انقسام دولي حول الإقرار الأميركي بتجاوز نظام الأسد للخطوط الحمراء

برلين تدعو لجلسة في مجلس الأمن.. وموسكو تصفها بـ«الملفقة».. والسويد تحذر من «سباق تسلح»

TT

كان إقرار البيت الأبيض باستخدام نظام الرئيس بشار الأسد لأسلحة كيماوية ضد شعبه، بما في ذلك غاز السارين، أول من أمس، بمثابة القطرة التي فاض بها الكأس؛ إذ توالت ردود الفعل الدولية بين مرحب يدعو لاتخاذ خطوة فعلية كحظر جوي أو تسليح للمعارضة أو الذهاب بالملف مجددا إلى مجلس الأمن، وبين مستاء يتهم الإدارة الأميركية بـ«الكذب وتلفيق التهم».

فقد أعرب وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ عن ترحيب بلاده ببيان الولايات المتحدة، وقال هيغ إن الأزمة في حاجة لـ«رد قوي وحازم ومنسق من المجتمع الدولي»، مضيفا أن «صورة الرد ستتم مناقشتها مع الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى خلال (قمة) مجموعة الثماني». وتابع: «يجب أن نكون مستعدين للقيام بالمزيد من أجل إنقاذ الأرواح، للضغط على نظام الأسد للتفاوض بجدية، لمنع نمو التطرف والإرهاب، وإيقاف استخدام النظام للأسلحة الكيميائية ضد شعبه».

من جانبها دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمس لعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتوصل إلى موقف مشترك بشأن سوريا. وقالت ميركل في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إنه «يجب مناقشة هذا على نحو عاجل في مجلس الأمن الدولي. ونحن نأمل أن يصل المجلس إلى نهج موحد». وأضافت أن السعي لعقد مؤتمر دولي للسلام بشأن سوريا لا يزال الخيار الأفضل.

وتابعت قائلة إن موقف ألمانيا الذي يقضي بعدم إرسال أسلحة للمعارضة السورية لم يتغير.

لكن باريس قالت إنه «من غير المرجح» أن يعطي مجلس الأمن الدولي موافقته لفرض منطقة حظر جوي في سوريا، وهي فرضية اقترحها مسؤولون عسكريون في واشنطن، بحسب الصحافة الأميركية.

وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية فيليب لاليو أمس إنه «من غير المرجح أن يوافق مجلس الأمن على هذا الإجراء»، مذكرا بأن فرض منطقة حظر جوي يمر عبر قرار إلزامي لمجلس الأمن. وأضاف لاليو «أنها مسألة متكررة. المشكلة هي أن هذا النوع من الإجراءات لا يمكن أن يطبق إلا إذا أجيز دوليا».

وبحسب وسائل الإعلام الأميركية اقترح مسؤولون عسكريون أميركيون على الحكومة فرض منطقة صغيرة للحظر الجوي تغطي معسكرات تدريب مقاتلي المعارضة في سوريا. ومنطقة الحظر الجوي المقترحة ستدخل نحو 40 كلم في عمق الأراضي السورية وستتولاها طائرات تحلق في الأردن مزودة بصواريخ «جو - جو»، بحسب ما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، نقلا عن مسؤولين أميركيين لم تكشف هوياتهم.

ومن شأن هذا الحل أن يتيح الالتفاف على استصدار قرار في مجلس الأمن، بما أن الطائرات لن تدخل المجال الجوي السوري.

ورغم الترحيب ببيان الولايات المتحدة فإن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرس فوغ راسموسن قال إن «الحل في سوريا هو حل سياسي»، مكررا دعوته كل الأطراف المعنية: الحكومة والمعارضة، إلى حضور مؤتمر «جنيف2» الدولي. وتابع أن صواريخ «باتريوت» التي نشرت على الحدود السورية - التركية «ستؤمن حماية فعالة لتركيا من أي هجوم بصواريخ سوريا، سواء كان كيميائيا أو لم يكن». كما دعا دمشق إلى السماح للأمم المتحدة بالتحقيق ميدانيا في هذه المعلومات، مضيفا أن «الأسرة الدولية قالت بشكل واضح إن استخدام أسلحة كيميائية أمر غير مقبول إطلاقا، ويشكل انتهاكا فاضحا للقانون الدولي».

