أمين عام التنظيم الدولي لـ«الإخوان»: الصراع في تركيا تتداخل فيه العلمانية والأتاتوركية

إبراهيم منير يعتبر في حوار مع «الشرق الأوسط» أن الجزائر اجتازت المرحلة العسيرة

TT

قال الدكتور إبراهيم منير عضو مكتب الإرشاد والأمين العام للتنظيم الدولي لحركة الإخوان المسلمين في حوار خص به «الشرق الأوسط»، على هامش ملتقى نظمته «حركة البناء الوطني» بالجزائر، إن «حملة تمرد هي محاولة جديدة لتسويق جبهة الإنقاذ المعارضة، بعد فشل كل جهودها في التأثير على وعي الشعب المصري»، وبخصوص اتهام المعارضة لـ«الإخوان» بمحاولتها التحكم في مفاصل الدولة بإقصاء باقي التيارات، قال إبراهيم منير: «نسبة من ينتمي لـ(الإخوان) في مقاعد المسؤولية لا تتجاوز 5 في المائة»، ويتابع: «ذلك على الرغم من المحاولات المستمرة من قبل الرئيس وحزب الحرية والعدالة لإفساح المجال أمام القوى والتيارات السياسية المختلفة، للمشاركة في إدارة هذه المرحلة في مصر»، ولكن حسب أمين عام تنظيم الإخوان في الغرب، فإن «قوى وتيارات سياسية مختلفة تفرض شروطا للتعاون تهدم ما تم إنجازه بعد الثورة»، ووصف الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة بأنها «محاولة للالتفاف على إرادة الشعب المصري»، وبرأيه، فإن المخرج من الأزمة السياسية الحالية في بلاده لا يكون إلا بـ«الجلوس غير المشروط على طاولة الحوار للخروج ببرنامج متفق عليه لإدارة المرحلة الانتقالية حتى إجراء الانتخابات النيابية»، وعن دور التدخل الأجنبي في الأزمة، قال منير: «التدخل الخارجي لا يمكن إنكاره».

وعن أزمة مشروع سد النهضة، أوضح إبراهيم منير أن «حل هذه الأزمة لا يكون إلا بالتوافق على طبيعة مثل هذه المشاريع بين دول حوض النيل»، وفي حال عدم وجود توافق بالحل يكون بـ«الحوار»، وفيما يتعلق بموقف الجماعة من الأزمة السورية، وتدخل الأطراف الخارجية قال: «الجماعة تدعو إلى انسحاب كل من هو ليس بسوري من أراضي سوريا»، وبخصوص موقفه من تصريح راشد الغنوشي بأنه لا يجوز إسقاط الحاكم بالتظاهر، أوضح: «ما صرح به الشيخ راشد هو صحيح 100 في المائة»، لأنه برأيه «لا يمكن مقارنة حكم بن علي ومبارك بأنظمة جاءت عن طريق اختيار حر من شعبي مصر وتونس»، وتفادى الدكتور إبراهيم الحديث عن الصراع الدائر بين حركة مجتمع السلم وأحزاب إسلامية أخرى حول من يمثل «الإخوان» بالجزائر، لكنه بارك في الوقت نفسه تأسيس (حركة البناء الوطني) بقيادة مصطفى بلمهدي، ونفى الأخبار المتداولة بشأن رفض «الإخوان» تلبية دعوة حركة مجتمع السلم وحركة التغيير لحضور ملتقى عُقد في وقت انعقاد ملتقى حركة البناء الوطني للحديث عن مآثر الشيخين محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني. وفيما يلي نص الحوار:

* المعارضة المصرية ومنظمو حملة «تمرد» يستعدون لمظاهرة 30 يونيو (حزيران)، والشعار الأبرز إسقاط الرئيس مرسي، ما موقفكم من هذا الموضوع؟ وكيف سيتعامل «الإخوان» مع هذه المظاهرات؟

- حملة تمرد محاولة جديدة لتسويق جبهة الإنقاذ المعارضة، بعد فشل كل جهودها ومحاولاتها السابقة في التأثير على وعي الشعب المصري، وثقته في قيادته التي اختارها بحريته، في انتخابات حرة ونزيهة.

وقد عبرت مؤسسات الدولة في مصر المعنية عن ترحيبها بأي مظاهرات سلمية للتعبير عن الرأي بحرية، بشرط عدم الخروج عن السلمية أو الإضرار بمصالح الشعب والمواطنين.

والدولة هي المسؤولة عن التعامل مع هذا الأمر وغيره، وليس الجماعة أو حزبها، أو أي تنظيم سياسي آخر.

