استنفار لبناني لمحاصرة فتنة بين السنة والشيعة في البقاع

الجيش ينتشر.. ووزير الداخلية يؤيد إعلان المنطقة «عسكرية».. ودعوات سياسية لـ«ضبط النفس»

TT

كثفت السلطات الأمنية والسياسية اللبنانية، أمس، دعواتها لأهالي منطقة البقاع اللبناني لـ«ضبط النفس»، عقب مقتل أربعة أشخاص في منطقة وادي رافق في البقاع الشمالي، أول من أمس، محذرة من الانزلاق إلى فتنة بين السنة والشيعة في المنطقة التي شهدت، منذ مطلع العام، حوادث خطف متبادل، وتوترا أمنيا غير مسبوق نتيجة ظهور مسلح من قبل الطرفين، وذلك على خلفية الأزمة السورية.

وتابع الرئيس اللبناني ميشال سليمان تداعيات الحادثة مع قائد الجيش العماد جان قهوجي، حيث اطلع منه على ما توافر من تفاصيل حول الحادثة، وأكد «ضرورة التشدد في ملاحقة مرتكبي هذه المجزرة واتخاذ التدابير الآيلة إلى ضبط الوضع وإبقائه تحت السيطرة».

وخوفا من تفاقم الوضع الأمني، أيّد وزير الداخلية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل، التوجه لإعلان البقاع منطقة عسكرية، لكنه رمى الكرة في ملعب الحكومة والبرلمان، قائلا إن «هذا الإعلان يستوجب اجتماع مجلسي النواب والوزراء، ولكني شخصيا أحبذ هذا الأمر في هذه المنطقة».

وتضاعف الحذر الأمني في منطقة البقاع الشمالي بمحاذاة الحدود مع سوريا، عقب سقوط القتلى الأربعة. وفي حين وصف سكان المنطقة، أمس، الوضع الأمني، بأنه «يقف على حافة الانهيار»، نفى رئيس بلدية الهرمل صبحي صقر أن يكون التوتر تضاعف منذ الحادثة، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أن الجيش اللبناني «نفذ انتشارا واسعا، وسيّر دوريات راجلة ومؤللة». لكنه لم ينكر أن حالة غضب رافقت مقتل الشبان المنحدرين من عشيرتي جعفر وأمهز، وأكد «غياب المظاهر المسلحة من المنطقة»، مشيرا إلى أن الأمن «لا يزال ممسوكا».

ولفت صقر إلى «مساع قامت بها الفاعليات، فضلا عن مسؤولين من حزب الله وحركة أمل للحد من التوتر»، وهما الحزبان الشيعيان الفاعلان في المنطقة، ويتمتعان بنفوذ كبير وسط المناصرين.

لكن المنطقة يحكمها النظام العشائري، مما يتخطى سلطة حزب الله وحركة أمل. وتشير مصادر بارزة في المنطقة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «سلطة العشائر في البقاع الشمالي، أقوى من سلطة الأحزاب»، مذكرا بحادثة اختطاف حسين كامل جعفر قبل شهرين في سوريا، اتهم فيها سكان بلدة عرسال، واتسعت لتشمل اختطاف أشخاص من الطرفين، قبل أن تنتهي بالإفراج عن جعفر.

وبعد مقتل علي كرامة جعفر ومحمد علي أحمد جعفر وعلي عبد الرشعيني وحسين شريف أمهز، أول من أمس، تجدد اتهام سكان بلدة عرسال السنية بالمسؤولية عن الحادثة، على ضوء مقتل أحد أبناء عرسال ويدعى علي الحجيري قبل أسبوع، إذ جرى ربط الحادثين ببعضهما، واعتبار مقتل الشبان الأربعة عملا «ثأريا»، مما دفع سكان منطقة الهرمل، ذات الغالبية الشيعية على الفور، إلى اتهام أهالي عرسال.

لكن رئيس بلدية الهرمل، يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن توجيه أصابع الاتهام لعرسال «لا يعني اتهام البلدة»، مشيرا إلى أنه «طلبت مساعدتهم لكشف الفاعلين، كون الحادثة وقعت في منطقة متاخمة لجرود عرسال، ومحاذية لراس بعلبك والقاع».

وكانت فعاليات المنطقة اعتبرت أن «هذا الاعتداء يرمي إلى الإيقاع بين أهالي عرسال وأهالي المنطقة، كما يرمي إلى إشعال نار الفتنة المذهبية التي ننكرها ونبغضها»، معلنين براءتهم من الفاعلين «أيا كانت هويتهم».

وتقع بلدة عرسال السنية، ضمن محيط شيعي ومسيحي، ويقيم فيها نحو 35 ألف نسمة، وتؤيد معظمها تيار المستقبل. وتعد هذه البلدة الآن، أكبر قرى بعلبك - الهرمل المؤيدة للثورة السورية في البقاع (شرق لبنان)، وتتمتع بحدود واسعة مع سوريا على مسافة أكثر من 70 كيلومترا.

