حكومة أردوغان تلوح بنشر الجيش ضد المتظاهرين

أنقرة عاتبة على صحف عربية وتشكو من «تزوير حقائق»

TT

هددت الحكومة التركية أمس بنشر الجيش لمساعدة الشرطة على وقف المظاهرات المستمرة منذ حوالي ثلاثة أسابيع ضد الحكومة. ومن شأن نشر الجنود في الشوارع أن يشكل تصعيدا كبيرا في الأزمة التي تشكل أكبر تهديد تواجهه حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.

وجاء التهديد بنشر الجيش فيما واصلت الشرطة إطلاق الغاز المسيل للدموع والمياه على المتظاهرين في إسطنبول والعاصمة أنقرة في معارك تجددت بعنف بعد إخلاء المحتجين خلال اليومين الماضيين من حديقة جيزي في إسطنبول التي تشكل مركز الحركة الاحتجاجية. وقال نائب رئيس الوزراء بولنت ارينج في مقابلة تلفزيونية «أولا الشرطي ليس بائعا متجولا بل إنه عنصر في قوات الأمن والشرطة ستستخدم كل الوسائل المتاحة قانونا» لإنهاء الاحتجاجات، مضيفا أن «أحدا لا يمكنه أن يشكو من الشرطة». ونقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية قوله إنه «إذا لم يكن ذلك كافيا، يمكننا حتى استخدام القوات المسلحة التركية في المدن».

والتزم الجيش، الذي كان أقوى السلطات في تركيا وقام بأربع انقلابات خلال 50 عاما، الصمت طوال الاضطرابات لتكون هذه أول مرة في تاريخ البلاد المعاصر لا يتدخل فيها الجيش في أزمة سياسية كبيرة.

ويرى مراقبون أن أردوغان همش الجيش الموالي للعلمانية بشكل مستمر خلال فترة توليه السلطة، رغم أنه تم نشر بعض عناصر الدرك في نقاط رئيسة في إسطنبول في اليومين الماضيين لوقف المحتجين من محاولة عبور مضيق البوسفور.

من جهته، أعرب مصدر رسمي تركي رفيع المستوى عن أسفه البالغ للأخبار التي تناولتها بعض الصحف العربية نقلا عن مصادر غربية وعن وسائل التواصل الاجتماعي والمغايرة للواقع. وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن ثمة «فبركات إعلامية فاضحة اكتشفها المسؤولون الأتراك خلال الأزمة الأخيرة»، وأضاف: «لقد أظهر بعض الذين يسيئون استخدام هذه الوسائل صورة لجسر البوسفور أثناء الماراثون السنوي الذي يجري فيه عبور الرياضيين للجسر على أنها صورة لمتظاهرين يفدون من الجانب الآسيوي للمدينة إلى ساحة تقسيم». كما ذكر المسؤول ما أورده والي إسطنبول من أن الصورة التي نشرت وفسرت بأن سيارة للشرطة من تلك التي تستخدم لتفريق المتظاهرين من الذين يعتدون على الأملاك العامة قد دهست امرأة من المتعاطفين مع أحداث منتزه جيزي لم تكن إلا مفبركة عندما رمت المرأة المذكورة بنفسها أمام السيارة وأمسك بها بعض أفراد الشرطة لنقلها من مكان الحادث. وأشار إلى أن «أحد أعضاء حزب المعارضة وهو نائب في البرلمان، نشر صورة تبين الجروح وآثار الإطلاقات النارية على ظهر متظاهر سرعان ما تم الكشف على أنها صورة منشورة سابقا في أحداث الربيع العربي في القاهرة».

وقال المصدر إن «الإضراب الذي دعت إليه نقابتان وبعض المنظمات اليسارية لم يفلح في شل الحركة خدميا واقتصاديا في إسطنبول والمدن الأخرى ولم يلتفت أكثر الأطباء وأطباء الأسنان إلى هذا النداء وزاولوا مهماتهم بشعور عال بالمسؤولية». وأكد المسؤول أن تركيا بلد ديمقراطي يتيح حرية التعبير والتظاهر السلمي حسب القوانين المرعية ولكنها لا تتسامح في الحجر على حرية الآخرين والتخريب المتعمد، مؤكدا أن تركيا تستقطب سنويا أكثر من ثلاثين مليون سائح ولم يؤثر إلغاء الحجوزات للسفر إلى تركيا من بعض المصادر الأوروبية على انسيابية الحركة السياحية في أنحاء مختلفة من تركيا.

