مزاعم الأسلحة الكيماوية في سوريا تواجه انتقادات لـ«غياب الشفافية»

بموجب شروط المرجعية الخاصة بها.. لا يمكن اتخاذ قرار نهائي إلا بناء على أدلة يجمعها مفتشو الأمم المتحدة

TT

لا شك أن العلماء الأميركيين بذلوا الكثير من التدقيق والتمحيص فيما يخص ادعاءات استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل نظام الرئيس بشار الأسد ضد شعبه، إلا أن قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما تسليح المعارضة السورية يستند إلى مزاعم غير مؤكدة، بحسب ما يقوله دبلوماسيون وخبراء.

وقدمت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا للأمم المتحدة مجموعة كبيرة من الأدلة تتضمن عينات دم وأنسجة مختلفة وعينات للتربة يقول مسؤولون أميركيون إنها تثبت استخدام القوات السورية لغاز الأعصاب «سارين»، في ميادين المعارك، لكن طبيعة الأدلة المادية، وكذلك السرية المحيط بكيفية جمعها وتحليلها، عرضت الإدارة الأميركية للنقد من قبل خبراء مستقلين يقولون إنه لا يوجد طريقة موثوق بها لتقييم مدى صحة هذه الأدلة.

وتبدو البيانات الفنية المقدمة من الدول الثلاثة الكبرى غير كافية بالنسبة إلى مفتشي الأمم المتحدة الذين يحاولون تحديد ما إذا كان النظام السوري استخدم أسلحة كيماوية بالفعل خلال الصراع الذي دخل الشهر الـ25. وبموجب شروط المرجعية الخاصة بالأمم المتحدة لا يمكن الحكم على الوضع واتخاذ قرار نهائي إلا بناء على أدلة يجمعها مفتشو الأمم المتحدة بأنفسهم.

ويؤكد ديفيد كاي، المفتش السابق عن الأسلحة في الأمم المتحدة الذي تولى قيادة عمليات البحث الأميركية عن أسلحة دمار شامل في العراق بعد غزو عام 2003: «يمكنك بذل أقصى ما في وسعك من أجل التحكم في عملية التحليل، لكن نتائج التحليل من على بعد تكون غير مؤكدة دائما. ستكون أحمق إذا لم تكن حريصا عند القيام بهذا».

وأعلنت إدارة أوباما الأسبوع الماضي أنها ستزيد من دعمها العسكري للثوار بعد التوصل «بثقة كبيرة» إلى استخدام النظام السوري لأسلحة كيماوية على نطاق محدود، بحسب ما جاء في بيان البيت الأبيض.

وحذر الرئيس أوباما الأسد خلال شهر أغسطس (آب) الماضي من أن استخدام أي أسلحة من ترسانة الأسلحة الكيماوية سيعد تجاوزا «للخط الأحمر»، وسيقابل برد فعل قوي من جانب الولايات المتحدة. وتم تسريب أول تقرير عن استخدام غاز سارين من سوريا في يناير (كانون الثاني)، وقللت الإدارة من أهميته في البداية. وفي مارس (آذار) ذكرت بريطانيا وفرنسا تلقيها أدلة على حدوث مثل هذه الهجمات بالغاز، وطلبتا من الأمم المتحدة في خطاب مشترك التحقيق في مزاعم الثوار باستخدام السلطات السورية أسلحة كيماوية. كذلك قدمت بريطانيا عينات من التربة بعد فحصها.

واستمرت إدارة أوباما في جمع وتحليل البيانات لمدة 3 أشهر وتوصلت للاستنتاج نفسه. وتتراوح التقديرات الخاصة بعدد ضحايا الغاز السام بين 100 و150، وهو عدد قليل نسبيا في صراع راح ضحيته ما يزيد على 90 ألف شخص. مع ذلك ألزم التحذير من تخطي الخط الأحمر الإدارة الأميركية التي تقاوم الضغوط التي تدفعها نحو التدخل العسكري، باتخاذ إجراء.

ويدافع المسؤولون الأميركيون بقوة عما يصفونه بالتحليل الشامل الرصين متعدد المستويات أدى إلى تصريح البيت الأبيض الذي صدر في 13 يونيو (حزيران) الجاري بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا. ويستند استنتاج استخدام قوات الأسد غاز سارين إلى تقييمات علمية لمجموعة كبيرة من العينات التي تمثل أدلة على وقوع هجمات بالغاز تمتد لعدة أشهر بحسب اثنين من المسؤولين الأميركيين مطلعين على الأدلة. مصادر الأدلة متعددة بعضها مصادر غير سورية بحسب ما ذكرته مصادر مطلعة رفضت ذكر أسمائها نظرا لسرية العملية.

