البيان الختامي لقمة الثماني لم يتطرق لمصير الأسد ويعرب عن القلق الشديد من الخطر المتنامي للإرهاب

دعا إلى «جنيف 2» في أقرب فرصة.. وموسكو تتوقعه في أغسطس المقبل

قادة مجموعة الثماني خلال لقطة تذكارية في مصيف في آيرلندا الشمالية قبل اختتام القمة أمس (أ.ف.ب)
TT

رغم أن قمة مجموعة الثماني لم تتطرق في بيانها الختامي بشكل واضح إلى مصير الرئيس السوري بشار الأسد أمس قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في مؤتمر صحافي عقده في ختام القمة التي أتمت أعمالها في آيرلندا الشمالية إنه «لا يمكن تصور» أن يلعب الرئيس الأسد أي دور في أي حكومة انتقالية في سوريا.

وعزا نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف عدم التطرق إلى الأسد إلى أن «بلاده حالت دون ذكر مصير الأسد في البيان الختامي لقمة مجموعة الثماني»، موضحا أن الإشارة إلى هذا الأمر (كان) سيخل بما وصفه بـ«توازن القوى السياسية».

ودعا قادة المجموعة إلى التوصل لاتفاق بشأن حكومة انتقالية سورية «تشكل بالموافقة المتبادلة» مشيرين إلى ضرورة الحفاظ على القوات العسكرية وأجهزة الأمن في أي ترتيب مستقبلي.

وكان القادة قد اختلفوا حول طبيعة هذه الحكومة الانتقالية حسبما أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، الذي قال: إن القادة اختلفوا بسبب تباين المواقف من طرفي الصراع وعدم قبول ما سبق وطرحه الرئيس فلاديمير بوتين حول مستقبل النظام السوري في إطار تأكيده أن روسيا ليست محاميا عن الأسد وأن مستقبل النظام السوري أمر يخص فقط الشعب السوري.

وأعرب القادة في بيانهم أيضا التزامهم بتحقيق حل سياسي للأزمة الدائرة في سوريا منذ ما يفوق العامين وحصدت أرواح نحو مائة ألف سوري من طرفي النزاع. وأيد القادة الدعوة لعقد «مؤتمر جنيف2» لحل الأزمة في أقرب وقت ممكن. وتوقع ريابكوف عقد المؤتمر في أغسطس (آب) المقبل بدلا من أواخر يونيو (حزيران) الحالي كما كان متوقعا.

وأكد البيان الختامي القلق الشديد للدول الأعضاء في المجموعة من «الخطر المتنامي للإرهاب والتطرف في سوريا» معبرين أيضا عن أسفهم لأن الطابع «الطائفي» يطغى بصورة أكبر على النزاع، وتعهدوا في بيانهم بتقديم معونة إنسانية تقدر بحاول 1.5 مليار دولار للسوريين.

وأدان قادة المجموعة، استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا دون إلقاء اليوم على أي من الطرفين وذلك بسبب رفض الوفد الروسي «ادعاءات بلا براهين حول استخدام الحكومة السورية لأسلحة كيماوية»، ودعا القادة كل الأطراف للسماح بدخول فريق تحقيق من الأمم المتحدة إلى المناطق السورية التي يشك في استخدام غاز السارين فيها. وأعلن غينادي غاتيلوف النائب الثاني لوزير الخارجية الروسية «أن موسكو لا تخطط لإجراء مشاورات جديدة مع الولايات المتحدة بشأن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا».

وفي ذات السياق كشفت مصادر الخارجية الروسية عن أن الوفد الروسي استطاع في القمة تحقيق بعض التقدم فيما يتعلق بالكثير من جوانب الموقف من الأزمة السورية. ونقلت المصادر عن ريابكوف قوله «إن من الممكن أن نؤكد عقب القمة تحقيق تقدم نحو عقد مؤتمر دولي حول سوريا جنيف2، على أساس التنفيذ الشامل لبيان جنيف الصادر في يونيو 2012». وأشار ريابكوف إلى «زيادة فرص عقد المؤتمر في القريب العاجل».

