بان كي مون في «منتدى أصيلة»: التعهدات المالية للأمم المتحدة ليست كافية لمواجهة آثار التغيرات المناخية

رئيس غانا الأسبق يصف العلاقة بين الزراعة والأمن الغذائي وتغير المناخ بأنها معقدة

رئيس غانا الأسبق جون كوفور وعزيز اخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري المغربي ووالي مدينة طنجة محمد اليعقوبي وجاك ضيوف المدير العام الأسبق للمنظمة العالمية للتغذية والزراعة خلال الجلسة الافتتاحية لندوة منتدى أصيلة الأولى مساء أول من أمس (تصوير: أسامة محمد)
TT

دعت أصوات من الشمال والجنوب في مدينة أصيلة المغربية إلى ضرورة صياغة إجابات جماعية منسقة وبدائل اقتصادية جاذبة لوقف نزيف التدهور البيئي والتقليص من انعكاسات التغير المناخي على الموارد التي ينهل منها الإنسان استمرارية حياته على كوكب الأرض.

وحذر بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، من كون التعهدات المالية الحالية للمنتظم الدولي «غير كافية لمواجهة آثار التغيرات المناخية، والإبقاء على ارتفاع درجة الحرارة على كوكبنا مقارنة بما كانت عليه مستويات الحرارة قبل الثورة الصناعية في مستوى يقل عن درجتين اثنتين».

وقال كي مون، في رسالة قرأها نيابة عنه محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، مساء أول من أمس، في الجلسة الافتتاحية لندوة «التغير المناخي والأمن الغذائي: بين المقاربة التقنية والفعالية البشرية»، أولى ندوات موسم أصيلة الثقافي الـ35، التي احتضنتها مكتبة الأمير بندر بن سلطان، إنه ما فتئ يدعو إلى اتخاذ إجراءات ملموسة بشأن «هذا التهديد المحدق بالعالم»، مسجلا تحقيق بعض التقدم بيد أنه أوضح أنه «لا يزال أمامنا كثير مما ينبغي فعله».

وأبرز كي مون أن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون ومستويات تركيزه في الغلاف الجوي وصلت إلى مستوى غير مسبوق من الارتفاع، وظهرت آثاره في الأنماط القصوى من الطقس التي لا يمكن التنبؤ بها مع ما ينجم عن ذلك من خسائر في الأرواح وتقلبات في أسعار المواد الغذائية وكوارث مكلفة واضطرابات اجتماعية.

وأشار كي مون إلى أن التصدي للتحدي الذي يطرحه المناخ أمر لا غنى عنه لتحقيق التنمية المستدامة، والحد من الفقر، والقضاء على الجوع، وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، وتدعيم أسس السلام والأمن.

ومن جهته، دعا جون كوفور، رئيس جمهورية غانا الأسبق، الحكومات والهيئات والمنظمات الدولية إلى تناول موضوع تغير المناخ والأمن الغذائي خدمة لحماية كوكب الأرض، مشيرا إلى أن الأثر الإنساني، وإن كان سلبيا ليس هو الوحيد الذي يؤثر في تغير المناخ بل هناك عوامل أخرى تعرف بالكوارث الطبيعية كانفجار البراكين والزلازل والفيضانات.

واعترف كوفور بأن ارتفاع عدد السكان أدى إلى زيادة الاستهلاك خصوصا في الطبقة الاجتماعية الوسطى، وهذا سيؤدي إلى المزيد من الطلب على الأغذية مثل اللحوم والألبان والسمك مما سيفرض زراعة المزيد من المنتجات الغذائية. وقال: «إن الأمن الغذائي سيكون في صدارة اهتماماتنا في الأيام المقبلة، وعلينا أن نكون على دراية بالعواقب السلبية المترتبة عن تغير المناخ».

وذكر الرئيس الغاني الأسبق أنه في سنة 2009 اجتمعت مجموعة الدول الثماني، ودعت إلى تناول التنمية المستدامة وضمان الأمن الغذائي بشكل مستمر، مبرزا أن العلاقة بين الزراعة والأمن الغذائي وتغير المناخ علاقة معقدة.

وقال كوفور إن الطرح العالمي حول تغير المناخ والأمن الغذائي لم يترجم إلى الواقع وهناك بعض المصالح الضيقة، مضيفا أن البشرية واحدة ولا بد من استنباط استراتيجية مبنية على العلم والتكنولوجيا، وبالتالي على السلطات العالمية أن تسعى لتعزيز أواصر التعامل. وأكد كوفور أن البشرية في حاجة إلى عمل علمي من أجل التصدي لآثار تغير المناخ، بيد أنه يجب أن ينصب على تعزيز الأمن الغذائي.

ويرى كوفور أنه آن الأوان للتوصل إلى توافق في الإرادة لاستنباط أسلوب تناول موحد، وذلك بالتثقيف والتوعية بالممارسات البيئية السليمة، وعصرنة الزراعة، واعتماد سياسات ريفية منسقة، وهذا يتطلب دعما ماديا والتصدي للتصحر.