ووقعت حادثة مقتل الأشخاص الأربعة في منطقة وادي رافق التي تبعد 30 كيلومترا عن عرسال، وهي منطقة يستخدمها مهربو المحروقات من وإلى سوريا، وشهدت عدة إشكالات بين المهربين، استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة.

وأصدرت عشيرتا آل جعفر وآل أمهز بيانا، قالتا فيه: «إننا لن نقوم بأي عمل يستهدف الأبرياء سواء من أهالي بلدة عرسال أو غير عرسال». وتمنت العشيرتان من جميع العائلات والعشائر في منطقة بعلبك الهرمل «عدم الانجرار إلى أتون هذه الفتنة العمياء التي ستحرق الأخضر واليابس»، وأوضحتا: «سنأخذ حقنا بأيدينا ومن القتلة فقط لا غير».

وتعتبر العشيرتان من أكثر العشائر نفوذا في البقاع. وتتوزع عشيرة آل جعفر في منطقة بعلبك، وتحديدا في حي الشراونة، وفي مدينة الهرمل وقراها. وعُرفت، خلال السنوات الماضية، بعدة حوادث صدامية مع الجيش اللبناني، على خلفية توقيف مطلوبين. وفي 25 مارس (آذار) الماضي، وإثر اختطاف أحد أبنائها حسين كامل جعفر إلى سوريا، قام مسلحو العشيرة باختطاف أشخاص من عرسال المجاورة، ولم يفرجوا عنهم قبل الإفراج عن ابن عشيرتهم.

وتتوزع عشائر شيعية عدة في البقاع، وتتمتع بنفوذ كبير في المنطقة منذ وقت طويل، وتحتكم لنظام عشائري، ويؤيد أبناؤها الحزبين الشيعيين حزب الله وحركة أمل، ولم يعرف عن تلك العشائر أي صدام مع أبناء عرسال قبل اندلاع الأزمة السورية. وعرف من بين تلك العشائر آل جعفر وآل زعيتر اللتان تعدان الأكبر والأقوى، يليهما آل أمهز وآل المقداد وآل علّو وآل مشيك. وبرز دور آل المقداد الصيف الماضي باختطاف مواطنين أتراك وسوريين على خلفية اختطاف حسان المقداد في سوريا، بغية مقايضتهم، قبل أن يتدخل الجيش اللبناني في موقع سكنهم في الضاحية الجنوبية، حيث نفذ عمليات عسكرية وأمنية دقيقة أدت إلى تحرير المختطفين وتوقيف أفراد «الجناح العسكري» للعشيرة.

في هذا الوقت، طالب أهالي الهرمل القوى الأمنية والجيش اللبناني بتعزيز وجودهم في المنطقة. وقال رئيس بلدية المدينة لـ«الشرق الأوسط» إن الأهالي «يطالبون الجيش بتفعيل وجوده أكثر وتكثيف دورياته، للحد من الإشكالات الفردية ولمنع إطلاق الصواريخ من الأراضي السورية نحوهم»، مشيرا إلى أن الجيش والأجهزة الأمنية «لن يقصروا أمنيا تجاه المنطقة، إذ يسيّرون دوريات ويواصلون التحقيق في الحادث للوصول إلى الحقيقة».

وانسحب التحذير، أمس، على السياسيين، إذ دعا الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام أهالي الضحايا وجميع المعنيين في المنطقة إلى «التزام الحكمة وضبط النفس والتنبه إلى مخاطر الفتنة، وإلى ترك السلطات الأمنية والقضائية تقوم بواجباتها في ملاحقة المجرمين».

واعتبر سلام أن الحادث «جريمة موصوفة تقف وراءها أياد شريرة لا تريد الخير للبنان واللبنانيين وتستدعي التعامل معها بأقصى درجات الحزم والشدة وفق مقتضيات القانون».

بدوره، اعتبر رئيس «كتلة المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة أن «هناك من يدسّ الدسائس ويعمل بشكل واضح لجرّ لبنان ومنطقة البقاع إلى الفتنة». ولفت إلى أن «الجريمة واضحة المعالم والخلفيات»، مشيرا إلى أن «المسؤولية الأساسية تكمن في تفاعل هذه الأجواء المتشنجة التي تفتح الباب لافتعال واستغلال مثل هذه الأحداث الناجمة عن مشاركة حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري، مما يستجلب كثيرا من الشرور نحو لبنان واللبنانيين».

كذلك، رأى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني أن «جرائم القتل المتنقلة هي محاولات يائسة لإشعال الفتنة المذهبية في البلاد»، داعيا «اللبنانيين إلى اليقظة والحذر من تحقيق إرادة المخططين لإشعال الفتنة عن طريق ردات الفعل التي تحقق أغراضهم في الفتنة».