محكمة مصرية تفصل اليوم في اتهامات لجماعة الإخوان بالتخابر مع حركة حماس

قضية هروب إسلاميين متشددين في «ثورة يناير» ألقت بظلالها على أمن سيناء

أمير سالم المحامي
TT

تختتم محكمة مصرية، اليوم، أغرب قضية متشعبة عن هروب المساجين أثناء ثورة 25 يناير، تتضمن اتهامات لجماعة الإخوان المسلمين بالتخابر مع حركة حماس. وربط عدد من المدعين في القضية عملية تهريب المساجين من 11 سجنا في مصر، العام قبل الماضي، بتنامي نفوذ تنظيم القاعدة في مساحة تبلغ نحو 120 كيلومترا مربعا على الحدود المصرية المجاورة لكل من قطاع غزة وإسرائيل. وقال شهود عيان إن اشتباكات وقعت، أمس، أمام المحكمة بين موالين لـ«الإخوان» ومدعين ضد الجماعة.

وبدأت القضية منذ عدة أشهر. وكانت تتعلق أساسا باتهام شاب عمره 24 عاما يدعى «السيد عطية محمد عطية» بالهروب من سجن وادي النطرون، الواقع غرب القاهرة، أثناء «الثورة». وقال أمير سالم المحامي الرئيس في القضية لـ«الشرق الأوسط» إن الشاب ورد اسمه كمتهمّ في البداية على سبيل الخطأ، ولم يكن يعلم أنه سيتسبب في فتح باب قضية تقلق قيادات إسلامية وجهادية. وأضاف، عقب قرار المحكمة، أمس، حجز القضية للحكم: «المحكمة قد تفتح ملفا ضخما يتعلق بكل القرائن التي اقترفت أثناء الهجوم على السجون في أيام ثورة يناير».

ومن بين ما جرى تقديمه في القضية شريط مسجل من مداخلة مع قناة «الجزيرة» يتحدث فيها الرئيس المصري محمد مرسي، حين كان من بين المساجين في سجن وادي النطرون قبل تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، ويقر في الشريط بخروجه وقيادات إخوانية أخرى من السجن بعد اقتحامه من أناس قال إنه لا يعرفهم.

ولم يشر الرئيس لهذه القضية المتداولة في مصر على نطاق واسع في أي تعليق له، مع تجاهل شبه رسمي من الجماعة التي ينتمي إليها، لكن قياديا في «الإخوان» قال لـ«الشرق الأوسط» طالبا عدم ذكر اسمه إن «الجماعة تحترم القضاء، وفي حال استدعاء أي من أعضائها ستتقدم بالدفوع القانونية التي تبرئ ساحتها»، إلا أن سالم علق بقوله: «إذا حضر أي من (الإخوان) الهاربين من السجون للمحكمة، فإنها ستأمر بإلقاء القبض عليهم باعتبار أنهم خالفوا القانون بعدم تسليم أنفسهم منذ هروبهم حتى الآن»، أيا كان موقعهم في الدولة حاليا.

وجرت التحقيقات في مكتب متواضع يطل على قناة السويس، في وقت كانت فيه الأمور تزداد اشتعالا على حدود شبه جزيرة سيناء مع إسرائيل من متشددين أعلنوا ولاءهم لتنظيم القاعدة، من بينهم هاربون من سجن وادي النطرون أيضا، وهم متهمون الآن بالوقوف وراء اختطاف وقتل نحو 26 من عناصر قوات الأمن والجيش المصري في شبه الجزيرة، خلال الشهور العشرة الأخيرة.

وفي دفوعه أمام محكمة الإسماعيلية، تحدث المحامي سالم، وهو خصم أيضا للرئيس السابق حسني مبارك في قضية قتل المتظاهرين أثناء الثورة، عن مشاركة جهاديين من حماس وحزب الله في اقتحام 11 من السجون المصرية في أيام 28 و29 و30 يناير (كانون الثاني) 2011. وحصلت «الشرق الأوسط» على صور من مستندات في القضية المسجلة برقمي «6302 لسنة 2012 جنح الإسماعيلية» و«338 لسنة 2013 جنح مستأنف الإسماعيلية» والمتهم فيها، بالمصادفة، الشاب «عطية» الذي عوقب أولا بالسجن لمدة 3 شهور قبل أن تتبين محكمة أعلى درجة (استئناف الإسماعيلية) أنه ليس المتهم المطلوب، وستفصل في أمره اليوم أيضا.

ومن بين الشهود الذين استدعتهم المحكمة عدد من آمري السجون التابعة لوزارة الداخلية، إضافة لتقارير من أجهزة الجيش والمخابرات وجهاز الاتصالات وغيرها. وكذلك تقرير تفصيلي عن الوضع في سيناء بداية من يوم 25 يناير 2011 حتى تخلي مبارك عن السلطة في 11 فبراير (شباط) العام قبل الماضي. ومن بين الشهود كذلك سائق شاحنة مصري، يدعى أيوب عثمان، تصادف تعطلها أمام سجن وادي النطرون عند العلامة 97 طريق «مصر - الإسكندرية الصحراوي» أثناء عملية الهروب. وذكر أنه شاهد عشرات السيارات والمسلحين الذين يتحدثون بلهجة تشبه لهجة أهل قطاع غزة، وهم يقتحمون السجن ويحررون قيادات من الإسلاميين.

