مدينة سوفياتية شهدت إطلاق أول قمر للفضاء تعاني الإهمال الشديد

بايكونور الكازاخستانية باتت مرتعا للتهريب وهجرة العمالة والتشدد الديني

مصورون يلتقطون صورا لعملية نقل مركبة «سويوز تي أم إيه» قبل إطلاقها إلى الفضاء في بايكونور في 26 مايو الماضي (رويترز)
TT

بينما كانت الخفافيش ترفرف حول الحديقة المطلة على النهر في هذه البلدة مساء يوم شديد الحرارة، خرج رجل من حقل للقصب حاملا حزمة عشب ثم طرحها على الأرض لتنظيف نفسه، قائلا إنه كان يربي عجلا في باحة مبنى سكني في المدينة، التي استقر بها في الآونة الأخيرة بعد رحيل سكان المبنى السابقين، وهم مهندسون في برنامج الفضاء الروسي.

كانت مدينة بايكونور، الواقعة في منطقة نائية غرب كازاخستان، مدعاة للفخر بالنسبة للاتحاد السوفياتي في يوم من الأيام، حيث كانت مقرا لقاعدة بايكونور التي شهدت إطلاق أول قمر صناعي يسبح في الفضاء باسم «سبوتنيك»، والذي حمل الكلبة لايكا وأول رجل إلى الفضاء هو يوري غاغارين. أما الآن، فتحولت تلك المباني المهجورة إلى مأوى للرعاة من السهوب القريبة.

يعد هذا مجرد علامة واحدة ضمن علامات كثيرة على انزواء تلك المدينة في غروب المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي، والتي باتت جديرة بالملاحظة نظرا لأن الكثير من دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، ما زالت تعتمد على بايكونور لإطلاق المركبات والأقمار والرحلات الفضائية، أما الموقع الوحيد الآخر لمثل هذه الرحلات فيقع في جيوتشيوان بصحراء غوبي في الصين.

وتقول آنا كوداكوفسكايا، وهي رئيسة تحرير الصحيفة المحلية التي تصدر في تلك البلدة: «إنه لأمر مؤلم بالنسبة لي أن أرى مدينتي بهذا الشكل». ظهرت الهواتف الجوالة لأول مرة في هذه المدينة عام 2004. كما ظهر التصوير بالرنين المغناطيسي هنا لأول مرة عام 2011. وعن ذلك تقول كوداكوفسكايا: «لسنا متقدمين على العالم في أي شيء سوى في الفضاء».

واليوم، يشكل المواطنون الكازاخستانيون 70% من إجمالي سكان بايكونور، ولكن ما زالت هذه المدينة مقاطعة روسية يتم تأجيرها من الحكومة الكازاخستانية وتخضع للسلطات القضائية الروسية. وأثناء انهيار الاتحاد السوفياتي، كان الكازاخستانيون لا يشكلون سوى ثلث سكان المدينة.

وبالإضافة إلى الرعاة المقيمين بالمكان، يمكنك رؤية عمال اليومية والتجار في شوارع تلك المدينة المتربة التي تتشكل معظم أرصفتها من الرمال، غير أن غالبية مبانيها مزينة بصاروخ أو رائد فضاء أو نجوم أو أشكال خيالية للكواكب، وحتى فقاعات المياه التي تخرج من النوافير تتدفق على شكل صواريخ، كما يتم تزيين المقاهي بصور لرواد الفضاء.

وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أصبحت هذه القاعدة مهمة للغاية لكل برامج الفضاء، باستثناء البرامج الصينية. قامت وكالة «ناسا» للفضاء الشهر الماضي بتمديد عقد إطلاق رواد الفضاء من هذه القاعدة لعام إضافي حتى منتصف 2017. مقابل مبلغ إضافي يصل إلى 424 مليون دولار. وحتى الآن، يعتمد جميع رواد الفضاء الأميركيين على هذه المدينة، التي تعد البديل المؤقت لقاعدة «كيب كانافيرال» الأميركية التي تعاني من بعض المشاكل في تمويل الرحلات المأهولة في الولايات المتحدة.

ونتيجة لهذه التبعية، تطلب وكالة «ناسا» من جميع رواد الفضاء المتدربين التميز في اللغة الروسية قبل أن يصبحوا رواد فضاء. وتقوم وكالات الفضاء في الاتحاد الأوروبي واليابان وكندا أيضا بإطلاق رحلاتها الفضائية من هنا على صواريخ روسية، بموجب اتفاق مع وكالة «ناسا» لإعادة شراء ما يقرب من نصف المقاعد الستة التي تشتريها ناسا سنويا من الروس.

