البرازيل تشهد أكبر مظاهرات منذ 20 عاما

احتجاجات عنيفة ضد ضعف الخدمات قد تؤثر على استعداد البلاد للمونديال

متظاهر يقف أمام آلات للصرف الآلي التي طالها التخريب في ريو دي جانيرو مساء الاثنين (أ.ب)
TT

شهدت البرازيل خلال اليومين الماضيين أكبر مظاهرات اجتماعية تهزها منذ نحو عقدين من الزمن، احتجاجا على ضعف الخدمات العامة وتجاوزات الشرطة والفساد الحكومي. وتعد هذه المظاهرات التي جرت في الكثير من المدن الكبرى، الأضخم منذ التحركات الاحتجاجية التي جرت عام 1992 ضد حكومة الرئيس السابق فرناندو كولور دي ميلو الذي استقال أثناء محاكمته السياسية أمام مجلس الشيوخ. وسارعت رئيسة البلاد ديلما روسيف للتهدئة واحتواء غضب الناس بتأكيدها أن «المظاهرات السلمية مشروعة وهي من ميزات الديمقراطية»، بينما عبر محللون عن خشيتهم من تأثير المظاهرات على استعدادات البلاد لاستضافة كأس العالم لكرة القدم العام المقبل.

وأمس، أطلقت شرطة مدينة ريو دي جانيرو الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على متظاهرين شباب، خرجوا لليوم الثاني احتجاجا على ارتفاع تكاليف استضافة كأس العالم. وكان نحو 100 ألف شخص قد تظاهروا في المدينة، بينما راح بعضهم يضرم النار في السيارات ويكسر نوافذ البنوك ويقتحم المتاجر، مما استدعى تدخل الشرطة مستخدمة الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريقهم. وقامت مجموعات صغيرة من الشباب الذين يرتدون الأقنعة بأعمال تخريبية بالقرب من مقر برلمان ولاية ريو. وقالت السلطات إن خمسة من رجال الشرطة على الأقل أصيبوا في الاضطرابات. كما وقعت بعض أعمال التخريب في بورتو أليغري، وتحدثت التقارير عن إصابة شاب عمره 18 عاما بعد سقوطه من جسر خلال الاحتجاجات وقالت إن حالته مستقرة.

وجاءت المظاهرات احتجاجا على الاستياء العارم من التكاليف الباهظة لاستضافة مباريات كأس القارات في كرة القدم التي تجري حاليا ومباريات كأس العالم في كرة القدم التي ستجري العام المقبل، في الوقت الذي تحاول فيه هذه الدولة الناشئة اقتصاديا سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

وفي العاصمة برازيليا، احتل أكثر من 200 شاب لفترة وجيزة سطح الكونغرس الوطني. وبعد مفاوضات مع الشرطة، وافق المتظاهرون على النزول عن السطح، هاتفين بالشعارات وملوحين باللافتات، بينما طوقت الشرطة المبنى. وفي وقت لاحق، شكل نحو 5000 شخص سلسلة بشرية حول مبنى البرلمان. وزادت الشرطة إجراءاتها الأمنية حول المبنى وحول القصر الرئاسي.

وفي ساو باولو، العاصمة الاقتصادية للبلاد وأكثر المدن اكتظاظا بالسكان، نظم نحو 65 ألف شخص مسيرة سلمية لم تتكرر فيها مشاهد العنف التي شابت احتجاجات مماثلة الأسبوع الماضي. وأشعل المتظاهرون النار أمام مكتب محافظ الولاية، إلا أن الشركة منعتهم من دخول المكتب.

وقال ديو كويلهو، (20 عاما)، الذي شارك في مسيرة مع أصدقائه وهو يحمل الزهور في ساو باولو، إنه يحتج على عدد من الأمور. وأضاف: «لقد جئت لأنني أريد أن تستيقظ البرازيل. لم آت فقط للاحتجاج على ارتفاع أجور الحافلات، ولكن كذلك بسبب النواقص في التعليم والصحة». أما ديانا فيناشيو، (24 عاما)، طالبة الحقوق التي شاركت في مسيرة بريو، فقالت: «أنا هنا لأظهر أن البرازيل لا تتمحور فقط على كرة القدم والحفلات. لدينا قضايا أخرى تثير قلقنا مثل نقص الاستثمارات في أمور تهمنا كثيرا مثل الصحة والتعليم».

وخرج نحو 30 ألف متظاهر مسيرة في بيلو هوريزونتي و10 آلاف آخرين في مدينة كوريتيبا و10 آلاف آخرين في بيليم. وجرت مظاهرات أقل حجما في فورتاليزا وسلفادور وغيرها من المدن، ومن بينها بورتو أليغري، حيث سار نحو 3000 متظاهر أمام مبنى البلدية. وتدخلت الشرطة بعد أن قام عدد من الشباب بأعمال تخريب وأحرقوا حافلة.

وفي وقت سابق، حذر وزير الرياضة ألدو ريبيلو من أن السلطات لن تسمح بأن تعيق المظاهرات مباريات كرة القدم الدولية التي تعهدت البرازيل بتنظيمها. وقال: «لقد تولت الحكومة مسؤولية وشرف استضافة حدثين دوليين، وسوف تتحمل مسؤولياتها وتضمن سلامة المشجعين والسياح». غير أن الرئيسة ديلما روسيف صححت النبرة بعد بضع ساعات في مسعى واضح لتهدئة الأوضاع، وأكدت أن «المظاهرات السلمية مشروعة وهي من ميزات الديمقراطية». وأعلنت في بيان «التظاهر أمر طبيعي للشباب».

وتأتي هذه الاضطرابات في الوقت الذي تستضيف فيه هذه الدولة الجنوب أميركية كأس القارات حتى 30 يونيو (حزيران) الحالي وتستعد لاستضافة مباريات كأس العالم لكرة القدم التي ستجري العام المقبل.

وبدأت الاضطرابات بسبب رفع أجور الحافلات قبل أسبوع في ساو باولو. وانتشرت الاضطرابات بسرعة إلى المدن الأخرى، وركز المتظاهرون كذلك على مبلغ 15 مليار دولار خصصتها الحكومة للحدثين الرياضيين. ويطالب المتظاهرون بتخصيص هذه الأموال للرعاية الصحية وتحسين التعليم. والسبت، تمكن نحو ألف متظاهر من اختراق حاجز أمني والاحتجاج أمام بوابة الاستاد الوطني في برازيليا خلال المباراة الافتتاحية لكأس القارات. وفي اليوم التالي، حاول نحو 3000 شخص اقتحام ستاد ماراكانا في ريو.

وتأتي هذه الاضطرابات بعد أن أعلنت البرازيل أن اقتصادها سجل نموا ضعيفا (0.6% في الربع الأول)، بينما وصلت نسبة التضخم إلى 6.5% في مايو (أيار) الحالي. وأضرت هذه البيانات الاقتصادية الضعيفة بشعبية الرئيسة خاصة بين الشباب والأغنياء، بحسب ما أظهرت الاستطلاعات.