بيريس: المبادرة العربية فرصة تاريخية لا يجوز تفويتها

قال إن إسرائيل تستطيع لا بل يجب أن تعيش مع الفلسطينيين والعرب بسلام

TT

في لهجة مغايرة للهجة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وغيره من قادة اليمين الحاكم، أعلن الرئيس الإسرائيلي، شيمعون بيريس، أن إسرائيل تستطيع بل يجب أن تعيش بسلام مع الفلسطينيين والعرب. وقال، في حديث تنشره «الشرق الأوسط»، إن «هناك فرصة تاريخية أوجدتها مبادرة السلام العربية لا يجوز الاستخفاف بها أو تفويتها. فهي ذات بعد تاريخي».

وقال بيريس، ردا على سؤال إن كان يقول هذا الكلام لرئيس وزرائه: «بالتأكيد قلته وأقوله باستمرار»، موضحا أن السبب وراء عدم التحرك في هذه المسيرة إن «وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، يبذل اليوم جهودا مباركة. وعلينا أن نعينه على النجاح فيها». وتجنب بيريس الرد على تعقيب بأن «تصريحات القادة الإسرائيليين وممارساتهم لا توحي بأن هناك مساعدة له»، بقوله «دعنا ننظر إلى الأمام. هناك عقبات على الطريق، وهذا طبيعي. أنا أراه بمثابة آلام المخاض. فعملية السلام هي مسيرة وليست قرارا. والأمور الأساسية متفق عليها من حيث المبدأ. بقيت الأمور الإجرائية. إنني أوافق على ما كان قد قاله الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات، قبل أربعين عاما وهو أن 90% من المشكلة هي نفسية. ونجح السادات في كسر الحاجز النفسي. وعلينا أن نقتدي اليوم به ونكسر هذا الحاجز. ونستأنف المفاوضات. وأنا واثق من أننا سننجح».

وكان بيريس ومعه آلاف الضيوف الأجانب والأنصار والمؤيدين المحليين، قد بدأوا، ليل الاثنين الماضي، الاحتفالات بعيد ميلاده التسعين. ومن بين المشاركين في المناسبة، الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، الذي ألقى خطابا حارا لمدة 45 دقيقة أشاد فيها ببيريس. فقال: «لقد كان لي الشرف في أن أحضر الاحتفالات بعيد شيمعون بيريس الثمانين، قبل عشر سنوات، وها أنا اليوم في العيد التسعين. إنه إحدى أكبر الشخصيات الحاكمة في التاريخ. كل الوقت يعيش للمستقبل، وليس للماضي. إننا نحتفل اليوم بعيد ميلاد حكمته».

وردا على سؤال حول كونه اليوم الرئيس الأكبر سنا في العالم والزعيم السياسي الأقدم في إسرائيل، قال: «الجيل ليس الأساس في حياة القادة. بالنسبة لي فالغد هو اليوم. وليس الماضي. نحن نعيش في عالم انخفض فيه دور القادة لصالح المجتمع، الذي أصبح صاحب تأثير أكبر من أي مرحلة في تاريخ البشرية. فالقادة لا يحلون المشاكل، بل المجتمع هو الذي يحلها. الحكومات كلها ضعفت في عصرنا. فالاقتصاد أصبح عالميا. والأمن أصبح عالميا. نحن في عصر الإرهاب الفردي والمجموعاتي، الذي فكك الشعوب. وبات كل شيء في الدنيا عالميا. يحتاج إلى تضافر للجهود العالمية والتعاون الدولي».

وعن استعداداته لأن يعود إلى الوراء ويراجع نفسه ويقول عن قرار اتخذه وندم عليه أو قرار يندم اليوم لأنه لم يتخذه. قال: «أنا لا أعود إلى الماضي، ليس لأنه غير مهم، بل لأن المستقبل أهم. فإذا كان لدينا وقت للتفكير، فلماذا نضيعه على شيء مضى؟.. لماذا لا نستغله للتفكير في المستقبل؟».

ورفض بيريس في إطار رده على تعقيب بأن المنطقة التي يعيش فيها هي منطقة ضاعت وتضيع فيها اليوم فرص السلام، الذي لو تحقق لرأينا عالمنا كله مختلفا. بقوله: «ليس صحيحا أن الفرص تضيع. فالسلام ليس قرارا يتخذه القادة إنه مسيرة يصنعها الناس. وإذا نظرنا إلى العلاقات اليهودية العربية في البلاد هنا وفي المنطقة كلها نجد أن مسيرة السلام تقدمت إلى الأمام رغم كل ما يزعجنا في هذه العلاقات اليوم. فالعالم يتطور بقفزات إلى الأمام. وجنين السلام ينمو في رحم هذه المنطقة، كما ينمو الجنين في رحم الأم. وأنا أرى أننا اقتربنا من مرحلة الولادة. نحن في مرحلة المخاض. والمخاض كما تقول الأمهات هو أصعب مراحل الولادة».

