السلطات الجزائرية تنشر صور بوتفليقة لأول مرة منذ سفره للعلاج في فرنسا

قادة تكتل «الجزائر الخضراء»: الحديث عن مرشحين للانتخابات الرئاسية أمر سابق لأوانه

صورة بثتها وكالة الأنباء الجزائرية أمس للرئيس بوتفليقة، في المستشفى الذي يعالج فيه بباريس (وأج)
TT

اتهم 14 حزبا جزائريا معارضا سلطات البلاد بـ«احتكار المعلومات الصحيحة» بخصوص تطورات مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي ظهر أمس في صور نشرتها وكالة الأنباء الجزائرية لأول مرة منذ نقله إلى العلاج في فرنسا.

وذكرت أحزاب المعارضة في بيان أمس، بعد اجتماع عقدته بمقر حزب العدل والبيان بالعاصمة، أنها «ترفض الاستمرار في التعامل الغامض مع ملف صحة الرئيس بسبب ما حملته التصريحات الأخيرة من تناقضات تزيد من حالة الشك والريبة، وتفتح المجال واسعا أمام الإشاعات مما يزيد من حالة الاحتقان الشعبي»، وذلك في إشارة إلى نشرة طبية أصدرتها رئاسة الجمهورية أول من أمس، تتحدث عن «دخول الرئيس في فترة تأهيل وظيفي». وفهم من ذلك أن وظائف الرئيس تأثرت بسبب الجلطة الدماغية التي تعرض لها في 27 أبريل (نيسان) الماضي.

وأوضح البيان أن المعارضة تدعو إلى «الخروج من حالة الانحباس في مرض الرئيس، والانتقال إلى مناقشة القضايا الهامة استعدادا للاستحقاقات السياسية المقبلة، بما يوفر أجواء أكثر ملاءمة لتحقيق سيادة الشعب والتداول السلمي على السلطة». ويوجد ضمن مجموعة الأحزاب المعارضة، الحزبان الإسلاميان «حركة مجتمع السلم» و«حركة النهضة»، زيادة على أحزاب صغيرة نشأت في 2011 على خلفية قرار السلطات إلغاء حظر إنشاء الأحزاب منذ 1999.

وكشفت الأحزاب الـ14 عن التحضير لـ«أرضية سياسية» بهدف «الخروج من هذا الوضع». وقالت إنها ستعرضها على «الفاعلين في البلاد من أجل تحقيق مزيد من التوافق الوطني، بما يتيح للجزائريين حرية اختيار النظام الذي يناسب تطلعاته في التنمية والاستقرار».

وبثت وكالة الأنباء الرسمية أمس مجموعة من الصور، يظهر فيها الرئيس بوتفليقة مع الوزير الأول عبد المالك سلال ورئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، اللذان زاراه أول من أمس بالمستشفى الذي يعالج فيه بباريس. وصرح سلال للوكالة الرسمية أنه قدم برفقة الضابط العسكري الكبير «عرضا شاملا عن الوضع السائد في البلاد لرئيس الجمهورية الذي يتماثل للشفاء بعد إصابته بجلطة دماغية». ودام اللقاء ساعتين، حسب الوكالة، «حيث قدم المسؤولان الساميان لرئيس الجمهورية عرضا شاملا عن الوضع السائد في البلاد، في ما يخص نشاطات الحكومة والوضع السياسي والأمني».

ونقلت عن سلال قوله إن بوتفليقة «تجاوب بشكل جيد مع العلاج، وحالته الصحية تبدو جيدة»، مشيرا إلى أنه «أعطى تعليمات وتوجيهات» تخص كل مجالات النشاط، لا سيما في ما يتعلق بالتحضيرات المتعلقة بتموين الأسواق خلال شهر رمضان المقبل». وأضاف سلال: «لقد وجدت الرئيس في صحة جيدة، رغم أنه ما زال في فترة نقاهة».

ونشرت الرئاسة مساء أول من أمس تقريرا طبيا عن حالة الرئيس يعتبر الأول من نوعه، جاء فيه أن الرئيس «دخل في فترة تأهيل وظيفي بعد الإصابة بجلطة في الدماغ». ولم يوضح التقرير إن كان بوتفليقة قادرا على مواصلة مهامه، وهي قضية تثير حاليا جدلا كبيرا في الجزائر.

وعلى صعيد ذي صلة، اتفق قادة تكتل «الجزائر الخضراء»، وهو تكتل يضم ثلاثة أحزاب إسلامية معارضة، على أن الحديث عن أسماء تنافس على منصب الرئيس خلال الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل أمر سابق لأوانه، وأن الذي يجري حاليا لا يخرج عن نطاق إجراء مشاورات مع مختلف أطياف الطبقة السياسية، في محاولة لقراءة المشهد السياسي قراءة واضحة، في ظل الغموض الذي يلف هذا المشهد بسبب مرض الرئيس بوتفليقة.