ويتعامل المحللون الأميركيون الآن بعد ما عانوه من الفشل الاستخباراتي عام 2003 بشأن أسلحة الدمار الشامل المزعومة، مع كل هذه المزاعم بحرص وحذر غير عادي، على حد قول مسؤول آخر في الإدارة الأميركية مطلع على التحليل الاستخباراتي. وأوضح المسؤول قائلا: «عليكم استخدام وسائل تحليل متقدمة موثوق بها والتفكر في الأدلة والمقارنة بينها والتدقيق في النتائج جيدا».

مع ذلك أقر مسؤولون ودبلوماسيون غربيون بأن غياب الشفافية أدى إلى تقويض مصداقية المزاعم الخاصة بالأسلحة الكيماوية. وقال دبلوماسي غربي تتابع حكومته التحقيقات السورية عن كثب: «تراكم الأدلة أمر حقيقي». مع ذلك أوضح المسؤول أن الأدلة التي تم جمعها بشكل مجمل من مصادر مختلفة وفي أوقات وأماكن مختلفة ينبغي أن تقنع جهة التحقيق في الأمم المتحدة بصحة المزاعم.

ويعتبر العالم السويدي وكبير مفتشي الأمم المتحدة أكي سيلستروم مفتاح معرفة حقيقة متى وأين تم استخدام الأسلحة الكيماوية؛ إذ يقع على عاتقه ربط الأدلة المادية إلى عدد من الحالات التي تم فيها استخدام الكيماوي في سوريا، تماما كما يقوم محقق الجرائم بتجميع أدلته حول قضية ما قبل الوقوف أمام قضاة المحاكم.

ومن المقرر أن يتجه سيلستروم هذا الأسبوع إلى تركيا، المحطة الأولى في جملة جمع بيانات ستشمل أيضا لبنان والأردن. ويسعى سيلستروم من خلال جولته على دول جوار سوريا لمقابلة شهود عيان سوريين وأطباء قالوا إنهم عالجوا ضحايا استخدام السلاح الكيماوي.

وقال دبلوماسي غربي رفيع المستوى إن على سيلستروم وفريقه أن يكون «صورة واضحة المعالم لما حدث»، مبديا في الوقت ذاته الامتعاض نظرا لاستغراق عملية إجراء مقابلات مع اللاجئين في المنطقة أشهرا.

ويؤكد دبلوماسيو الأمم المتحدة أن الأولوية يجب أن تكون لذهاب فريق تقصي الحقائق إلى المواقع التي حدث فيها استخدام للأسلحة الكيماوية في سوريا، ولكن، تضيف المصادر، نظرا للفارق الزمني بين الهجمات المزعومة والذهاب إلى هناك، فإن السارين لا شك لاتشى بعد الانفجار في الهواء وأشعة الشمس.

ويقول جان باسكال زاندر، الذي كان حتى وقت قريب زميل أبحاث في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، إن ما شاهده على صفحات الإنترنت من صور فوتوغرافية وفيديو وتقارير إخبارية توثيق استخدام غازات الأعصاب في سوريا تجعله مشككا في استخدام الكيماوي في سوريا. بضعة صور، يؤكد زاندر، يوجد فيها أعراض معروفة لهجوم بأسلحة كيماوية. وقد قارن في بحث قدمه للاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي بين الصور المتوفرة الآن عن سوريا وصور توثق هجمات الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في حلبجة في العراق عام 1998.

وتظهر الصور أن ضحايا حلبجة ماتوا نتيجة تأثرهم بعوامل كيماوية، ظهرت على أجسادهم علامات التعرض للسارين كازرقاق الشفاه ورؤوس الأصابع الناجمة عن الاختناق، كما ظهرت على جلودهم لطخات وريدة متفاوتة الدكانة بسبب التعرق الشديد وارتفاع ضغط الدم. «لا تقارير صحافية من سوريا تشير إلى تلك الأوصاف»، يقول زاندر، مضيفا: «وهذا ما يجعلني مشككا في دقة هذه التقارير».

ويعلل زميل الأبحاث السابق في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية أن الدلائل التي يتحدث عنها الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون لا يمكن أن تتم دراستها عن طريق علماء مستقلين، مضيفا أن بعض التقارير صدرت بغاية «دق ناقوس الخطر»، مضيفا أنه من الصعب أن يتم البناء على أشياء تقولها الحكومات.

* خدمة «واشنطن بوست»