واتهم البيت الأبيض للمرة الأولى نظام الأسد باستخدام أسلحة كيميائية ضد معارضيه، مما أسفر عن مقتل ما بين 100 و150 شخصا، مؤكدا أن هذا التطور يعني تجاوز «الخطوط الحمر» التي كان أوباما رسمها لدمشق. وأوضحت الرئاسة الأميركية أن غاز السارين هو أحد هذه الأسلحة الكيميائية التي استخدمها نظام الرئيس بشار الأسد «على نطاق محدود في العام الماضي» ضد معارضيه، مشيرة إلى أن أوباما قرر تقديم دعم عسكري لمقاتلي المعارضة السورية، من دون تحديد طبيعة هذه المساعدة. وقرر أيضا زيادة مساعداته لها من المعدات غير القاتلة، ولكن من دون أن يتخذ حتى الساعة أي قرار بفرض منطقة حظر جوي فوق سوريا.

أما دمشق فقد اعتبرت أن الاتهام الأميركي «حافل بالأكاذيب»، ويستند إلى «معلومات ملفقة»، حسبما أفاد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية. وقال المصدر: «أصدر البيت الأبيض الأميركي بيانا حافلا بالأكاذيب حول استخدام أسلحة كيميائية في سوريا، وذلك بالاستناد إلى معلومات مفبركة سعت إلى تحميل الحكومة السورية المسؤولية عن استخدام هذه الأسلحة». وذلك حسبما نقلت وكالة الأنباء السورية «سانا». وأضاف أن هذا الاتهام يـأتي «بعد تواتر التقارير التي أكدت امتلاك المجموعات الإرهابية المتطرفة الناشطة في سوريا (في إشارة إلى مقاتلي المعارضة) مواد كيميائية قاتلة والتكنولوجيا اللازمة لإنتاجها وتهريبها من بعض دول الجوار».

وتماهى موقف حلفاء نظام الأسد مع ما قالته دمشق، إذ قال المستشار الدبلوماسي في الكرملين يوري أوشاكوف أمس إن اتهامات الولايات المتحدة لنظام الأسد باستخدام أسلحة كيميائية «غير مقنعة»، مضيفا: «نقول ذلك بوضوح. ما قدمه الأميركيون يبدو لنا غير مقنع». وأشار إلى أن زيادة المساعدة للمعارضة السورية «سيعقد» جهود السلام.

من جهته، قال نائب في حزب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس إن ادعاءات الولايات المتحدة ضد الأسد «مفبركة». وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما الروسي النائب اليكسي بوشكوف في تغريدة على حسابه على «تويتر» إن «المعلومات حول استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية مختلقة في المكان نفسه الذي اختلقت فيه الأكاذيب حول أسلحة الدمار الشامل لدى (صدام) حسين».

ولئن كان الموقف الروسي «متوقعا»، فقد كان الموقف السويدي مفاجئا؛ إذ أعلن وزير الخارجية السويدي كارل بيلد أمس أن «التعهد الأميركي بتقديم مساعدة عسكرية لقوات المعارضة في سوريا ينبئ بخطر حصول سباق تسلح في البلاد». وأضاف بيلد لوكالة أنباء «تي تي» السويدية: «لا أعتقد أن تحقيق التقدم يكون في إيجاد سباق تسلح في سوريا. هناك خطر بأن يؤدي ذلك إلى تقويض شروط العملية السياسية». وتابع بيلد: «لا شك أن ذلك سيكون خطيرا جدا وستكون له تداعيات إنسانية أخطر». كما أوردت الوكالة أن بيلد يفضل فرض حظر دولي على الأسلحة في سوريا.