وقال عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم لـ«الشرق الوسط» إن «حزبه شرع منذ يومين في سلسلة مشاورات مع مختلف التشكيلات السياسية، بهدف قراءة المشهد السياسي قراءة واضحة». وأشار إلى أنه «التقى أول من أمس مع عبد الله جاب الله زعيم حركة العدالة والتنمية (حزب إسلامي)، كما جمعه لقاء آخر أمس مع قيادة حزب جبهة القوى الاشتراكية» (أقدم حزب سياسي معارض)، وأوضح أن «هذه المشاورات ستشمل كل الأحزاب السياسية دون استثناء، ولا تقصر على الأحزاب الإسلامية فقط أو الأحزاب المنضوية تحت لواء تكتل الجزائر الخضراء»، وتتوسع العملية أيضا لتشمل شخصيات مستقلة، على غرار أحمد بن بيتور رئيس الحكومة الأسبق، الذي أعلن ترشحه مبكرا للانتخابات الرئاسية المقبلة، وعلي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق ومرشح رئاسيات 2004.

وأوضح مقري بأن حركته «لم تصل بعد إلى مرحلة بناء توجهات، ولا يوجد أي شيء متفق عليه بشأن المرحلة المقبلة»، وأن «كل ما يحدث الآن هو مجرد مشاورات من أجل قراءة المشهد السياسي قراءة واضحة».

وأشار زعيم حركة مجتمع السلم إلى أن «مرض الرئيس بوتفليقة خلق نوعا من الغموض بشأن الموعد الرئاسي المقبل»، ومما زاد هذا الغموض برأيه هو «تصريح الرئاسة أول من أمس بأن الرئيس في حالة مرضية، وأنه يخضع لعملية تأهيل وظيفي، وهو ما عمق الغموض أكثر من ذي قبل، خصوصا أن الرئيس لم يظهر عبر التلفزيون الرسمي خلال استقباله للوزير الأول سلال وقائد الأركان قايد صالح».

وأشار مقري إلى أن «السلطة تسعى من وراء الغموض إلى التحضير للمرحلة المقبلة، وترتيب الأوضاع في غرف مغلقة، وهذا الأمر لا يحقق المصلحة العامة ولا ينفع البلد».

من جانبه كشف جهيد يونسي رئيس حركة الإصلاح الوطني (حزب إسلامي معارض) لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك مشاورات داخل الحركة بخصوص الموعد الرئاسي المقبل»، لكنه قال: «لم نصل بعد إلى بلورة موقف واضح تجاه الرئاسيات المقبلة، لأن الحركة لا تزال في مرحلة ترقب وتشاور مع مفردات الطبقة السياسية بمختلف أشكالها حول هذا الموضوع الكبير.

وبرأي يونسي فإن «مرض الرئيس جعل من الرئاسيات المقبلة ملفا غامضا، فالكل يترقب ما سيؤول إليه مرض الرئيس»، وأضاف: «مرض الرئيس أدخل الطبقة السياسية في شبه أزمة، والكل يتساءل هل بإمكان بوتفليقة إكمال عهدته أم لا».

وكشف يونسي أن «الحديث عن أسماء مرشحة لخوض غمار الرئاسيات المقبلة غير مطروح حاليا». وعلى مستوى حركة النهضة يقول: «حينما نجمع المعطيات الكافية وتتضح الأمور سنعرض الأمر على مجلس الشورى وهو يتخذ الموقف والقرار المناسب».

أما الدكتور فاتح ربيعي رئيس حركة النهضة (حزب إسلامي معارض)، فأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «حركة النهضة لديها شخصيات مؤهلة لتنافس على هذا المنصب، ونفس الشيء بالنسبة إلى أحزاب أخرى، تملك أسماء لها القدرة أيضا على المنافسة على منصب رئيس الجمهورية»، لكن ربيعي أشار إلى أن «هذه الخطوة هي خطوة متقدمة، لأن الجزائر تواجه تحديا كبيرا» يتعلق بـ«غلق العملية السياسية»، وتساءل: «ما فائدة أن تظهر الآن مترشحا وفي نهاية المطاف تجد أن الإدارة لا تزال هي المتحكمة في الانتخابات، وتجد أن السلطة لا تزال هي من تعين من تريد في هذا المنصب بعيدا عن إرادة الشعب؟».