ووفقا للتحقيقات، فإنه بعد ساعات من سيطرة المسلحين الملثمين بسياراتهم وأسلحتهم على مقار الأجهزة الأمنية الرئيسة ونقاط التفتيش في المنطقة الممتدة من رفح على حدود غزة حتى العريش، بدأت عملية اقتحام السجون المصرية لتحرير المئات من الإسلاميين المتشددين. وخرج أثناء ذلك نحو 25 ألفا من السجناء الجنائيين أيضا تسببوا في إثارة الرعب في البلاد أثناء «الثورة».

وقال سالم، الذي تعرض لتهديدات من مجهولين من أجل التخلي عن الادعاء في القضية، كان آخرها يوم أمس من إسلاميين أمام محكمة الإسماعيلية، إن الاستجابة لما تريده المحكمة من الأجهزة المسؤولة بشأن هروب المساجين كان «ضعيفا للغاية»، وفيه «مماطلة»، مشيرا إلى أن اقتحام السجون عن طريق ملثمين مستخدمين أسلحة «آر بي جي» و«غرينوف»، شمل 11 سجنا هي سجن المرج وسجن دمنهور وسجن الفيوم ومنطقة سجون أبو زعبل، وتضم 4 سجون، ومنطقة سجون وادي النطرون، وتضم 4 سجون أيضا. وتنفي حماس التهم المنسوبة إليها، سواء المنظورة أمام محكمة الإسماعيلية أو المنظورة أمام محاكم أخرى في مصر.

وأضاف سالم أن بدو سيناء لا يملكون القدرة الاحترافية على اكتساح المنطقة من الشيخ زويد إلى العريش، لمسافة نحو 60 كيلومترا (وعرض 20 كيلومترا، وفقا لمصادر جهادية) والاستيلاء على هذه المنطقة منذ أحداث 25 يناير 2011 حتى اليوم. وأوضحت تقارير أمنية عن الفترة من بداية 25 يناير 2011، وحتى تنحي مبارك، أن العشرات من العناصر المسلحة تمكنت من شل حركة الأمن المصري في سيناء باستخدام سيارات الدفع الرباعي والأسلحة والقاذفات الصاروخية.

ويرد في بعض التقارير لقب «البدو» و«المطلوبين أمنيا» في الإشارة لأولئك الملثمين. وقال سالم: «استخدام اسم (البدو) في محاضر الشرطة، وقت الأحداث، كان كلمة عامة، وهم كانوا ملثمين ولم يكن قد تم استكشاف طبيعة ما يجري في عموم البلاد»، مشيرا في نظريته إلى أن المتسللين من الأنفاق هم من اقتحموا سيناء إلى أن وصلوا إلى باقي السجون القريبة من القاهرة.

وما زال الشاب عطية يتردد على جلسات المحكمة. وقال إنه سيحضر اليوم (الأحد) لسماع الحكم في القضية التي تسبب، دون أن يدري، في تفجيرها، وأصبحت تتابعها القنوات الفضائية والصحف. وقبل أن تنطق المحكمة التي تتكون من 3 قضاة برئاسة القاضي خالد محجوب، بالحكم، ستكون قد استمعت إلى نحو 20 شاهدا، معظمهم من ضباط السجون وأمن شمال سيناء، وذلك بعد نحو 18 جلسة تحقيق، امتد كل منها إلى نحو 11 ساعة في اليوم.

ويطالب سالم باتهام السياسيين الذين يثبت أنهم هربوا من سجن وادي النطرون بالتخابر مع جهات أجنبية. وحاول عدد من المحامين الإسلاميين رد المحكمة (أي إبعادها عن نظر القضية)، إلا أن المحاولة باءت بالفشل لـ«عدم جديتها». ويتردد بين أروقة القانونيين الإسلاميين أن «الوضع بعد ثورة 25 يناير تغير، وأن خروج المساجين كان في ثورة». لكن أمير سالم علق قائلا: «القانون لا يعرف السياسة.. توجد ثورة حدثت ويوجد تنظيم سري داخل مصر استغل هذه الثورة ليحقق مكاسب خاصة جدا. كما أن الثورة لم يكن من بين أهدافها إخراج عناصر حماس وحزب الله والجهاديين من السجون».

ويزيد سالم موضحا أن «سجن ملحق وادي النطرون سجن شديد الحراسة، وكان محبوس فيه 62 من الجهاديين (المسجلين خطر) من المصريين والعرب.. كل هؤلاء تم تهريبهم، والبعض منهم خرج خارج البلاد (إلى غزة ولبنان وغيرهما)، والبعض استوطن منطقة الحدود بين رفح والعريش.. ما علاقة الثورة بهذا؟»، مشيرا إلى أن «سجن أبو زعبل خرج منه أيضا كثير من الجهاديين».