الشرطة التركية تسيطر على ساحة «تقسيم».. والمحتجون ما زالوا في متنزه «جيزي»

هدوء حذر في إسطنبول بعد يوم من المواجهات العنيفة

إحدى المحتجات التركيات تغطي ظهرها بالعلم التركي مع رفاقها في مواجهة الشرطة بمتنزه «جيزي» قرب ساحة «تقسيم» بإسطنبول أمس (إ.ب.أ)
TT

عقب ليلة جديدة من العنف، انتشرت الشرطة التركية أمس مجددا على أطراف ميدان «تقسيم» في إسطنبول. وذكر شهود عيان لوكالة الأنباء الألمانية، أن الأوضاع هادئة في الميدان حاليا. ولا يزال المتظاهرون موجودين داخل خيامهم في متنزه «جيزي» المجاور، الذي أصبح رمزا للحركة الاحتجاجية التركية.

وفي الساعات الأولى لصباح أول من أمس، وصل عناصر الشرطة التركية مقنعين ومسلحين بالهراوات فيما كان المتظاهرون غارقين في النوم بالخيام التي نصبوها بحديقة «جيزي» وساحة «تقسيم»، ليستفيقوا على قنابل الغاز المسيل للدموع التي أخبرتهم بأن الهجوم قد بدأ. لا أحد كان يعلم أنه بعد سبع عشرة ساعة ستكون ساحة «تقسيم» وجوارها ساحة للمواجهات. ففي الساعة 7.30 صباحا، حسب التوقيت المحلي في إسطنبول، انتشر عناصر الشرطة بالمئات عند طرفي الساحة بعد أن تغيبوا عنها منذ أسبوع. لكنهم عادوا عشية لقاء مرتقب بين رئيس الحكومة الإسلامية المحافظة رجب جيب أردوغان وممثلين عن الحركة الاحتجاجية بعد اثني عشر يوما من الأزمة السياسية.

وقد اجتاح عناصر الشرطة مركز أتاتورك الثقافي القديم، وهو مبنى أسود أشبه بشاهد قبر عملاق، وانتزعوا منه عشرات اللافتات والصور التي كانت ملصقة على واجهته. وعلى بعد عشرات الأمتار من أشجار حديقة «جيزي» حيث بدأ كل شيء في 31 مايو (أيار) الماضي، بدا المتظاهرون في حالة إعياء تملأ الدموع عيونهم، فيما كانت نظرات البعض تائهة في حالة ضياع.

وصرخ يلماظ (23 عاما): «أترون ذلك؟ يهاجموننا بعد أن أعلنوا أنه (أردوغان) سيلتقينا غدا (أمس) للنقاش؟ أي رئيس حكومة هذا؟». وأضاف: «لن نترك حديقة (جيزي)، بإمكانهم إرسال مئات آخرين من رجال الشرطة»، قبل أن يهزأ من خراطيم المياه: «ليقذفونا بالمياه، هذا أمر حسن بالنسبة لي لأنني لم أستحم منذ ثلاثة أيام»، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.

وفي وسط الساحة أتى متظاهرون لاستفزاز الشرطة. ومع رشق أول زجاجات جعة أو حجارة انهالت عليهم القنابل المسيلة للدموع ليغطي دخانها سماء إسطنبول الصافية. كما قام بعض عناصر الشرطة برشق الحجارة بدورهم. وفي أقل من ساعتين استعادت الشرطة سيطرتها الكاملة على الساحة، لكنها لم تسع إلى اجتياح حديقة «جيزي» المجاورة. ويسيطر عناصر الشرطة على كل المنافذ المؤدية إليها، كما أزالوا في وقت قياسي أطنانا من الحواجز والحجارة والكتل الإسمنتية بواسطة جرافات البلدية.

وأكد حاكم إسطنبول حسين عوني متلو على موقع «تويتر» أن هدف العملية لم يكن طرد المتظاهرين من الحديقة.

وعلى جانب من الساحة وقعت أعنف المعارك بين عشرات المتظاهرين والحرس المتحرك. وتم رمي قنابل مولوتوف أعدت مسبقا على آلية مصفحة، فتصاعد دخان أسود لكن سرعان ما تبدد مع إطلاق القنابل الدخانية التي ينبعث منها دخان أبيض، والقنابل المسيلة للدموع.

وفي محيط الحديقة اشتد التوتر بين أنصار المواجهة مع الشرطة وأولئك الذين يفضلون الانتظار سلميا. وقالت شابة ترتدي قميص «تي شيرت» لمجموعة يسارية متطرفة: «تبقون هنا من دون أن تفعلوا شيئا، ليس لديكم كرامة». وتجيبها سيدة أخرى قائلة: «حافظوا على الهدوء. هذا بالتحديد ما تريده السلطة». وعند ظهر أمس انتهت عملية استعادة الساحة. لكن عند أطرافها سعى عشرات المتظاهرين طوال بعد الظهر إلى مناوشة عناصر الشرطة. وهؤلاء الأخيرون يقفون هادئين بحماية الآليات المصفحة ويطلقون بين الحين والآخر قنابل مسيلة للدموع لتفريق الشبان. وبعد عشر ساعات من إطلاق الهجوم، أول من أمس، بات رجال الشرطة أسيادا على ساحة «تقسيم» عندما انسحبوا فجأة قرب مركز أتاتورك الثقافي. وهذا ما كان يتمناه المتظاهرون الذين عادوا بقوة إلى الساحة، ليجتاح عشرات الآلاف منهم على وقع الأغاني والتلويح بالأعلام حديقة «جيزي» وساحة «تقسيم» أمام عشر شاحنات ومئات الشرطيين. وعادت «تقسيم» من جديد للمتظاهرين، لكن ليس لفترة طويلة. فبعد أقل من ساعة أخلى عناصر الشرطة الساحة للمرة الثانية وبعنف مضاعف. وفي أقل من دقيقة خلت الساحة من المحتجين لينتشر فيها الشرطيون وكذلك أمام حديقة «جيزي» التي لم تنج من الغاز المسيل للدموع.

إلى ذلك انتشرت وحدات من الشرطة في الشوارع المجاورة. وتعرض شاب متظاهر لركل رجال الشرطة الذين ما لبثوا أن تركوه يرحل عندما رأوا مجموعة من الصحافيين.

وتحولت حديقة «جيزي» إلى مستشفى ميداني. وتدفق نحوها العديد من الجرحى إلى أحد المراكز الأربعة لتقديم الإسعافات الأولية تحت إشراف المتظاهرين. ووصول جرحى في «حالة طارئة» محمولين على نقالات أعدت عشوائيا، يعلن بإطلاق صفارة.

وفي أحد هذه المراكز، يعلن ناشط بواسطة مكبر للصوت: «عثر على طفل بمفرده، باستطاعة أهله أن يجدوه أمام فندق (ديفان)» القريب.

وأوضحت ممرضة متطوعة طلبت عدم كشف اسمها: «خلال الساعة الأخيرة، مر نحو 25 جريحا في مركزنا قبل نقلهم بسيارة إسعاف إلى المستشفيات». وأوضحت أن «معظمهم مصابون بحروق، وهناك أشخاص أصيبوا بقنابل مسيلة للدموع في الرأس أو أماكن أخرى من الجسم، وأشخاص سقطوا أرضا وأصيبوا بكسور، كما أن هناك حالات ربو»، مضيفة: «هنا نكتفي بالإسعافات الأولية، ونكتفي بوقف حالات النزف، ونرسل إلى المستشفى».