«قلعة» جيزي تتحدى الحكومة التركية: فلترسل الشرطة وسترى

بوليك.. فنان يشم صورة أتاتورك لمن يريد دون أجر لـ«تخليد فكره»

TT

تحولت حديقة «جيزي»، أو «الرحلة» كما يقول اسمها بالتركية والتي كانت شرارة الاحتجاجات التي تجتاح تركيا منذ أسبوعين، إلى رمز لمعارضة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وبقيت شبه وحيدة في معارضة أردوغان الذي وجه لقاطنيها أول من أمس «الإنذار الأخير». فالحديقة هي المكان الوحيد الذي ما يزال يتجمع فيه المتظاهرون بعد إخلاء الشرطة بالقوة تجمعاتهم الأخرى في ساحة «تقسيم».

ويظهر لزائر «القلعة الأخيرة» للمتظاهرين أن هؤلاء كانوا على قناعة بأن الشرطة سوف تنقض عليهم في أي لحظة بعد التمهيد الكلامي لمسؤولي الحكومة التركية، ووصفهم وجود المتظاهرين فيها بالاحتلال.

يلز أوزكيا (مدرسة) أتت إلى الساحة «تضامنا» مع زملائها. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتيت أرى بأم عيني ما جرى لمدخل الحديقة وللتضامن مع الزملاء الذين يعتصمون هنا». وتضيف: «أما بالنسبة لتهديدات الرئيس (أردوغان) فهو يعيش في دولة ديمقراطية، وكما أننا نسمح له بالحديث واتخاذ القرارات باسم الشعب التركي، فهو أيضا يجب أن يسمع ويخضع لما يريده الشعب الذي انتخبه»، معتبرة أن «الإنذار الذي أعلنه أمر يعنيه شخصيا ولا يهم أي أحد هنا، فليقل ما يشاء».

أما آرسين قياي، فهو يتحدى أردوغان أن يأمر بمداهمة الحديقة. يقول قياي لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لا نمتلك أي سلاح ولا آلات حادة، ولن يجدوا مولوتوفا ولا مفرقعات نارية، فقط كل ما نملكه الإرادة الصلبة التي تقول أردوغان يمتلك كل شيء ويستطيع أن يأمر ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، ويمكنه أن يمسحنا عن وجه الأرض، ولكنني أتحداه أن يمتلك هو وقوات مكافحة الشغب التابعة له إرادة ونية صافية مثل هؤلاء الشباب الذين سيغيرون تاريخ تركيا». ثم يردف بمزيد من التحدي: «والله إذا هجم علينا فأهلا وسهلا وسيرى شيئا لم يره طوال حياته».

شغتاي بوليك، فنان وشم، يرسم على يد فتاة سلمته ذراعها. يقول: «أقوم بوشم صورة مصطفى أتاتورك لمن يريد من دون أجر. أستخدم في الوشم نوعا من الحنة المرتفعة الثمن، هدفي هو تخليد الفكر الأتاتوركي في ذاكرة الشباب ليتذكروا من أنشأ هذه الدولة الحضارية الديمقراطية، وليقفوا أمام من يريد أن يهدم هذه الجمهورية وهذه الأمة بكل ما يملك». ويضيف ردا على أسئلة «الشرق الأوسط»: «أعتقد أن من يأتي للتضامن مع هؤلاء الشباب المعتصمين ليس من أجل شجرتين قطعتا، وإنما يأتون للتعبير عن سخطهم من سياسة أردوغان القمعية، ويؤكدون أنهم لن يتخلوا عن أي جزء من حرياتهم الشخصية؛ لأنهم باختلاف آيديولوجياتهم وأفكارهم يطمحون إلى عالم حر خال من الديكتاتورية». ويضيف: «لا يوجد عاقل في العالم يهاجم مواطنين عزَّلًا يعتصمون سلميا، وإذا قام بهذا فإنه يدفع هؤلاء إلى الراديكالية، وإذا هاجمنا فإننا سنقاوم سلميا لنثبت له عكس ما يدعي أننا مؤطرون سياسيا».

آرزو شركز أوغلو السكرتيرة العامة لنقابة العمال الثورية، وهي أكبر تجمع للنقابات في تركيا، تقول: «أنا أود أن أقول بأن ما قام به أردوغان وسلطته البوليسية التي يحاول إجبارنا على قبولها هو تحد للرأي العام، وتدخل سافر في أسلوب حياة الشعوب التركية، بتوجيههم بطرق عدة، مثل الإنجاب الكثير ورفع الدعم عن المسارح ودور الأوبرا، والإصرار على هدم مركز أتاتورك الثقافي، وزيادة الضرائب على الكحول والسجائر، والأهم النسبة لنا هو أن الطبقة الرأسمالية زادت تخمة في عصره، وأصبح يتباهى بالنمو الاقتصادي الذي تعيشه تركيا، في المقابل هذا النمو لم ينعكس بنفس النسبة على العمال، بل انخفضت القوة الشرائية لهم، ولا يوجد عامل غير مستدين». وتشير إلى أنه «كان من المفروض أن يلتقي (أردوغان) مؤسسات المجتمع المدني والتنسيقية ولكنه اختار من سيجتمع معه ليتمكن من إقناعهم، لكنه فشل أيضا».

أما قوركام، عضو جماعة جارشي (مجموعة مشجعي فريق بشكطاش)، فيقول: «في البداية كان سبب وجودي هنا هو الدفاع عن الأشجار والبيئة، ولكن الشدة المفرطة التي استخدمتها الشرطة حيال الشباب العزل، ومنها ضرب قنابل الغاز باتجاه رؤوسهم، جعلتني أغير وجهة نظري من قوات الأمن». وأضاف: «قبل هذه الأحداث لم أكن أهتم بأمور البلاد، وكان كل ما يهمني هو متابعة أخبار كرة القدم وفريقي، ولكن مضى على اعتصامي مع هؤلاء 14 يوما، ومع أنني لم أغمض جفني منذ 24 ساعة فإنني سأبقى يقظا وأعد نفسي لأي مواجهة مع الشرطة بكل ما أملك من قوة جسدية، ولأقول للرئيس نحن لسنا إرهابيين. الإرهابيون من تعقد معهم الصفقات في جنوب شرقي تركيا (منظمة حزب العمال الكردستاني)». وختم قائلا لأردوغان: «سيدي الرئيس أوصيك بقراءة الدستور مرة أخرى. إننا نعتصم هنا لأننا نستخدم حقنا الديمقراطي السلمي في التعبير عن وجهة نظرنا».

وندر، شاب تركي يقول إنه من دون توجه سياسي، يرى أن أردوغان «لا يريد أن تكسر له كلمة، بل لا يريد أن ينتقد من أي جهة، أو حتى من شباب غير مسيسين لا علاقة لهم بالمشاكل الاجتماعية، ولكن الهجمات التي تقوم بها ضد مشجعي كرة القدم قوات الأمن التي تأتمر بأمر وزير الداخلية الذي يأتمر بأوامر أردوغان، تعني أن أردوغان هو الذي يستفز ليس الشباب المتأدلج فقط، بل الشباب الكروي».