* تُتهم حركة الإخوان المسلمين بأنها تسعى للسيطرة على مفاصل الدولة بإقصاء التيارات الأخرى، على الرغم من أن الثورة المصرية لم يقم بها «الإخوان» وحدهم، لكن حسب البعض، فإن «الإخوان» تنصلوا من التزاماتهم وأقصوا غيرهم.

- في أي نظام ديمقراطي يتولى الاتجاه السياسي الذي حاز على ثقة الشعب في الانتخابات تطبيق برنامجه، الذي انتخب على أساسه عبر أعضائه وممثليه المنتخبين.

ومع هذا الحق الأصيل، فلو تحريت حقيقة هذا الادعاء مقارنا بالواقع العملي، فستجد أن نسبة من ينتمي للإخوان في مقاعد المسؤولية لا تتجاوز 5 في المائة. وذلك على الرغم من المحاولات المستمرة من قبل الرئيس، وحزب الحرية والعدالة لإفساح المجال أمام القوى والتيارات السياسات المختلفة، للمشاركة في إدارة هذه المرحلة في مصر، ولكنها تفرض شروطا للتعاون تهدم ما تم إنجازه بعد الثورة، من مثل إعادة الانتخابات الرئاسية وإلغاء الدستور، وكلا الأمرين تم بانتخابات واستفتاءات ديمقراطية صحيحة. فهل هذا الادعاء صحيح أو واقعي أو حقيقي.

* قيادات في جبهة الإنقاذ الوطني رفضت دعوة الرئيس مرسي لإجراء مصالحة وطنية شاملة، معلنين تمسكهم بإجراء انتخابات رئاسية، لأنها - برأيهم - السبيل للخروج من الأزمة السياسية الحالية في مصر.

- الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة محاولة للالتفاف على إرادة الشعب المصري، التي عبر عنها بحرية كاملة في انتخابات ديمقراطية شفافة في يونيو 2012.

كما أنها تأتي بعد فشل جبهة الإنقاذ المعارضة في إقناع الشعب المصري بدعاواهم، بعد رفضه لكل محاولاتهم في الاستفتاء على الدستور، وموافقة ثلثي الشعب عليه.

* في رأيكم، ما المخرج الأمثل للأزمة السياسية الحالية في مصر؟

- المخرج هو الجلوس غير المشروط على طاولة الحوار، للخروج ببرنامج متفق عليه، لإدارة المرحلة الانتقالية حتى إجراء الانتخابات النيابية، التي ستعبر نتائجها عن الإرادة الحقيقية للشعب المصري، واختياره الحر فيمن يكلفه بإدارة البلاد، وتطبيق برنامجه الانتخابي، لوضع مصر على أعتاب مرحلة التنمية الشاملة.

* هل لهذه الأزمة أيدٍ خارجية أم أنها مجرد صراع داخلي؟

- التدخل الخارجي لا يمكن إنكاره، وهو المحرك الرئيس، وللأسف الشديد لهذه الأزمة، التي يشعل فتيلها اتجاهات شتى؛ قوى يمينية ويسارية تدعي العلمانية والليبرالية، وبعض من يقول إنه ينتصر للإسلام والشريعة، حتى اختلط فيها الحابل بالنابل.

وفي جو هذا الاختلاط غير المسبوق لا يمكن أن يقال إنه صراع داخلي فقط، بالنظر إلى أن النسبة الأكبر فيه تقوم على العامل الخارجي.

* هل هناك فعلا جهد لإحداث حالة من الاستقطاب بين التيار العلماني والتيار الإسلامي في مصر؟

- حالة الاستقطاب التي يسعى البعض إلى إحداثها بين التيار العلماني والتيار الإسلامي ليست في مصلحة الوطن ولا المواطنين.. لأنه، أولا، لا أساس لهذا الاستقطاب.. فإذا كان جل ما ينادي به ما يمكن تسميته بالتيار الليبرالي هو نظام الدولة الحديث الذي يحافظ على المساواة في الحقوق والواجبات بين مواطني دولة ما، فإن نظام الدولة الذي أنشأه الإسلام (نظام الله لعباده جميعا) كان أول نظام يقر ذلك، بل وينشئه حيث لم يكن قائما من قبل.. ونظرة فاحصة وبسيطة على وثيقة المدينة الني نظمت أوضاع المجتمع في المدينة المنورة لا يمكن إلا أن يقر بهذا الحقيقة في ضوء ما حوته من نظم وقواعد لم يستطع حتى اليوم نظام بشري مقاربتها أو مضاهاتها.

ومن هنا، فلا يوجد أساس لحالة الاستقطاب التي يسعى البعض لإحداثها، لفصم عرى الوحدة في المجتمعات الإسلامية.