ونتيجة لذلك، ربما تبدو بايكونور كأنها محور مزدهر للنشاط الفضائي. ومع ذلك، يتسم الوضع الراهن بأنه مؤقت، ذلك أن جميع البلدان، بما في ذلك روسيا، التي تقوم ببناء منصة إطلاق بديلة على أراضيها في الشرق الأقصى باسم «فوستوشني»، ترى أن هذا الوضع لن يستمر طويلا. ونتيجة لذلك، يتم تجاهل مدينة بايكونور، التي أصبحت على وشك الانهيار.

تعاني هذه المدينة من نفس المشكلات الاجتماعية الموجودة في آسيا الوسطى اليوم، مثل تهريب الهيروين من أفغانستان وهجرة العمالة والتشدد الإسلامي المتنامي. وقبل سنوات قليلة، ألقت الشرطة القبض على بعض الرجال في قرية طره - تام الكازاخستانية، على مقربة من السياج الذي يفصل قاعدة بايكونور، لقيامهم بتوزيع منشورات لجماعة «حزب التحرير» المتشددة.

وعلاوة على ذلك، تعاني البلدة من توتر عرقي، بسبب استحواذ الروس على معظم الوظائف المرموقة في مجال الفضاء والتي يحصل العاملون بها على رواتب عالية. وفي عام 2011. تجمع شبان كازاخستانيون في الشارع وهم يهتفون «العمدة كلب»، في إشارة إلى عمدة المدينة الروسي.

قبيل الرحلات الفضائية، يبقى رواد الفضاء ومسؤولو وكالة «ناسا» في فندق فخم على حافة المدينة، حيث يصل سعر أرخص غرفة لنحو 340 دولارا في الليلة، ونادرا ما يغامرون بدخول البلدة.

وفي مقابلة هنا قبل إطلاق الرحلة الفضائية لرائد الفضاء الأميركي كارين نبرغ الشهر الماضي، قال المتحدث الرسمي باسم وكالة «ناسا» روب نافياس: «دائما ما يتم معاملتنا بقدر كبير من الضيافة في ظل ظروف لوجيستية صعبة. نحن في فترة انتقالية خلال الوقت الراهن، ونأمل ألا تطول هذه الفترة».

ويستقل رواد الفضاء الأميركيون حافلة إلى الصواريخ الروسية على طريق وعر، حيث ترعى الإبل، ولا أحد يهتم بإصلاح الطريق وتغطية الحفر الموجودة عليه. وحتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وصف، في خطاب ألقاه بمناسبة يوم رواد الفضاء في الثاني عشر من أبريل (نيسان)، بايكونور بأنها «متهالكة».

وقال جين راجان، وهو مهندس البرمجيات من مدينة بيثيسدا بولاية ميريلاند الأميركية، الذي جاء كسائح لمشاهدة انطلاق الرحلات الفضائية في مايو (أيار) الماضي وكان يطارد النمل الطائر على السهوب أثناء مشاهدة انطلاق الصاروخ: «هؤلاء الناس يطلقون الصواريخ، ولكن هذه المدينة نفسها تشبه بلدان العالم الثالث».

وقد عبر رئيس وكالة الفضاء الكازاخستانية تالغات موساباييف عن انزعاجه من الحالة التي وصلت إليها بايكونور واقترح في ديسمبر (كانون الأول) الماضي إلغاء عقد الإيجار مع روسيا. وجدير بالذكر أن كازاخستان تحصل من روسيا على 115 مليون دولار سنويا نظير تأجير البلدة. وأضاف موساباييف: «خرجت الاتفاقية عن إطارها الصحيح».

ويشعر الكازاخستانيون بالغضب من الجهود الروسية الرامية إلى إبعاد الكازاخستانيين عن المباني المهجورة، والتي هي ملك للدولة الكازاخستانية رسميا، مشيرين إلى وجود نقص كبير في عدد المساكن بالمنطقة. واشتكى الكازاخستانيون من سقوط الحطام على أراضيهم أثناء مراحل إطلاق الصواريخ.

وردا على ذلك، هدد الروس بالانسحاب تماما بحلول عام 2018 عندما تكون «فوستوشني» مستعدة لإطلاق الرحلات الفضائية المأهولة، حسب ما أعلنت عنه صحية «ازفستيا» الروسية.

* خدمة «نيويورك تايمز»