صدمة في اليونان بعد إغلاق التلفزيون الرسمي

الحكومة تتحجج بغياب الشفافية وتبذير المال.. والأحزاب ترفض والنقابات تدعو لإضراب

يونانيون تظاهروا أمام مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية احتجاجا على القرار الحكومي بإغلاقها في أثينا أمس (أ.ب)
TT

أحدث قرار الحكومة اليونانية المفاجئ بوقف بث هيئة الإذاعة والتلفزيون «إي آر تي» الحكومية بحجة عدم شفافيتها وتورطها في تبذير المال العام، صدمة في البلاد؛ إذ تضامن الآلاف من أفراد الشعب من الموظفين الذين سيتم تسريحهم بسبب الإجراء، ودعت النقابات إلى إضراب عام اليوم الخميس.

كما أحدث قرار حكومة رئيس الوزراء أنتونيس ساماراس شرخا كبيرا داخل الائتلاف الحاكم؛ إذ أعلن الحزب الاشتراكي وحزب اليسار الديمقراطي (الشريكان الصغيران في الائتلاف) رفضهما للقرار، وأكدا أنهما لن يصوتا لصالحه عندما يعرض على البرلمان.

وذكرت الحكومة مساء أول من أمس أنها أقدمت على هذه الخطوة لأن هيئة الإذاعة والتلفزيون (إي آر تي) تتسم «بعدم الشفافية وتبذير المال العام»، مشيرة إلى أنه سيجري استبدال هيئة أخرى بها تكون تابعة للدولة لكن تحت إشراف إداري واقتصادي تابع للقطاع الخاص.

وأعلنت الحكومة عبر بيان مقتضب أمس عن إيداع مشروع قانون ينظم كل قطاع الإعلام المرئي والمسموع في البلاد ضمن كيان جديد أطلق عليه اسم «نيريت» بعد إغلاق الشبكة العامة «إي آر تي»، مشيرة إلى أن المشروع سيجري بحثه خلال اجتماع تعقده لجنة مشاريع القوانين. وينص مشروع القانون الذي ستبحثه الأحزاب الثلاثة المشاركة في الائتلاف الحكومي ثم يرفع إلى البرلمان من أجل اعتماده، على تشكيل «شركة مغفلة عامة تملكها الدولة» لكن «تكون لها منظمتها الإدارية والاقتصادية الخاصة وتحت إشراف الدولة». وتنص المادة الأولى من المشروع على أن «عمل الهيئة الجديدة للتلفزيون والإذاعة» اليونانية التي سيطلق عليها اسم «نيريت إس إيه» «ليس رهنا بالدولة»، وستملك «استقلالية في التحرير والبرامج».

ومن شأن إغلاق «إي آر تي» التي يعود تاريخها إلى الخمسينات، والمتهمة بممارسة المحسوبية السياسية، أن يؤدي إلى إقالة نحو 2700 موظف، بينهم 677 صحافيا.

وواصل موظفو شبكة التلفزيون العامة اليونانية برامجهم صباح أمس وتمكن الناس من متابعتها على الإنترنت وعلى قناة محلية للحزب الشيوعي، كما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.

وفور الإعلان عن قرار الإغلاق مساء الثلاثاء سارع آلاف الأشخاص إلى المقر الرئيسي للشبكة اليونانية في ضواحي شمال أثينا للتعبير عن دعمهم. ووصل الغضب بآخرين حد توجيه دعوات من أجل تنظيم وقفات احتجاجية أمام السفارات اليونانية في عواصم أوروبية مثل لندن وباريس.

وقال المتحدث باسم الحكومة سيموس كيديكوغلو مساء أول من أمس إن «إي آر تي» تمثل «حالة استثنائية لغياب الشفافية والنفقات غير المعقولة، وهذا الأمر ينتهي الآن». وجاء إعلانه هذا بعد أشهر من إضرابات متكررة يقوم بها الموظفون احتجاجا على خطط الإصلاح التي تطالب بها الترويكا الدائنة لليونان.

