلام حول القضية وأرسلت رسالة دبلوماسية إلى السفارة الأميركية في العاصمة برن تطلب فيها «توضيحات». وأكدت الوزارة كذلك على أن سنودن كان يحمل صفة الملحق الدبلوماسي في البعثة الأميركية الدائمة للأمم المتحدة في جنيف في الفترة من مارس (آذار) 2007 حتى فبراير (شباط) 2009. وقالت الوزارة إن «دور أعضاء البعثة الدائمين في جنيف هو تمثيل بلادهم في المنظمات الدولية التي مقرها في سويسرا». وأضافت أنه «طبقا لميثاق جنيف الخاص بالعلاقات الدبلوماسية، فإن سويسرا تتوقع من أفراد البعثات الدبلوماسية في برن والبعثات الدائمة في جنيف احترام قوانين وأنظمة البلاد».

وكان سنودن قال خلال كشفه عن برنامج بريزم، إن أول مرة فكر فيها في الكشف عن المعلومات التي يعرفها كانت في جنيف، حيث كان عمله الدبلوماسي غطاء لعمله في جهاز الاستخبارات الأميركي. وقال لصحيفة الـ«غارديان»: «معظم ما شاهدته في جنيف تسبب لي بحيرة حول الطريقة التي تعمل بها حكومتي وتأثيرها على العالم، وأدركت أنني جزء من شيء يضر أكثر بكثير مما ينفع». وتحدث سنودن عن عملية قام بها أحد العملاء بمصادقة مصرفي وجعله يثمل حتى يتم إيقافه وهو يقود في حالة سكر ومن ثم مساعدته على تجنب الملاحقة القضائية. ومقابل ذلك فقد قام ذلك المصرفي بالتجسس على بنوك سويسرية للحصول على معلومات لصالح سلطات الضرائب الأميركية حول الأموال التي يودعها أميركيون في الخارج. وتدور تكهنات واسعة في الإعلام السويسري حول هوية المصرفي.