ميدانيا، تواصلت أمس المواجهات في شوارع إسطنبول وأنقرة، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع والمياه على المتظاهرين في إسطنبول والعاصمة أنقرة. وقال ناشطون إن الشرطة التركية اشتبكت مع محتجين مناهضين للحكومة في الساعات الأولى من صباح أمس، قبيل المظاهرات التي دعت لها اتحادات عمالية. واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه ضد المتظاهرين في أنقرة. وكان العمال في مسيرة في اتجاه منطقة كيزيلاي وهم يلوحون بأعلام ويرددون هتافات ضمن إضراب عام دعا إليه اتحادان عماليان تضامنا مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وقال رجال شرطة عبر مكبرات صوت أثناء وضع مدافع المياه على بعد بضع مئات من الأمتار «الموجودون منكم في الشوارع لا بد أن يتوقفوا عن إغلاقها.. ستلجأ الشرطة للقوة».

ومنعت الشرطة التركية الآلاف من الناشطين في إسطنبول من الوصول إلى ساحة تقسيم، بعد أن قامت قوات الأمن الأحد بإخلاء مخيماتهم مما أدى إلى إصابة المئات. ووقعت اشتباكات في عدة مناطق من إسطنبول، حيث قال نشطاء معارضون للحكومة إن الشرطة أطلقت مدافع المياه في مستشفى قريب من ساحة تقسيم لجأ إليه المتظاهرون. وقال النشطاء على الإنترنت أيضا إن بعضهم تعرض للهجوم من قبل موالين للحكومة كانوا يحملون هراوات وسكاكين منوهين إلى أن الشرطة لم تتدخل لفض الاشتباكات. وذكرت وسائل إعلام محلية أن مجموعة من الأشخاص كانوا يهتفون بشعارات مؤيدة للحكومة هاجموا مكتبا تابعا لحزب الشعب الجمهوري المعارض في إسطنبول.

وندد وزير الداخلية التركي معمر غولر بوقف العمل قائلا إن الدعوة التي وجهتها نقابتان عماليتان كبريان إلى إضراب عام دعما للمحتجين ضد الحكومة «غير قانونية». وقال غولر للصحافيين في أنقرة «هناك إرادة في دفع الناس للنزول إلى الشارع من خلال أعمال غير قانونية مثل وقف العمل والإضراب»، مؤكدا أن قوات الأمن «لن تسمح بذلك». وقال «من المستحيل تفهم الإصرار على مواصلة المظاهرات» المستمرة منذ أكثر من أسبوعين في المدن التركية الكبرى ولا سيما إسطنبول وأنقرة.

من جهة أخرى، أظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه أمس صحيفة «توديز زمان» التركية أن غالبية الأتراك يعارضون مشروع تطوير حديقة جيزي في إسطنبول كما ينددون بما يعتبرونه «تصرفا استبداديا» من جانب الحكومة. وأكد الاستطلاع الذي أجراه معهد متروبول أن حوالي 62,9% من الأشخاص المستطلعين يرغبون في الحفاظ على الحديقة كمساحة خضراء، في حين يدعم 23,3% من هؤلاء إعادة ترميم ثكنة عثمانية مكان هذه الحديقة بإمكانها استقبال مراكز تجارية وثقافية. واعتبر 49,9% من الأشخاص المستطلعين أن الحكومة أصبحت أكثر استبدادا، في حين رأى 36% منهم أنها متجهة نحو مزيد من الديمقراطية، و14,1% رفضوا الإدلاء برأيهم، وفق الاستطلاع الذي أجري عبر الهاتف على عينة من 2818 شخصا في مختلف مناطق تركيا بين 3 و12 يونيو (حزيران) الحالي. كذلك فإن 54,4% من الأشخاص المستطلعين يعتبرون أن الحكومة تتدخل بشكل أكبر في نمط حياة المواطنين، مقابل 40,4% يعتقدون عكس ذلك، بحسب الاستطلاع المنشور في صحيفة «توديز زمان» الإسلامية المحافظة المعروف عنها قربها من تيار الزعيم الديني فتح الله غولن الذي يعتبر من منتقدي أردوغان. وبحسب هذا الاستطلاع، فإن حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان سيبقى في الطليعة في حال كانت ستجرى انتخابات تشريعية هذا الأحد، مع 35,3% من نوايا التصويت متقدما على حزب الشعب الجمهوري المؤيد للعلمانية مع 22,7%.