وتجمع نحو 500 شخص أمام فرع الشبكة في تسالونيكي (شمال اليونان)، فيما دعت نقابة الصحافيين بويسي إلى إضراب تضامني فوري في وسائل الإعلام الخاصة، وقالت إن «الحكومة مصممة على التضحية بالتلفزيون العام والإذاعة لتلبي طلب دائنيها». ودعت نقابتا موظفي القطاعين العام والخاص في اليونان أمس إلى إضراب عام لمدة 24 ساعة اليوم الخميس، وتجمع أمام مقر شبكة التلفزيون والإذاعة الرسمية «إي آر تي» في أثينا للاحتجاج على قرار الحكومة المفاجئ إغلاق المحطة الرسمية الوحيدة في البلاد.

وفيما توقف البث في أنحاء البلاد، عبر موظفون في أروقة المحطة عن دهشتهم، وقال الصحافي في «إي آر تي» بانتيليس غونوس: «هذه صدمة قوية. إننا نجري اتصالات مع مستشار قانوني ومنظمات إعلامية دولية».وأبقت «إي آر تي» على البث مع تدفق المزيد من المؤيدين إلى المقر الرئيسي للمحطة، لكن بعيد الساعة الحادية عشرة من ليل الثلاثاء - الأربعاء توقف بثها بعد أن عطلت الشرطة جهاز الإرسال الرئيسي قرب أثينا، بحسب مصدر نقابي.

وبحسب وكالة أنباء أثينا فإن عملية وقف أجهزة البث بدأت تدريجيا في أنحاء البلاد نحو الساعة السابعة من مساء الثلاثاء. وقال نيكوس روكوناكيس المهندس في المحطة منذ 30 عاما، إن «الشرطة توجهت إلى الجبل وقامت بوقف عمل موظفينا» الذين كانوا يشغلون أجهزة البث. ومع توقف البث أصدرت وزارة المالية بيانا قالت فيه إن الشبكة ألغيت. وأعلنت الحكومة أن جميع الموظفين البالغ عددهم حاليا 2655 سيتلقون تعويضا وستتاح لهم فرصة التقدم للعمل في الهيئة الجديدة.

وعبر شريكا حزب الديمقراطية الجديدة (حزب رئيس الوزراء) في الائتلاف الحكومي، عن معارضتهما لقرار الحكومة. وقال الحزب الاشتراكي باسوك: «نحن تماما ضد هذه القرارات وإدارة الحكومة لهذه القضية». أما حزب اليسار الديمقراطي ديمار فقال: «نجدد رفضنا الحازم لغلق (إي آر تي)». ويمكن أن يؤدي الخلاف داخل الائتلاف الحكومي إلى أزمة سياسية في التحالف الهش الحاكم في اليونان.

وقال ديميتريس باباديميتريو المدير العام لهيئة الإذاعة، وهو مؤلف موسيقي يوناني معروف، إنه حتى المجلس العسكري الذي كان حاكما في اليونان في 1967 وحتى 1974 لم يتخذ مثل هذه الخطوة. وقال: «مثل هذا الأمر لم يحصل أبدا في السابق، ولا حتى في ظل الديكتاتورية».

ويأتي الإعلان المفاجئ في وقت يزور أثينا مسؤولو ترويكا الدائنين من الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي. فقد بدأ ممثلون عن الترويكا الاثنين التدقيق الدوري في الحسابات لمعرفة مدى تقدم البلاد في تطبيق برنامج التقشف والإصلاحات الهيكلية. والإصلاحات المطلوبة من اليونان تشمل خفضا كبيرا لموظفي القطاع العام ودمج أو إغلاق منظمات حكومية. وشبكة «إي آر تي» هي بين المؤسسات الحكومية التي ينبغي إعادة هيكلتها أو دمجها بموجب الاتفاق الذي وقعته اليونان مع دائنيها.

من جانبه دعا اتحاد الإذاعات الأوروبية (إي بي يو) البلاد إلى العودة عن قرار الإغلاق، معتبرا أنه يشكل ضربة كبرى لاستقلالية الإعلام. وقال في بيان إن رئيس الاتحاد جان بول فيليبو ومديره العام انغريد ديلتنر وجها رسالة إلى رئيس الوزراء اليوناني أنتونيس ساماراس لحثه على «استخدام كل سلطاته فورا من أجل إلغاء هذا القرار».