أسباب فنية واهية ظلت تعرقل التقارب بين الكوريتين منذ عقود

انهيار آخر محاولة للمفاوضات بين البلدين بعد خلاف بروتوكولي حول مستوى التمثيل

عامل كوري جنوبي يرفع السجاد من فندق في سيول كان يفترض أن يجتمع فيها الوفدان الكوريان قبل إلغاء المحادثات أمس (ا.ف.ب)
TT

انهارت الخطط الهادفة لعقد ما كان من شأنه أن يصبح أرفع محادثات بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية خلال سنوات، ومعها الآمال بإعادة التقارب حول موضوع شبه الجزيرة الكورية المقسمة، وذلك بسبب قضية فنية ثانوية: من يقود الوفدين في المحادثات.

لكن هذه العقبة ليست الأولى من نوعها، فعلى مدى عقود من المواجهة بين الكوريتين، كان من الممكن حتى لأمر البروتوكول أن يتحول إلى صراع بالغ الحساسية على الكرامة. وجاء الخلاف الأخير حول مناصب قادة الوفدين كامتداد لصراع دام لعقود. وقال رئيس وزراء كوريا الجنوبية، تشونغ هونغ وون، أمام مجلس النواب شارحا أسباب الأزمة في النزاع مع كوريا الشمالية: «يجب أن نفكر في كرامة شعبنا».

خلال عقود من المحادثات حول الحدود، بالغ كل من الجانبين في المنافسة على البروتوكول والمظاهر، حيث إن قادة الجيش الكوري الشمالي كانوا يضيفون سرا بضع بوصات إلى أرجل المقاعد التي سيجلسون عليها حتى يبدو أطول من نظرائهم الأميركيين والكوريين الجنوبيين في الجهة المقابلة من الطاولة.

في لقاءات الحرب الباردة هذه عادة ما كان الجانبان يتبادلان الاتهامات والحجج، لكنهم في بعض الأحيان كانوا يلتزمون الصمت (في بعض الأحيان لمدة 11 ساعة ونصفا في جلسة واحدة عام 1969) متحدين الجانب الآخر على المبادرة بالحديث.

خلال المنافسة المعروفة على الكرامة في شبه الجزيرة الكورية، دخلت كوريا الشمالية والجنوبية في سباق حول من يرفع علم بلاده أعلى من الآخر على الحدود شديدة التحصين. وانتهت هذه المعركة بانتصار الشمال على الجنوب. واليوم يرتفع سارية علم كوريا الشمالية 500 قدم في السماء، متفوقة على سارية علم الجنوب الذي يرتفع بالكاد 200 قدم.

بدأ النزاع الأخير على الكرامة عندما اتفقت الكوريتان هذا الأسبوع على عقد حوار بين الحكومتين في سيول يبدأ الأربعاء (أمس)، لكن الجانبين لم يتفقا على قادة الوفدين. فقد ذكرت كوريا الجنوبية أنها سترسل نائب وزير الوحدة، كيم نام شيك لرئاسة الوفد في الاجتماع، فردت كوريا الشمالية قائلة إن كيم ليس مسؤولا رفيعا بما يكفي، وطالبت بمشاركة وزير شؤون التوحيد الكوري الجنوبي ريو كيهل جاي كرئيس للوفد. وردت كوريا الجنوبية بأن رئيس الوفد الكوري الشمالي المقترح كانغ جي يونغ، مدير سكرتارية لجنة التوحيد السلمي لكوريا، أدنى مرتبة من كيم.

وفشلت مفاوضات اللحظة الأخيرة للتسوية عندما تبادلات الكوريتان الاتهامات بجرح كرامة الأخرى. ومن ثم انسحبت كوريا الشمالية عشية المحادثات المخطط لها، متهمة جارتها الجنوبية بإهانتها، بحسب مسؤول كوري جنوبي.

ويبدو أنه من غير المتوقع محاولة الجانبين استئناف المفاوضات في وقت قريب. وقال مسؤول في كوريا الجنوبية إن بلاده لا تزال منفتحة على الحوار لكنها لا تنوي التواصل مع كوريا الشمالية بتقديم تنازل بشأن رئيس وفدها. وقال تشونغ، رئيس وزراء كوريا الجنوبية، إن حكومة بلاده لا تنوي الخضوع لمطلب كوريا الشمالية «المذل».

لم تصدر كوريا الشمالية أي بيان بشأن الأمر منذ انسحابها من المحادثات. لكنها لم ترد يوم أمس عندما أجرت كوريا الجنوبية مكالمات صيانة روتينية على خط الاتصال الساخن عبر الحدود.

واتهم منتقدون حكومة كوريا الجنوبية بإضاعة فرصة الحوار مع الشمال، وبأنها انخرطت بدلا عن ذلك في مشاحنات على قضايا البروتوكول. وكانت المحادثات التي تم التخطيط لها قد جددت الآمال بذوبان الجليد حول شبه الجزيرة بعد أشهر من التراشق اللفظي العدائي من الجانبين، كان بين بينها تهديدات الشمال بحرب نووية، لكن قادة كوريا الجنوبية قالوا: إن موقفهم الثابت عكس النهج الجديد للرئيسة بارك غيون هاي، التي شددت على «المبادئ» و«الثقة» في العلاقات مع الشمال وتعهدت بجعل الشمال يحترم المواثيق الدولية.وكان إحباط كوريا الجنوبية من الشمال قد تعمق بعد سحب بيونغ يانغ عمالها بشكل أحادي من مجمع صناعي كان يدار بصورة مشتركة في أبريل (نيسان) ملقيا باللائمة على التوترات العسكرية. واعتادت كوريا الشمالية، التي تعتمد على المساعدات الأجنبية وتصف دوما كوريا الجنوبية بأنها دمية في يد الولايات المتحدة، إرسال مسؤولين أدنى مرتبة نسبيا لرئاسة وفدها في المحادثات رفيعة المستوى مع الجنوب، الأمر الذي قالت حكومة بارك إنها عازمة على إنهائه. وقال الوزير الكوري الجنوبي ريو لصحافيين في كوريا الجنوبية: «هذه مصاعب متوقعة في سعينا لعلاقة جديدة مع الشمال».

عندما كان الكوريون الشماليون يزورون سيول، عاصمة كوريا الجنوبية التي نهضت سريعا من بين أنقاض الحرب الكورية (1950 - 1953) لتصبح قوة اقتصادية عالمية، اعتادوا على اتهام نظرائهم الجنوبيين بحشد السيارات لمحاولة التأثير عليهم. وفي رد سريع شهير، نقل عن المسؤول الكوري الجنوبي قوله: «نعم، قضينا وقتا صعبا في حشد كل هذه المباني الضخمة أيضا». وفي آخر هذه الزيارات أرادت وفود كوريا الشمالية الإشارة إلى اللافتات التي كتبت باللغة الإنجليزية في كل مكان من سيول لدعم زعمها بأن كوريا الجنوبية تحولت إلى مستعمرة أميركية.

* خدمة «نيويورك تايمز»