كيري يطالب بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا ورئيس هيئة الأركان يعترض

محللون: شل الدفاعات الجوية يتطلب 250 صاروخ توماهوك ويكلف نحو 300 مليون دولار

TT

تواجه الإدارة الأميركية انقساما حول سبل إنهاء الصراع السوري. وشهد اجتماع غرفة عمليات البيت الأبيض، مساء أول من أمس، مواقف متعارضة ما بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي دعا إلى شن هجوم جوي فوري على المطارات السورية وأماكن تخزين الأسلحة الكيماوية، ورئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مارتن ديمبسي الذي عارض هذا المقترح بشدة.

ودعا كيري إلى ضربة أميركية محددة تستهدف مطارات نظام الرئيس بشار الأسد بما يقيد قدرة الجيش النظامي على إيصال إمدادات إلى قواته البرية باستخدام الطائرات. وأوضح ديمبسي لكيري أن تدخل الولايات المتحدة بشكل عسكري في سوريا هو مقترح غير مرحب به. وأشار إلى أن سلاح الجو الأميركي لن يتمكن ببساطة من إسقاط صواريخ وضرب قواعد بسوريا وأن الأمر سيتطلب 700 طلعة جوية وتخصيص موارد مالية ودفاعية كبيرة. وحذر ديمبسي من أن الأمر لا يتعلق فقط باستراتيجية لتدخل عسكري في سوريا تؤدي إلى ضرب المطارات والسلاح الجوي السوري (بما يوقف ضربات الجيش النظامي ضد المدن السورية)، بل لا بد أن يتضمن استراتيجية للخروج وبحث تبعات هذا التدخل، مبديا تخوفه من رد الفعل الذي سيترتب على التدخل العسكري الأميركي.

ووفقا لعدة مصادر في الإدارة الأميركية، أشار رئيس الأركان الأميركية المشتركة إلى أن وزارة الخارجية لا تعي تماما تعقيدات عملية من هذا القبيل. ورفض الكولونيل ديف لابان، المتحدث باسم الجنرال مارتن ديمبسي، التعليق على الاجتماع، مشيرا إلى أنه «اجتماع روتيني لمناقشة مجموعة واسعة من الخيارات التي تشمل الخيار العسكري». ويتوجه وزير الخارجية الأميركي اليوم إلى العاصمة القطرية الدوحة للمشاركة في اجتماع دول الـ11، المكون الرئيس لـ«مجموعة أصدقاء سوريا»، صباح الغد، في رحلة يزور فيها 7 دول أخرى، منها المملكة العربية السعودية والكويت، ويناقش كيري في اجتماعه بوزراء دول أصدقاء سوريا جهود دعم المعارضة السورية والجهود المبذولة لتعزيز الحل السياسي. ومن المتوقع أن يشرح كيري بعض الملامح للكيفية التي ستوفر بها الولايات المتحدة الأسلحة للمعارضة السورية.

ويوجد اتجاه متزايد في مجلس الشيوخ لضرورة قيام الولايات المتحدة بالتدخل لوقف الأزمة السورية، يتزعمه السيناتور الجمهوري جون ماكين، الذي رحب بقرار الرئيس الأميركي باراك أوباما تسليح المعارضة وطالبه باتخاذ إجراءات أقوى.

ويحذر المحللون من موقف روسيا إزاء أي تدخلات عسكرية أميركية في سوريا، إذ لدى روسيا مصالح استراتيجية في سوريا مثل القاعدة البحرية في ميناء طرطوس، والبعض يحذر من أن الإدارة الأميركية لا تملك استراتيجية لتحقيق النصر العسكري في سوريا رغم قرارها الأسبوع الماضي تسليح المعارضة، لكنها لا تزال تسعي لاستخدام الطرق الدبلوماسية والتفاوض. بينما يحذر البعض الآخر من مخاطر سقوط سوريا وخلق فراغ في السلطة مثلما حدث بعد الإطاحة بصدام حسين في العراق عام 2003 وضرورة قيام الولايات المتحدة بالتدخل بشكل مدروس.

وأوضح جيفري غولدبرغ، أحد أبرز كتاب الأعمدة في وكالة «بلومبرغ» الإخبارية، أن الإدارة الأميركية لا تزال تتمسك بمسار الحل السياسي والمفاوضات، ولكي تنجح المفاوضات يجب على نظام الأسد أن يشعر بأن وجوده مهدد، وأضاف: «كيري يريد إنجاح محادثات السلام المقبلة في جنيف، ويعتقد أن قوات النظام بمساعدة حزب الله (اللبناني) وإيران يمكنها سحق المعارضة، لذا يعتقد أن توجيه ضربات جوية وإجراءات أميركية أخرى ستدفع النظام السوري إلى الجلوس على طاولة المفاوضات لأنه لا سبيل للتفاوض بينما يحقق النظام انتصارا على المعارضة».

وحذر غولدبرغ من أن مصداقية الولايات المتحدة على المحك، وأن على الولايات المتحدة لعب دور قيادي في الشرق الأوسط، لأن الفراغ الذي سينجم عن عدم قيامها بهذا الدور سيشغله المتطرفون من السنة والشيعة، وستواجه الولايات المتحدة مشاكل أكبر في المنطقة إذا لم تتدخل الآن، وهناك بالطبع ثمن للتدخل وأيضا ثمن لعدم التدخل.

وأشار تود هاريسون، الباحث بمركز التقييمات الاستراتيجية والميزانيات (سي إس بي أ) بواشنطن، إلى أن تكلفة التدخل العسكري في سوريا ستكون عالية بدرجة قد تتراوح ما بين مليار دولار إلى 10 مليارات دولار، وقال: «إنه وضع معقد للغاية عن التدخل الأميركي في ليبيا، لأن سوريا لديها أنظمة عسكرية متطورة أكثر من ليبيا، وضرب الدفاعات الجوية السورية تحد أكبر بكثير مما واجهته أميركا وقوات (الناتو) في ليبيا، ويتطلب طلعات جوية كثيرة من صواريخ توماهوك واستخدام تفجيرات عالية التقنية، وهذا من شأنه أن يرفع تكلفة أي تدخل عسكري في سوريا».

وتؤكد إليزابيث أوباغي، كبير الباحثين بمعهد دراسات الحرب بواشنطن، أن فكرة التدخل العسكري في سوريا وتدمير الدفاعات الجوي ستكون لها تكلفة عالية، لا تتعلق فقط بتكلفة إطلاق الطلعات الجوية الأميركية، لكن أيضا تتعلق بالمعدلات، حيث يتطلب ضرب القدرات الجوية السورية إسقاط نحو 250 صاروخ توماهوك، ويتكلف كل صاروخ نحو 1.4 مليون دولا،ر وهذا يعني أن أي ضربة جوية تستغرق بضع ساعات ستتكلف أكثر من 325 مليار دولار، وهذا لا يتضمن فرضية فرض منطقة حظر جوي في سوريا، التي بالطبع تتطلب أكثر بكثير».

واستبعدت أوباغي أن تتجه الإدارة الأميركية إلى استخدام الخيار العسكري، وقالت: «عندما نتحدث عن التكلفة يصبح ذلك أمرا مهما لمسؤولي الدفاع في واشنطن، ولا أرى أي اتجاه لتأييد فكرة فرض منطقة حظر طيران، وأن العقيدة العسكرية الأميركية تحاول الحديث عن منطقة آمنة بدلا من منطقة حظر طيرن بما يسمح لأفكار تتعلق بالاهتمامات الإنسانية على طول الحدود مع تركيا والأردن».