أما ميغيل أنخيل موراتينوس، وزير الخارجية الإسباني الأسبق فقال إن الأمن الغذائي يؤثر في الأمن الأساسي للبشرية بشكل مباشر لا يمكن تجاهله، مشيرا إلى عدم فهمه للتوجهات البشرية الحالية، حيث أظهرت بعض الأبحاث أن الأزمة الغذائية ترتبط مباشرة بالأزمة الاقتصادية والمجتمعية والسياسية، وبالتالي تحتل هذه الظاهرة صدارة الانشغالات في أجندة الأمن العالمي.

وطالب موراتينوس الحكومات وكبار المسؤولين على الصعيد الدولي بوضع الأمن الغذائي في طليعة اهتماماتهم، وقال: «لا أحد يفكر في اعتماد تدابير إلزامية للحد من هذه الآفة، ونحن في قلب التكنولوجيا ونستطيع التنبؤ بأمور كثيرة، وهذا يعني أن الإرادة السياسية غير موجودة».

وطالب موراتينوس ببناء سياسة زراعية مشتركة في الحوض المتوسطي بدل السياسة الزراعية الأوروبية. وتساءل: «كيف نسمح باستمرار وجود قرابة ملياري جائع؟»، منتقدا غياب إرادة سياسية حقيقية لضمان الغذاء للجميع.

ومن جهة أخرى، عد يوسف وادراوغو، المستشار الخاص لرئيس البنك الأفريقي للتنمية، ورئيس الوزراء الأسبق في بوركينا فاسو، أن تقلب المناخ بات تحديا كبير يهدد التنمية خصوصا في أفريقيا، مؤكدا أنه يؤثر سلبا على الزراعة وإدارة الغابات والبنى التحتية والصحة العامة. وأوضح وادراوغو أن هناك مدنا في القارة الأفريقية أصبحت مكتظة، وفيها الملايين يعيشون في الأكواخ والأحياء الهامشية، وبالتالي على الأطراف المعنية إيجاد طرق للتصدي لهذه الظاهرة، حيث أدى ارتفاع نسب معدلات النمو إلى سوء تقسيم معيشة السكان في ما يتعلق بالصحة والتعليم والغذاء وغير ذلك.

بدوره، قال جاك ضيوف، مستشار رئيس جمهورية السنغال، والمدير العام الأسبق لمنظمة التغذية والزراعة للأمم المتحدة، إن هناك مليارين من الناس يعانون الجوع بسبب تغير المناخ وأسباب أخرى، «وهذا يجب أن يشجعنا على البحث عن الطرق والسبل المناسبة». وأعرب ضيوف عن تقديره لنخبة السياسيين والخبراء وصانعي القرار المشاركين في الندوة، قائلا: «هم الذين يجب أن يتخذوا القرارات التي ستؤثر في مصير المليارات من السكان». وتساءل ضيوف عن كيف يمكن توفير الغذاء للعالم مع حلول سنة 2050؟، وكيف يمكن التقليص من آفة الغازات الدفينة؟ وكيف يمكن اتخاذ تدابير تصحيحية لتحسين المناخ ومستوى المعيشة؟، داعيا دول العالم المتقدم أن تسهم في حل أزمة الإنتاج الزراعي.

وتحدثت تريزا ربيرا، المديرة العامة للتنمية الاستراتيجية والأسواق الجديدة الدولية في إسبانيا، ووزيرة الدولة السابقة في البيئة، وقالت إن هناك ما يزيد على مليار نسمة تعاني من مشكلة نقص الأمن الغذائي، مبرزة أن هناك علاقة مباشرة بين تغير المناخ وأوضاع الزراعة وتلوث المنظومات البيئية، وهذا يعني تآكل التربة والجفاف والفيضانات. وقالت ربيرا: «لابد من اعتماد تدابير وبرامج رامية إلى الحد من انبعاث الغازات الدفينة»، مشيرة إلى أن ذلك يعني توعية المجتمع الدولي بضرورة إدراج هذه القضية في جميع اتفاقيات التعاون الإقليمية والفرصة سانحة لإبداء الإرادات السياسية.

وفي ختام الجلسة الافتتاحية للندوة، قال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، إن دورة هذه السنة من المنتدى، ستطرح على ضيوفها من المختصين والمهتمين ندوات فكرية ذات إشكالات من طبيعة مركبة.

وأضاف بن عيسى أن اختيار موضوعات من هذا الحجم يعود لأهميتها وارتباطها القوي بحاضر ومستقبل البشرية، خصوصا في ظل تطور بعض المفاهيم التي خرجت من مجالاتها التقليدية لتشمل ميادين جديدة أفرزها التطور الحضاري وتداخل العلاقات الدولية.