المعارضة في كردستان العراق تقاطع المشاورات وسط استمرار الخلافات حول الدستور

حزب بارزاني يجدد تمسكه بالاستفتاء على المشروع أولا ثم تعديله

TT

يشبه الجدل الدائر حاليا حول مشروع دستور إقليم كردستان إلى حد بعيد الجدل البيزنطي حول معضلة الدجاجة والبيضة، وأيهما جاء أولا. والدستور في كل دول العالم يفترض أن يكون عامل توحيد لكنه في كردستان العراق أصبح عامل تفريق، يتجادل حوله فرقاء لا يثق أحدهم بالآخر.. فريق يريد تفصيله على مقاسه، وآخر يريده دستورا جامعا للكل.

ولم تشفع هيبة البرلمان وكونه بيتا للشعب في أن يجمع الفرقاء المتخاصمين على طاولة واحدة ليتفقوا ويتوافقوا على دستور ما زال يراوح مكانه منذ عدة سنوات، دون طرحه على الشعب ليدلي برأيه، وهو المرجع الأخير في هذا الشأن. فقد أخفق البرلمان الكردستاني مرة أخرى بتحقيق الحد الأدنى من التفاهم حول أول خطوة منه لتحقيق التوافق الوطني بشأن الدستور في اجتماع عقده أول من أمس، وكان يفترض أن يعقد الاجتماع الثاني أمس لكنه تأجل «إلى إشعار آخر». وقال طارق سارممي المستشار الإعلامي لرئاسة البرلمان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن رئيس البرلمان ألغى اجتماعا كان مقررا له اليوم (أمس) لإعطاء المزيد من الوقت للكتل البرلمانية للتشاور، وكذلك ليتسنى له (رئيس البرلمان) مواصلة مشاوراته مع الأحزاب والقوى السياسية خارج إطار البرلمان، بهدف تحقيق التوافق السياسي على مشروع الدستور، مضيفا أن «موضوعا بحجم الدستور ليس من السهل حسمه خلال اجتماع أو اجتماعين، وأن رسالة رئيس الإقليم وآراء ومقترحات 26 حزبا حول بنود الدستور تحتاج إلى المزيد من الوقت للتشاور».

ويبدو أن المستشار الإعلامي للبرلمان نسي أن السجال يدور حول مشروع الدستور منذ أكثر من سبع سنوات، واستقر أخيرا عند نقطة الرجوع إلى إلغائه وكتابة دستور جديد، أو الاكتفاء بأضعف الإيمان، وهو تعديل أكثر من 100 من بنوده وفقراته. وفي أول اجتماع لرئيس البرلمان مع الكتل البرلمانية، ظهر الخلاف حول ما إذا كانت المشاورات الحالية الهادفة إلى تحقيق التوافق الوطني هي لما قبل طرح الدستور على الاستفتاء، أم بعد تمرير الدستور. ففي تصريح أدلى به كمال كركوكي رئيس البرلمان السابق وعضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الإقليم مسعود بارزاني، أكد بشكل قاطع أن «قرار رئيس الإقليم بإحالة مقترحات الأحزاب والقوى السياسية الكردستانية مشفوعا برسالته الخاصة إلى رئاسة البرلمان، لا يعني مطلقا قبوله بإعادة مشروع الدستور إلى البرلمان لتعديله، وإنما طلب بارزاني من تلك الأحزاب إبداء رأيها حول المواد التي يراد تعديلها، وأن تجري المشاورات بهدف الاتفاق على تلك التعديلات، وبعد الاستفتاء سيعمل على إجراء التعديلات المجمع عليها».

ووجه كركوكي اتهامات إلى حركة التغيير الكردية المعارضة بأنها لا تريد أن يكون للإقليم دستور، وقال: «هناك عدة أسباب حول تأخير طرح الدستور على الاستفتاء، منها أسباب تتعلق بمفوضية الانتخابات التي تذرعت بمشكلات تقنية، وكذلك وجود أسباب سياسية وراء هذا التأخير، وحركة التغيير كان لها دور في تأخير طرح الدستور على الاستفتاء، فهم لا يريدون أن يكون لكردستان دستور لسبب واحد فقط وهو، رغبتهم في انتخاب رئيس الإقليم من قبل البرلمان».

وسارع النائب عن كتلة التغيير عدنان عثمان بالرد على عضو المكتب السياسي لحزب بارزاني في تصريح نشره موقع «سبه ي» التابع لحركة التغيير بقوله: «إن حركة التغيير لا توافق على تمرير دستور يعود إلى القرون الوسطى، ولن توافق على دستور يضمن لشخص واحد أن يكون رئيسا لكردستان طوال حياته ثم يورث منصبه لأولاده وأحفاده». وأضاف: «إن حركة التغيير تعارض تأخير طرح الدستور على الاستفتاء، وتريد أن يحسم هذا الموضوع بأسرع وقت من خلال توافق الأطراف السياسية وإجماعهم، على أن يكون دستورا يوحد البيت الكردي ولا يفرقه».

وحول أسباب الخلاف الذي حصل في أول اجتماع لرئيس البرلمان مع الكتل السياسية، أوضح كاردو محمد رئيس كتلة التغيير بالبرلمان في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نحن رحبنا أولا بخطوة رئيس الإقليم بإشراك القوى والأطراف السياسية بالمشاورات حول موضوع الدستور، واعتبرنا خطوته إيجابية لجهة تحقيق التوافق الوطني حول الدستور الذي يهم جميع فئات الشعب، والبرلمان يمثل الشعب، وهو المكان الأنسب للتشاور حول موضوع كبير بهذا الحجم، ولكن في الاجتماع الأول طرحت باسم كتلة التغيير سؤالا إلى هيئة رئاسة البرلمان حول ما إذا كانت هذه المشاورات تهدف إلى تحقيق التوافق على الدستور قبل طرحه على الاستفتاء أم بعده. ولم أتلقّ جوابا واضحا ومحددا من هيئة الرئاسة، ولكننا جميعا وجدنا أن رئيس البرلمان يميل إلى تحقيق التوافق قبل طرح الدستور على الاستفتاء، ولكن نائبه وهو من حزب بارزاني لمح إلى احتمال أن يكون هذا التوافق لما بعد الاستفتاء، وفي هذه الحالة فإننا سنقاطع الاجتماعات والمشاورات الجارية حاليا، لأنها لن تكون مجدية لتحقيق التوافق الوطني المنشود».