* مجلس شورى الجماعة ينعقد في 22 من الشهر الحالي لتحديد موعد لانتخاب أعضاء مكتب الإرشاد ومرشد للجماعة، وهناك تقارير تشير إلى احتمال منح المرشد الحالي فترة ثانية، خوفا من حدوث حالات انشقاق داخل الجماعة.

- اجتماع مجلس شورى الجماعة هو اجتماع دوري، حيث تنص اللائحة العامة للجماعة في مصر على لقاءين دوريين كل عام في المحرم وشعبان. وليست هناك انتخابات ولا غيرها في هذا اللقاء.

أما الحديث عن حدوث انشقاقات فهو حديث واهم، وصفّ الجماعة موحد وعلى قلب رجل واحد من فضل الله، وقد أظهرت وأثبتت الأحداث ذلك قي التاريخ القريب والبعيد.

* مشروع سد النهضة فجّر حالة من القلق لدى المصريين، ما موقفكم من هذا الملف؟

- موقف الجماعة واضح من قضية سد النهضة في إثيوبيا.. فهي مع حق كل شعوب أفريقيا في التنمية الشاملة، ونؤيدها بكل قوة وخاصة في منطقة حوض النيل، وكل القارة التي تمثل عمقا استراتيجيا للأمن القومي المصري.

ولكن مشاريع هذه التنمية لا يجب أن تكون على حساب الغير، ولا تضر بمصالح دول حوض النيل، ولا تنقص من الحقوق الطبيعية والتاريخية المشروعة لمصر أو السودان في مياه النيل، الذي هو شريان الحياة لكل الدول التي يمر بها، ولذلك لا بد من التوافق على طبيعة مثل هذه المشاريع، بحيث يتم في تنفيذها مراعاة مصالح الجميع، وإذا كان هناك عدم توافق فبالحوار يمكن أن يتم حل هذه الخلافات.

* ما موقفكم بخصوص ما يجري في سوريا ومن التدخل الإيراني الذي يقول عنه البعض إنه يعمل على تدمير سوريا إذا فشل في استمرار نظام بشار الأسد؟

- قضية سوريا وما يجري هناك تؤلم كل محب للعدل، فضلا عن كل مسلم.

وموقف الجماعة منذ انطلاق ثورة الشعب السوري واضح ومحدد، فهي مع ثورة الشعب السوري وحقه في اختيار من يحكمه والتمتع بحريته كاملة غير منقوصة في ممارسة هذا الاختيار، مع رفض أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي، وضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، والبعد عن كل ما يمكن أن يؤدي إلى تعرض البلاد لخطر التفتت والتقسيم.

والجماعة تدعو إلى انسحاب كل من هو ليس بسوري من أراضي سوريا، وتهيب بالمنظمات العربية والإسلامية التدخل في حدود هذه المبادئ، ولضمان تحقيق هذه المطالب وضمان عودة أهلنا اللاجئين السوريين إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم آمنين مطمئنين، وتكوين صندوق دعم عاجل لمعالجة آثار المرحلة، وإعادة بناء ما دُمّر في سوريا الجريحة.

ونرى أن الحكومات والدول العربية، بالإضافة إلى إيران، تقع عليها المسؤولية الأولى في الخروج من هذه الأزمة.

والحديث عن أن إيران تعمل على تدمير سوريا إذا فشلت في الحفاظ على الأسد حديث غير صحيح. الذي يسعى إلى تدمير سوريا هم واضعو خطط سايكس - بيكو الجديدة.

أما فيما يخص التصريحات الصادرة من هناك وهناك، فإن الرأي الواضح بشأنها هو مناشدة الجميع البعد عن كل ما يؤدي إلى التشاحن والاستقطاب الطائفي المؤدي إلى حدوث فتنة مذهبية وطائفية، تسعى قوى كثيرة إلى إيقاع الأمة فيها؛ تدمر مصالح الأمة وتحقق مرامي وأهداف المخططات المعادية.

* ما قراءتكم للموقف الأميركي تجاه هذه الأزمة؛ هناك من يرى أن أميركا ترفض التدخل المباشر، لأنها تريد سوريا بلدا مدمرا حتى لا يشكل أي تهديد للكيان الإسرائيلي مستقبلا؟

- الموقف الأميركي خاضع للسياسة الصهيونية، ولا يريد لسوريا أن يكون لها أي دور إيجابي في الدفاع عن قضية فلسطين والمسجد الأقصى، وتحت هذا العنوان يمكن فهم السياسة الأميركية.