ورغم عدم أشارته إلى موعد محدد لهذا المؤتمر فإنه توقع انعقاده في أغسطس المقبل، وهو ما يمكن استيضاحه على ضوء ما سوف يسفر عنه الاجتماع الثلاثي لمبعوثي موسكو وواشنطن والأمم المتحدة الخاص بالتحضيرات لهذا المؤتمر الذي قالت مصادر الخارجية الروسية أنه سيبدأ في جنيف في 25 يونيو الحالي. وأكد ريابكوف ما سبق وأشار إليه الرئيس فلاديمير بوتين في ختام لقاءاته مع نظرائه في قمة الثماني الكبار حول اتساع مساحات الاتفاق حول ضرورة العمل من أجل سرعة وقف العنف وعقد مؤتمر جنيف على اعتبار أن الحل السلمي هو الخيار الوحيد للخروج من المأزق الراهن في سوريا بعيدا عن أي خيارات عسكرية. وقال ريابكوف «إن مساحة المواقف المشتركة بين روسيا والولايات المتحدة بشأن جنيف2 تتسع باستمرار».

وهذا ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القول في ختام القمة إنه لم يشعر بعزلة في القمة رغم اختلافه مع الزعماء بخصوص سبل إنهاء الحرب الأهلية في سوريا. وجدد بوتين أيضا انتقاده للخطط الأميركية لإرسال أسلحة إلى مقاتلي المعارضة السورية، مضيفا أن بعض قادة مجموعة الثماني عبروا أيضا عن شكهم في أن القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد استخدمت أسلحة كيماوية. وحذر الغرب من أن إرسال أسلحة إلى مقاتلي المعارضة السورية يمكن أن يأتي بنتيجة عكسية يوما ما لكنه دافع عن عقود السلاح الروسية مع الحكومة السورية. وقال بوتين «لا يمكنه استبعاد إبرام عقود أسلحة جديدة مع حكومة الرئيس الأسد». لكنه حذر من أن الأسلحة التي ترسل إلى مقاتلي المعارضة السورية يمكن أن ينتهي بها الأمر في يوم ما إلى استخدامها في أوروبا.

وناشد ريابكوف من وصفهم بالشركاء في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي «التحسب كثيرا قبل الإقدام على توريد أسلحة للمعارضة السورية». وأشار إلى أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تقوض الجهود الرامية إلى إتمام العملية السياسية. وأشار إلى «أن الطرف الروسي يرى ضرورة احترام السيادة السورية وضرورة تمكين السوريين من تحديد مستقبل بلادهم السياسي بأنفسهم».

وأما رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر فقال: إن البيان الختامي لمجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى الذي يدعو لإنهاء القتال في سوريا يمثل تحولا حقيقيا في موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأضاف في تصريحات للصحافيين «لدينا نتيجة مختلفة تماما ونتيجة أفضل كثيرا مما ظننت أننا سنحققه». وكان هاربر قد قال قبل القمة إنه يخشى أن يكون الاتفاق في مجموعة الثماني صعبا بسبب دعم بوتين لسوريا. وقال: «أعتقد أن ذلك كان تحركا مهما جدا من جانب السيد بوتين والروس».

وفي إطار ردود الفعل رحبت واشنطن بالاتفاق بشأن سوريا، وقالت إنه يفي بأهداف أوباما في اللقاءات مع بوتين وآخرين للتحقيق في استخدام أسلحة كيماوية والسعي لحل سياسي.

من جهة أخرى أعربت مصادر دبلوماسية أوروبية عن دهشتها مما تصفه بأنه «ازدواجية اللغة والمواقف» الروسية. ففي اجتماع جنيف الثلاثي التمهيدي لممثلين من روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة الذي عقد يوم 4 يونيو (حزيران) الحالي، قبلت روسيا بنقل «كامل الصلاحيات» بما فيها الإشراف على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، إلى الحكومة الانتقالية، وهو ما تؤكده وثيقة رسمية حصلت عليها «الشرق الأوسط» وتتضمن خلاصات اجتماع ممثلي المجموعة الضيقة لأصدقاء سوريا الذي عقد في لندن في 6 يونيو (حزيران) الحالي، الأمر الذي يعني أن موسكو «تقبل» بخروج الأسد من السلطة، فيما توحي تصريحات ومواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة الثماني عكس ذلك تماما.

وسبق لفرنسا، التي نجحت مع بريطانيا في حمل الاتحاد الأوروبي على رفع حظر السلاح عن المعارضة السورية، أن دعت إلى تقديم السلاح لها والتركيز على التعاون مع اللواء سليم إدريس، رئيس أركان قوات الجيش السوري الحر الذي عقدت معه اجتماعات مطولة في إسطنبول نهاية الأسبوع الماضي لدراسة الحاجات «العملانية» لقواته وكيفية تلبيتها. وتبدي باريس مخاوف من انعكاس الأزمة السورية على بلدان الجوار، وتحديدا على لبنان، ومن تدفق اللاجئين السوريين الذين يربو عددهم في لبنان على 500 ألف يضاف إليهم عدد مقارب من السوريين الموجودين أصلا في هذا البلد.