وحول الفارق الزمني بين الجنين البشري الذي لا يستغرق أكثر من تسعة شهور في رحم أمه، وجنين السلام الذي لا يزال يتخبط في الرحم منذ عشرات السنين. قال: «نعم، السلام في التاريخ البشري بقي جنينا عشرات وحتى مئات السنين. لكن الأهم هو ماذا نفعل لولادته. علينا أن نشجعه على الخروج من عتمة الرحم. وهذا يتم عن طريق رسم الصورة الواقعية لعهد ما بعد السلام. فعلى الجميع أن يتصوروا أولا ما الذي سيحصل في عهد السلام بين إسرائيل والعرب هنا. أي ثمار سيقطفه كل شعب في حال الانتقال إلى حالة السلام. أي حياة تنتظر الشباب في حال وقف الحرب والعداء. وإذا كان لنا أن ننظر إلى الوراء، فعلينا أن ننظر إلى شعوب أوروبا. فمن كان يتصور أن تصبح أوروبا بعد حربين عالميتين سفكت فيهما دماء عشرات الملايين، موحدة كما هي اليوم؟».

وتابع بيريس القول: «في العالم العربي اليوم يعد 350 مليون نسمة منهم 99 مليونا يستخدمون الإنترنت، أي أنهم منفتحون على العالم. جيل الشباب يطلق طاقات جبارة للتغيير. والمجتمع الإسرائيلي يشهد هو أيضا تغيرات تاريخية في كل ما يتعلق بالنظرة إلى العرب. الكثير من الإسرائيليين يرون أن العرب يعرضون مبادرة سلام ويرون فيها فرصة تاريخية. والشرق الأوسط يتحرك بشكل مستمر إلى الأمام. فمن عاصر هذا الكم الكبير من الحروب والصراعات في العالم يعرف أننا في فترة مخاض جميل. وأن شمس التغيير باتت أقرب إلى التحقيق من أي وقت مضى في تاريخ شعوب هذه المنطقة»، مشددا ردا على أن ما يقوله أقرب إلى الأحلام من الواقع: «صدقني أن الأحلام أفضل من الذكريات. المهم أن نعرف كيف ننظر إلى المستقبل».

وكان بيريس قد ولد في بلدة ويسنيفو البولندية. وهي في بيلروس اليوم. وفي عام 1934 هاجر إلى فلسطين مع عائلته، وتلقى تعليمه في تل أبيب ثم في مدرسة زراعية في بن شيمن. واختير عام 1943 سكرتيرا لحركة «الشبيبة العاملة والمتعلمة». في عام 1947 انضم إلى صفوف «الهاغاناة»، الذراع العسكرية للحركة الصهيونية. وعمل في إطارها في مجال الموارد البشرية وشراء الأسلحة. وواصل العمل بهذه المجالات في وزارة الدفاع أيضا خلال الفترة الأولى من الحرب في سنة 1948. وفي عام 1949 عين رئيس بعثة وزارة الدفاع إلى الولايات المتحدة، التي عالجت مسألة شراء الأسلحة. في عام 1952 عاد بيريس، للعمل في وزارة الدفاع كنائب مدير عام الوزارة، وفي 1953 عين مدير عام وزارة الدفاع. خلال عمله هذا وطد العلاقات مع فرنسا ودفع عجلة تطوير الصناعات الجوية الإسرائيلية وبناء المفاعل النووي في ديمونة. وفي عام 1959 انتخب إلى الكنيست، وبقي عضوا منذئذ وحتى انتخابه رئيسا لإسرائيل في 2007.

وبين 1959– 1965 عمل كنائب لوزير الدفاع. في عام 1969 عين وزيرا لشؤون استيعاب القادمين الجدد، ومسؤولا أيضا عن التطور الاقتصادي لمناطق الضفة الغربية. وفي عام 1970 عين وزيرا للمواصلات والاتصالات، ووزيرا للدفاع في 1974 في حكومة إسحاق رابين. وبعد استقالة رابين في 1977. فاز بزعامة حزب العمل. ولكن حزبه خسر الانتخابات لأول مرة لصالح اليمين المتطرف. ومع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في 1984. أصبح بيريس رئيسا للحكومة لمدة عامين. وبين السنوات 1986– 1988 شغل منصب نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية في حكومة إسحاق شامير. وبعد انتخابات عام 1988، شكلت حكومة وحدة وطنية مرة أخرى، وحتى حلها في عام 1990. شغل منصب نائب رئيس الحكومة ووزير المالية. وفي سنة 1992، وبعد تشكيل حكومة العمل برئاسة رابين، عين بيريس وزيرا للخارجية، وقاد عملية السلام مع الفلسطينيين التي تمخضت عن توقيع اتفاق أوسلو في 13 سبتمبر (أيلول) 1993. وحصل بيريس في عام 1994 على جائزة نوبل. وفي 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 1995، بعد اغتيال رابين، أصبح بيريس رئيسا للحكومة. وشغل هذا المنصب حتى انتخابات الكنيست في عام 1996. التي هزمه فيها نتنياهو. وفي حكومة أرييل شارون شغل منصب وزير التعاون الإقليمي، ثم نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية، وفي حكومة إيهود أولمرت 2005 شغل منصب النائب الأول لرئيس الحكومة.