* بعض التيارات الإسلامية في العالم العربي تورطت في أحداث عنف، ومثال ذلك «أنصار الشريعة» في تونس؛ فهل تجربة الجزائر مرشحة للتكرار في كل من مصر وتونس مع تطرف التيار السلفي؟

- لا أقبل أن يحمل التيار السلفي بمجموعه مثل هذه الأحداث، فداخل خيمة هذا التيار توجهات كثيرة، ويمكن أن تتكرر أحداث العنف هذه، ولكن تجربة الجزائر في العشرية السوداء من المستحيل إعادتها مرة أخرى نظرا للظرف التاريخي والتفاعل الشعبي ومنطلق الأحداث وتوجهات المشاركين، فكلها لا يمكن استنساخها في تجربة أخرى.

* بخصوص «إخوان الجزائر»، أخيرا، صرح مصطفى بلمهدي رئيس حركة البناء الوطني في الجزائر بأن حركته هي الممثل الشرعي والوحيد لحركة الإخوان المسلمين في الجزائر، هل فعلا أنهى المكتب العالمي لـ«الإخوان» حالة الجدل والخلاف بخصوص تمثيل «الإخوان» في الجزائر؟

- مرت الجزائر بفترات عصيبة خلال مرحلة العشرية، وبفضل جهود ورؤية ثاقبة لرجال من أمثال المرحوم الشيخ محفوظ نحناح مؤسس الحركة الإسلامية الحديثة في الجزائر، وكذلك تضحيات غالية من مثل ما قدمه رفيق الشيخ نحناح، الشهيد محمد بوسليماني الذي اختاره الله لكي يقدم حياته ودمه على طريق الحفاظ على الجزائر موحدة، ويجود بأغلى ما يمكن أن يجود به إنسان في سبيل الحفاظ على الفهم الصحيح للدعوة الإسلامية بلا إفراط أو تفريط.

وبفضل الله فقد اجتازت الجزائر هذه المرحلة العسيرة في تاريخها الحديث، على الرغم مما تركته من آلام وجراح.

واليوم وقد تم تكوين حركة البناء الوطني، من تلاميذ الشيخين من الشباب المخلص الفاهم الواعي، وثلة ممن أبقاهم الله من رفاق الشيخين يرحمهما الله، وبقيادة ثالث ثلاثة الشيخ مصطفى بلمهدي، ليحملوا راية الإسلام الوسطي، وليقتفوا نهج الشيخين لبناء حركة إسلامية تهدف لخدمة الشعب الجزائري الأبي، وتحافظ على مصالحة الوطنية، وتساهم في نشر الفكرة الإسلامية الوسطية لمصلحة الجزائر والأمة العربية والإسلامية، فإننا نأمل من وراء هذا الخطوة ومن خلال التعاون بينها وبين غيرها من القوى الوطنية والإسلامية على الساحة الجزائرية، أن يتم تحقيق الخير الكثير للبلاد وللإسلام والمسلمين وحماية وخدمة مصالح الوطن والشعب.

* هل صحيح أنكم رفضتم دعوة كل من حركة مجتمع السلم وحركة التغيير لحضور ملتقى الشيخين «نحناح وبوسليماني»، وهو الملتقى الذي انعقد في الوقت نفسه مع الملتقى الذي نظمته حركة البناء الوطني وللمناسبة نفسها أيضا؟

- لا، لم نرفض دعوة أحد ومن المستحيل أن تكون في مكانين مختلفين في وقت واحد.

* هل صحيح أن ما يحدث في كل من تركيا ومصر هو صراع بين العلمانيين والإسلاميين؟

- يمكن أن يكون التوصيف الصحيح هو كذلك صراع بين العلمانية والإسلامية، ومع ذلك فالصراع في تركيا بين حكومة منتخبة وماضٍ قد ولى، يدخل فيه العلمانية والأتاتوركية ومشكلات القوميات، إضافة إلى ما هو أخطر، وهو استحضار صراعات تاريخ العلاقة مع الأرمن، ومحاولات أعداء تركيا إشعال ناره من جديد.

أما في مصر، فهناك اختلاف.. فعلى الرغم من أن النظامين الحالين، التركي والمصري، قد وصلا إلى السلطة عن طريق الإرادة الشعبية الحرة، فإن بقايا النظام العسكري السابق في مصر الذي استمر أكثر من 60 عاما في الحكم، لم يعرف الكثير منها الفارق بين العلمانية أو الليبرالية، أو أي من هذه المسميات، إلا أنه حريص على مصالحه المادية ومكتسباته التي حققها طوال خدمته ودعمه لأنظمة العسكر، هذه البقايا انضم إليها من تحركه الأصابع الخارجية مع مجموعة من حاملي بقايا الأفكار الأجنبية عن الشعب التي اندثرت، كما اندثرت الديناصورات.

والحمد لله، فقد هدأت الاضطرابات في تركيا، ولكن المؤشرات لا تمنع من إمكانية عودة الكرة مرة أخرى، طالما أن هناك أيادي تحرك، ويضرها استقرار البلدين وغيرهما من بلدان العالم العربي والإسلامي.